close
أخبار تركيا

السيسي وذكريات سبتمبر الحزينة

تركيا الحدث

لماذا خرجت المظاهرات من قرى مصر الصغيرة وفي الأرياف وبعض مدن صعيد مصر؟ الإجابة باختصار تجدها في أرقام رسمية نشرها تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عن نسب الفقر في مصر وتوزيعها الجغرافي.

لا يحمل شهر سبتمبر/أيلول ذكريات سعيدة للرئیس المصري عبد الفتاح السيسي وعائلته، في العام الماضي كانت البلاد على موعد مع قنبلة محمد علي المقاول المصري الذي فضح السيسي وزوجته وابنه محمود في سلسلة فيديوهات شاهدها ملايين الناس في مصر وخارجها.

ظهر السيسي مهزوزاً متوتراً غاضباً ليعترف بكل التهم التي وجهها له محمد علي، ثم يشاهد صوره يدوسها الشعب المصري بالأحذية في تظاهرات العشرين من سبتمبر/أيلول من العام الماضي.

مجدداً يجد السيسي نفسه على موعد جديد مع كابوس من كوابيس شهر سبتمبر، محمد علي مرة أخرى دعا المصريين إلى النزول إلى الشوارع فكانت الاستجابة في هذه المرة مختلفة في كل شيء.

لم ينزل المصريون في العاصمة المصرية القاهرة أو في المدن الكبرى مثل الإسكندرية ولم يحاولوا الوصول إلى الميادين الكبرى كميدان التحرير أو ميدان القائد إبراهيم، إنما نزلوا في سبعة عشر مكاناً كلها من القرى الصغيرة في أرياف مصر وفي صعيدها أيضاً، تحركوا كموجات سريعة في الشوارع الصغيرة وبين الأزقة وهتفوا بإسقاط السيسي ونظامه وطالبوه بالرحيل الفوري.

ثلاثة أيام متواصلة من التظاهرات المستمرة ضد السيسي، حراك لافت للنظر دعمته القنوات المصرية المعارضة في الخارج، وحركه محمد علي بفيديوهات مستمرة عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، وأيدته رموز سياسية وإعلاميون وحقوقيون في الخارج بالتغريد عبر وسائل التواصل الاجتماعي فكانت التظاهرات على الأرض يصاحبها تظاهرات إلكترونية عبر موقع تويتر ليتصدر تريند الثورة بدأت ويسقط حكم العسكر صدارة التريند في مصر.

لماذا خرجت المظاهرات من قرى مصر الصغيرة وفي الأرياف وبعض مدن صعيد مصر؟ الإجابة باختصار تجدها في أرقام رسمية نشرها تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عن نسب الفقر في مصر وتوزيعها الجغرافي، لتجد أن نسبة الفقر في مصر وصلت إلى 32.5% من إجمالي السكان، وإن خط الفقر في مصر يوازي 8837 جنيهاً سنوياً بما يعادل 735 جنيهاً مصرياً شهرياً.

يذكر التقرير أن جميع محافظات الصعيد باستثناء الفيوم لديها نسبة فقر أعلى من خط الفقر القومي ما يعني أن نسبة الفقر في أسيوط 66.7% تليها سوهاج بنسبة 60% والأقصر بنسبة 55% ثم المنيا بنسبة 54% وأخيراً الجيزة بنسبة 44%

من بين أفقر 1000 قرية في مصر يوجد أكثر من ربعها في سوهاج (حوالي 226 قرية بنسبة 87% من إجمالي القرى بالمحافظة) تليها أسيوط بحوالي 207 قرية (نسبة 88% من إجمالي القرى بالمحافظة) و136 قرية بالمنيا و155 قرية في البحيرة و60 قرية في قنا.

إذا ما أضفنا معلومة أن تلك القرى مجتمعة يسكنها حوالي 12 مليون نسمة منهم ثمانية ملايين يعيشون تحت خط الفقر، يمكننا أن نفسر لماذا تخرج التظاهرات من القرى الصغيرة.

لفت انتباهي ما كتبه أستاذ العلوم السياسية الدكتور خليل العناني عبر حسابه الشخصي على موقع فيس بوك توصيفاً لما يجري حين قال “ما يحدث حالياً يمكن أن نسميه انتفاضة القرى في مصر والتي تمثل حزام الفقر والفقر المدقع (عدم وجود الخدمات الأساسية من تعليم وصحة ومرافق إلخ)”.

وقد يسميه البعض ثورة الجياع التي تم التحذير منها طيلة السنوات الماضية ولكن دون جدوى، ليس بالضرورة أن تفضي هذه الاحتجاجات إلى تغيير سياسي في مصر لكنها قطعاً تعكس واقعاً اقتصادياً واجتماعياً مريراً يجب الاعتراف به ومعالجته حتى لا تكبر ككرة الثلج كما يحدث حالياً”.

أمر آخر يميز هذا الحراك المستمر عن سابقيه وهو معدل أعمار المشاركين فيه، المدقق في المشاهد المصورة التي تأتينا تباعاً يجد أن غالبية المشاركين يمكن أن نطلق عليهم أطفالاً ما بين الثانية عشرة والسادسة عشرة وهو أمر جدير بالاهتمام ويجب أن يقلق النظام ويزعجه بشدة.

من يشاركون اليوم في تظاهرات تطالب بسقوط السيسي لم تتجاوز أعمارهم وقت ثورة يناير السادسة، ما يعني أنه جيل نشأ وكبر وتربى على يد السيسي وخطابه الإعلامي ومحاولاته تزييف وعيهم.

المفاجاة أن جيل الأطفال هذا قد تمرد على كل محاولات غسيل الدماغ وتزييف التاريخ وتشويه يناير الثورة وما بعدها، جيل تربى على أن الثورة خراب حل بمصر وأهلها، وبأن الثوار هم أساس الفوضى وأن السيسي هو منقذ البلاد والعباد من أهل الشر، جيل كبر وهو يستمع إلى أحمد موسى يحذره من الفوضى أو النزول إلى الشارع ، كبروا وهم يستمعون إلى صراخ عمرو أديب وهو يسب هذا المعارض ويخوض في عرض ذاك، ومع ذلك وعند أول فرصة حقيقية تمرد هذا الجيل الصغير سناً الكبير مقاماً وفعلاً على كل الدعاية السوداء التي صنعها السيسي وانطلق إلى الشوارع غير مكترث بكذبات السنين السبع الماضية.

مصر تستعد لجمعة غضب جديدة بعد أن كسر المصريون حاجز الخوف مرة أخرى، فسياسات السيسي الأمنية وممارساته القمعية لن تصمد طويلاً أمام غضبتهم وله في مبارك درس وعظة.

ما جرى في السادس من أبريل/نيسان 2008 عندما أسقط المصريون صورة مبارك بعد سنوات من النضال السياسي يحدث الآن ولكن دون ظهير سياسي أو ظهير حزبي او جماعة تقف وراءه، هي غضبة جيل صنعه ظلم السيسي وخلقته انتهاكات حقوق الإنسان وأغضبه انهيار الدولة اقتصادياً وسياسياً وأمنياً فلم يعد يرى مستقبلاً له في ظل وجود السيسي.

سيرحل الجنرال العسكري بانقلابه وحاشيته ما دام هناك من يتمسك بالأمل ويكسر حاجز الخوف ويقف في وجه الديكتاتور.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.

المصدر: TRT عربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى