close
أخبار تركيا

من جلعاد أردان الذي غادر في أثناء خطاب أردوغان؟.. ولماذا غادر؟

تركيا الحدث

بقدر ما تبتعد العلاقة الإسرائيلية التركية عن حميمية عقود الخمسينيات حتى الثمانينيات من القرن الماضي، فإن العلاقة التركية الفلسطينية تتجه الآن نحو تقوية الجانبين، فتركيا تكسب قلوب الشعوب العربية والإسلامية المتعاطفة مع القضية الفلسطينية

مع أول يوم من أيام فصل الخريف لهذا العام، كانت أبرز لقطة تناولتها الكاميرات وتداولتها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لقطة إزالة مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة جلعاد أردان سماعات الترجمة عن رأسه بغضب، ثم خروجه من قاعة اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وهو يهز رأسه يميناً ويساراً للتعبير عن مدى سخطه وغضبه، في حين ظهرت في الخلفية صورة الرئيس التركي رجب أردوغان في أثناء إلقاء كلمته خلال اجتماعات الجمعية العامة عبر الاتصالات، حيث قررت الأمم المتحدة أن تكون كلمات زعماء العالم في الجمعية العامة لهذا العام عبر تقنية “الفيديو كونفرنس” بسبب إجراءات مكافحة جائحة كورونا.

بالمناسبة.. مشهد المندوب الإسرائيلي وهو يغادر القاعة لم يكن غريباً على الأتراك، فقد سبق أن حدث نفس المشهد تقريباً العام الماضي عندما غادرت النائبة الفرنسية سونيا كريمي القاعة في أثناء رد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو القاسي على مزاعم الوفد الفرنسي عن ما يسمى “إبادة الأرمن”، خلال ندوةٍ للجمعية البرلمانية لحلف شمال الأطلسي.

اقرأ أيضا:

من
“الأرض مقابل السلام” إلى “السلام مقابل السلام” .. هل ضاعت فلسطين؟

جلعاد أردان وصف بعد خروجه الرئيسَ التركي بـ”المعادي للسامية” و”الدكتاتور”، وحرص كذلك على الادعاء بأن الرئيس التركي “يذبح الأكراد” و”ينكر الإبادة الجماعية للأرمن” و”يساعد عناصر حماس”. وكان ذلك حين قال الرئيس التركي في كلمته مشيراً إلى إسرائيل: “إن اليد القذرة الممتدة للقدس تزيد من وقاحتها”، في إشارةٍ إلى الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة في القدس التي تهدف إلى تغيير الوضع القائم في الأماكن المقدسة، وتغيير طابع القدس وتهويدها بالكامل، ومن المعلوم أن أردوغان مس بذلك عصباً حساساً لدى إسرائيل، كما أنه ربما مس العصب الأشد حساسيةً لدى جلعاد أردان شخصياً، بالنظر إلى خلفية هذا الرجل ذي الشخصية المتطرفة الجدلية.

جلعاد أردان لم يكن وزيراً عادياً في حكومات نتنياهو السابقة، بل تسلم واحداً من أخطر الملفات الأمنية في إسرائيل، وهو وزارة الأمن الداخلي. وأردان محسوب على اليمين المتطرف العلماني في إسرائيل، فهو ليس متديناً بطبعه، ولكنه بالرغم من ذلك يحظى بشعبية عالية لدى الجماعات الدينية اليمينية المتطرفة في إسرائيل، خاصة ما يسمى “اتحاد منظمات المعبد” الذي يضم عدداً من الجمعيات والمنظمات الدينية اليمينية التي تستهدف بناء معبد يهودي داخل المسجد الأقصى المبارك.

وكان بعض أقطاب اليمين المتشدد يرى في أردان خليفةً محتملاً لنتنياهو، وربما كان هذا هو السبب الذي دعا نتنياهو لاستبعاده عن الساحة السياسية الداخلية في إسرائيل، عبر إرساله إلى نيويورك مندوباً لإسرائيل في الأمم المتحدة.

اقرأ أيضا:

العلاقات
مع إسرائيل بين تركيا والإمارات.. ليس هناك وجه للمقارنة

خلال الانتخابات الأخيرة في إسرائيل، تباهى أردان في الإعلام بدوره في تغيير عقيدة الشرطة الإسرائيلية في المسجد الأقصى المبارك، والتي تحولت وظيفتها في عهده من منع المتطرفين الصهاينة من توتير الأوضاع في المسجد، إلى حماية هؤلاء من غضب المسلمين في أثناء عمليات اقتحام المسجد، أي حماية المتطرفين وتوفير الغطاء القانوني والأمني لهم في أثناء قيامهم بتوتير الأوضاع في القدس.

وهو عرّاب القرار التي اتخذ باعتبار المرابطين والمرابطات في المسجد الأقصى تنظيماً محظوراً، وقرار إخراج الحركة الإسلامية/الجناح الشمالي في أراضي عام 1948 عن القانون عام 2015، حيث كان التقرير الذي قدمه جلعاد أردان عن أنشطة الحركة الإسلامية الشمالية، والذي أوصى فيه بحظر الحركة الإسلامية، هو الذي اعتمده وزير الدفاع الإسرائيلي في ذلك الحين في قراره بحظر الحركة، مخالفاً بذلك توصيات كل من جهاز الاستخبارات الداخلية (الشاباك) وجهاز المخابرات العامة.

ومن خلال كل ذلك كان أردان يحاول أن يقدم نفسه الحامي الأفضل لتطلعات اليمين الإسرائيلي، وأكثرَ من قدم لليمين من إنجازات على الأرض، وخاصة في القدس، وهو ما يؤهله لخلافة نتنياهو الذي لا يزال يترنح تحت ضربات الملاحقات القضائية والاتهامات بالفساد والمظاهرات التي لا تهدأ أمام بيته.

ولذلك فإن شعور أردان بابتعاده عن الساحة السياسية الإسرائيلية الداخلية حالياً ربما لعب دوراً في محاولاته إبراز اسمه في وسائل الإعلام في الفترة الحالية، خاصةً أننا نشهد حالياً تصاعداً كبيراً في التظاهرات ضد نتنياهو، الذي لم تفلح محاولته فرض الإغلاق الشامل، بحجة جائحة كورونا، في وقفها.

على صعيد آخر، فإن تصاعد السخط الإسرائيلي على الرئيس أردوغان متوقع، خاصةً أن الموقف التركي من الإجراءات الإسرائيلية في القدس وقرار الضم المنتظر لغور الأردن وأجزاء من الضفة الغربية ربما يعد الأكثر حدةً بين دول الإقليم.

اقرأ أيضا:

التحركات
السودانية نحو إسرائيل.. هل بات التطبيع معها مسألة وقت؟

بل إن تركيا كانت الأوضح، بعد السلطة الفلسطينية، في إعلان رفضها الصريح لاتفاقي التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، والبحريني الإسرائيلي. وذلك بالرغم من العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وإسرائيل منذ عام 1949، ممَّا يشي بوضوح بطبيعة العلاقة الحادة والملتهبة بين الجانبين حتى مع وجود سفارة لكل منهما لدى الآخر.

ولعل هذا كان السبب في لجوء الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى تركيا، واتصاله الهاتفي بالرئيس أردوغان يوم الاثنين الماضي، ليطلب منه دعم التوجه الفلسطيني نحو المصالحة بين الفصائل الفلسطينية والانتخابات العامة. وهذا يدل على أن القيادة الفلسطينية أصبحت ترى في تركيا الحليف الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه في الوقوف في وجه إسرائيل، بعد حملة الشيطنة الإعلامية التي يعاني منها الفلسطينيون في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي التابعة للدول الخليجية المطبعة مع إسرائيل، أو الدول التي تسير على طريق توقيع اتفاق تطبيع معها كما يبدو في المستقبل القريب.

إن تركيا سعت كثيراً لتقديم نفسها حليفاً استراتيجياً يعتمد عليه للأطراف العربية المتضررة من الصلف والتعنت الإسرائيلي، وأثبتت السياسة الخارجية التركية قدرتها على إثبات نفسها، وتثبيت حقيقة أن تركيا اليوم أصبحت تعد قوةً إقليميةً قائمةً بذاتها ولا تتبع سياسة المحاور بالضرورة كما كانت عليه في عهد الحكومات السابقة.

بدا ذلك واضحاً في وقوف تركيا إلى جانب الأردن في صراعه مع إسرائيل للحفاظ على وصايته على الأماكن المقدسة في القدس، وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك، ووقوفها إلى جانب الفلسطينيين في رفضهم اتفاقيات التطبيع المجانية التي وقعتها بعض الدول العربية التي تسعى بدورها للحفاظ على تفوق الثنائي ترمب/نتنياهو، بما يضمن لتلك الدول استمرار حملتها لدعم الثورات المضادة لثورات الربيع العربي.

ولذلك فإنه يمكن القول إنه بقدر ما تبتعد العلاقة الإسرائيلية التركية عن الحميمية القديمة التي تمتعت بها إسرائيل في عقود الخمسينيات حتى الثمانينيات من القرن الماضي، فإن العلاقة التركية الفلسطينية تتجه الآن نحو تقوية الجانبين، فتركيا تكسب قلوب الشعوب العربية والإسلامية المتعاطفة بشكل طبيعي مع القضية الفلسطينية التي تمس كلاً منهم، بقدر ما يكسب الفلسطينيون سنداً إقليمياً مستقلاً قوياً يمكن الوثوق به والاعتماد على مصداقيته في صراعهم مع إسرائيل وحلفائها.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.

المصدر: TRT عربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى