close
أخبار تركيا

جمال خاشقجي.. التوجهات التي أزعجت النظام السعودي والكلمة التي قتلته

[ad_1]

عام مر على واحدة من أبشع الجرائم التي ارتُكِبَت بحق حرية الرأي والتعبير، جريمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول، الذي أزعجت توجهاته النظام الحاكم في السعودية. والحدث الذي أثار جدلاً عالمياً لما تحمله شخصية خاشقجي من خصوصية.

الصحفي السعودي جمال خاشقجي
الصحفي السعودي جمال خاشقجي
(TRT Arabi)

لم تعد الأخبار المبعثرة من هنا وهناك حول جريمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018 بعد دخوله القنصلية السعودية بإسطنبول، تدفع باتجاه محاسبة المتورطين عن الجريمة التي ارتكبها فريق من المخابرات السعودية، والسؤال عن مدى مسؤولية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن إصدار أمر القتل.

الصحفي الذي أزعجت مقالاته وآراؤه في المجتمع السياسي الأمريكي المسؤولين في الرياض، حاول توضيح الصورة الحقيقية لسياسات ولي العهد السعودي، في الوقت ذات الذي كان يسعى محمد بن سلمان للتأثير على صانع القرار في واشنطن، وأنفق المليارات ليظهر أمامه بصورة الأمير الانفتاحي. وقد راهنت السعودية خلال تعاملها مع جريمة خاشقجي على عامل الوقت، ظناً منها أن الوقت كفيل بوضع قضيته في الأدراج، بالإضافة إلى تعويلها على العلاقة الوطيدة التي تجمع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بالسعودية والمصالح المتبادلة.

وبعد مرور عام على الجريمة، تبرز تساؤلات عدة تعيد إلى الأذهان محطات حياة جمال خاشقجي وتوجهاته التي أزعجت السعودية، وتقلباته بين الشخصية المقربة من النظام الحاكم في السعودية إلى الصحفي المزعج الذي غادر بلاده بعد تولي الأمير الشاب زمام الحكم بظل والده، ليبدأ مشاريعه التي لم تكتمل، حاملاً معه خبراته الصحفية التي تعددت بين تغطية الحرب في أفغانستان وترأس تحرير جريدة الوطن وصولاً إلى عمله مع صحيفة واشنطن بوست الأمريكية التي كان لها صوت عالٍ في إبراز قضية مقتله للعالمية.

خاشقجي.. سياسي في الغرب

ساهمت أدوار خاشقجي التي مارسها في حياته كمستشار لكبار
أمراء آل سعود وكصحفي تنقل خلال حياته في أكثر من وسيلة إعلام، بالإضافة إلى المرحلة الأخيرة من حياته التي ختمها في واشنطن بوست وعيشه في الولايات المتحدة، ما جعل قضيته دولية، وساهم أيضاً اهتمام تركيا بالجريمة التي حدثت على أراضيها، ورفض
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مثل هذا الانتهاك باستمرار زخم القضية.

من هنا بدأ الأمراء السعوديون الالتفات إلى خاشقجي،
دراسته الصحافة في كُبرى الجامعات الأمريكية بولاية إنديانا، وإجادته لللغة
الإنجليزية، وثقافته الواسعة، عوامل ساهمت في وصوله إلى دوائر الأمراء من آل سعود
المُخول لهم التواصل مع الغرب، ليرى فيه تركي الفيصل الذي كان رئيس المخابرات
السعودية وسفير المملكة في الولايات المتحدة وبريطانيا آنذاك، الإنسان المناسب
كمستشار له في لندن ثم في واشنطن، نظراً إلى وعيه بالخلفية الثقافية ومناطق النفوذ
السياسي داخل واشنطن، ليُعينه مستشاراً له في لندن ثم واشنطن، ويمنحه الصلاحيات للدخول
في عالم الصحافة والإعلام الأمريكي، لعله يستطيع إزالة الصورة النمطية للرياض
بدعم الإرهاب.

وتعبر خصوصية العلاقة التي جمعته بوزير الخارجية سعود
الفيصل الأكثر تأثيراً في تاريخ المملكة وبخاصة على الغرب، محطة مهمة في تاريخه،
ذلك لأنه استطاع التحرك والتحدث بالشأن السعودي داخلياً وخارجياً بصلاحيات واسعة.

“لم يكن من المسؤولين الذين تعطى لهم الكلمة فيلقونها وتكون أول وآخر مشاهدة لها، لأنه كان يعلم أن كلمته تمثل المملكة”

جمال خاشقجي يتحدث لجريدة النهار اللبنانية عن سعود الفيصل

كتاب خاشقجي الذي أصدره بعد أحداث11 سبتمبر/أيلول بعنوان “علاقات حرجة: السعودية بعد 11 سبتمبر” أدى إلى
إبراز دوره في تلك الحقبة التي منح فيها الملك عبد الله صلاحيات واسعة للأمراء من
أجل العمل على سياسة المملكة الخارجية والأمنية، وقد لعب هذا الكتاب دوراً كبيراً
في الرد على كل الاتهامات التي طالت المملكة، وساهم في مساعدة الرياض
برسم سياستها الخارجية تجاه واشنطن، حسب ما جاء في وثائق ويكليكس.

هذا الكتاب تحول لاحقاً إلى أحد الكتب الممنوعة من النشر
في السعودية في بداية سطوع نجم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وأشار هذا الأمر إلى
بداية استبعاد خاشقجي وجيله من الساحة السياسية، وبرر خاشقجي المنع وكان لا يزال
في السعودية، متحدثاً عن أدوار الرقيب.

“الرقيب موظف قد يكون تعليمه متوسطاً وليس ناقداً، ولكنه يمارس على الكتاب رقابته المتأثرة بما يتلقى من أخبار وما يقرأ وما يستلم من توجيهات، وفي نهاية الأمر هي قضية اجتهادية، وهو أمر يقيد كبار الكتاب”

جمال خاشقجي معلقاً على منع السعودية بيع أحد كتبه

وكانت علاقة وطيدة تجمع خاشقجي بالملك سلمان بن عبد العزيز، عززها التقاطع بين الخط السياسي للمملكة الداعم لتعزيز العلاقات مع تركيا، ومد قنوات الاتصال مع الإخوان المسلمين في بداية ولاية الملك، وهو ما تقاطع مع أطروحات خاشقجي آنذاك، كما كان مقرباً من الملياردير الأمير الوليد بن طلال، الذي اختاره رئيساً لقناة العرب عام 2015 التي كان الممول الرئيسي لها قبل أن يتعثر المشروع في ضوء أسباب سياسية، وتتوقف عن العمل بعد 24 ساعة فقط.

إثر ذلك، بدأت السعودية بتقليص دور جمال خاشقجي وإقصائه، وأثار توقفه عن الكتابة آنذاك علامات استفهام بين عدد من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد معلومات غير مؤكدة جرى تداولها حول منعه من الكتابة أو الظهور في المحطات الفضائية، لتنشر فيما بعد وكالة الأنباء السعودية الرسمية في ديسمبر/كانون الأول 2015 خبراً يُفيد بأن خاشقجي ليس له علاقة بأي جهة حكومية ولا يعكس وجهة نظر حكومة المملكة العربية السعودية؛ وما لبث حتى خرج من السعودية في ظروف غامضة.

لاحقاً، أكد مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السعودية، في بيان بتاريخ 18 نوفمبر/تشرين ثاني 2016، أن خاشقجي “لا يمثل المملكة بأي صفة، وما يعبر عنه من آراء تعد شخصية ولا تمثل مواقف حكومة السعودية بأي شكل من الأشكال”.

خاشقجي الذي تلقى العديد من التهديدات واصطدم بمحاولات عديدة لإسكاته، أعلن السماح له بالعودة إلى الكتابة والتغريد، في 13 أغسطس/آب2017، وشكر وزير الإعلام “لمساعيه الطيبة” كما شكر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، قائلاً “لا كُسر في عهده قلمٌ حر ولا سكت مغرد”.

وترك خاشقجي السعودية في سبتمبر/أيلول 2017 بعد أشهر من تولّي الأمير محمد بن سلمان منصب ولي العهد. وفي حينه، منعته جريدة “الحياة” اليومية المملوكة للأمير السعودي خالد بن سلطان آل سعود من الكتابة، بعد أن دافع في مقال له عن جماعة الإخوان. وغادر المملكة في خضمّ موجة الاعتقالات التي شملت مثقفين ودعاة إسلاميين وأمراء بينهم الملياردير الوليد بن طلال الذي أوقف مع آخرين على خلفية تهم تتعلّق بالفساد.

“أخي جمال، البلاد بحاجة إلى عقول نيرة مثلك، والآن الدولة السعودية الرابعة تُبنى بيد أخي محمد بن سلمان”

الوليد بن طلال لجمال خاشقجي إثر مغادرة الأخير السعودية

المنع من الكتابة والسفر الغامض

منعت السعودية جمال خاشقجي من الكتابة بعد تحذيره من تقرب المملكة بشدة من الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وتلقى وقتها اتصالاً هاتفياً أثناء إقامته في واشنطن من شخص في الديوان الملكي، مسؤول مقرب من القيادة، يأمره بالصمت دون حكم قضائي، وقال خاشقجي في مقابلة له على قناة CNN “هذا جعلني أشعر بالإهانة، وهذا ما يمكن أن يحدث لأي سعودي آخر”.

ودعا خاشقجي خلال المقابلة إلى مشاركة جميع قطاعات المجتمع في الإصلاح، قائلاً إنه “لا توجد حياة سياسية في المملكة العربية السعودية”.

وعن منعه من الكتابة قال “أعرف الكثير من السعوديين الذين ذهبوا إلى أمن الدولة قبل اعتقالهم ووقعوا تعهدات بعدم معارضة الحكومة. هذه ليست السعودية التي يجب أن يسعى إليها، يجب أن يسعى إلى سعودية شاملة. لا يجب أن نتخلص من السلفية الراديكالية لنثير إعجاب الليبرالية الراديكالية أو مهما كان اسمها. الإصلاح هو أمر يجب أن تشارك فيه كل قطاعات المجتمع”.

وكان خاشقجي قرر مغادرة المملكة تجنباً للوقوع في مشكلة، خاصة بعد مقابلته صديقه عصام الزامل، الذي ألقت السلطات السعودية القبض عليه بعد يومين من عودته إلى السعودية، الأمر الذي أثار قلقه.

“إننا لا نحتاج ذلك في السعودية، ليس أنا وليس عصام الزامل وليس سلمان العودة وليس أي شخص من السعوديين السبعين الذي جرى اعتقالهم خلال الأسابيع الستة الأخيرة”.

جمال خاشقجي لـCNN – أكتوبر/تشرين الأول 2017

وأظهر خاشقجي موقفاً صريحاً بالتضامن مع المعتقلين الذين شملتهم حملة الاعتقالات عام 2017، وبسؤاله عن سبب حدوث الاعتقالات ما دام يرى أن السلطات السعودية تتمتع بدعم للإصلاحات، قال خاشقجي “ليس لدي إجابة جيدة على ذلك. لا أعلم، ربما لاحقاً تخرج العديد من نظريات المؤامرة، ولكن نرى أن المعتقلين السبعين يأتون من اتجاهات مختلفة ولا ينتمون إلى منظمة واحدة”.

وتابع “الشيء المشترك الوحيد بين هؤلاء الأشخاص هو أنهم مستقلون، ويعبرون عن قلقهم من قضية أو أخرى، ولكن هذا هو الطبيعي في أي مجتمع حر. يجب السماح للناس بالتعبير عن قلقهم ووجهات نظرهم بشأن أي قضية سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية ما داموا لا يدعمون العنف ولا يدعون للعنف”.

“ليس لدينا بالفعل حياة سياسية في السعودية، الأحزاب ممنوعة، والمنظمات غير مسموح بها”.

جمال خاشقجي

محطاته الإعلامية

خاشقجي الذي ولد في المدينة المنورة في 13 أكتوبر/تشرين الأول 1958، بدأ العمل في صحف يومية بينها “سعودي جازيت” و”الشرق الأوسط” بعد تخرجه عام 1982، ثم أُرسل إلى تغطية أخبار النزاع في أفغانستان، وظهر في صورة وهو يحمل سلاحاً رشاشاً ويرتدي زيّاً أفغانياً، وأظهر تعاطفاً مع قضية المقاتلين في الحرب في الثمانينيات ضد الاتحاد السوفياتي.

لاحقاً، أجرى خاشقجي مقابلات مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في أفغانستان والسودان، ووصف بـ”صديق بن لادن” في بعض وسائل الإعلام السعودية والعربية والغربية، لكنّه ما لبث أن ابتعد عن بن لادن في التسعينيات.

عام 2003 بعد 54 يوماً فقط من بدء عمله غادر منصبه كرئيس تحرير في صحيفة الوطن اليومية، وفي عام 2007 عاد إليها مجدداً وأمضى فيها ثلاث سنوات قبل أن يغادرها.

وعلى مدار سنوات قبل خروجه من المملكة، تحول خاشقجي إلى ضيف دائم على القنوات السعودية بوصفه مُفكراً سعودياً يدافع عن سياسات المملكة، ويشرح وجهة النظر الرسمية.

وانتهت حياة خاشقجي بعد بدءه الكتابة مع “واشنطن بوست” الأمريكية عام2017 في عمود للرأي، واستقراره في الولايات المتحدة واعتباره نفسه أحد أبرز وجوه “نواة الشتات السعودي”. وقال في آخر مقال كتبه “نحن بحاجة إلى توفير منصة للأصوات العربية، نعاني من الفقر وسوء الإدارة وسوء التعليم”.

وكتبت كارين عطية المحررة المسؤولة عن مقالات جمال خاشقجي “أعرب خاشقجي عن أسفه لأن قمع السعودية أصبح غير محتمل للحد الذي دفعه إلى مغادرته بلاده والعيش في المنفى”.

المصدر: TRT عربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى