close
منوعات

فيل السلطان والشعب الجبان ..

نبدأ بتفاصيل القصة👈👈👈 يحكى أن أحد السلاطين في قديم الزمان كان لديه فيل عظيم أهداه إياه ملك من ملوك الهند حيث تكثر الأفيال عندهم .

ولما كانت بلدة السلطان تخلو من هذه المخلوقات الأليفة على ضخامتها وهيئتها العجيبة فقد عمَّ الفرح والبهجة سائر الرعية لمرآى هذا الفيل العظيم .

وصار أهل المدينة صغارا و كبارا رجالا و نساءً يمنون أنفسهم باختلاس نظرة ولو عن بعد لهيئة هذا الكائن العملاق في طريق غدوه و رواحه إلى الحديقة التي خصصها له السلطان يتأملون قوائمه الضخمة وخرطومه الطويل وناباه العاجيان البارزان على جانبي فمه الواسع.

و أحيانا كان يُدهش الناظرين وهو يلف خرطومه حول وسط صبي صغير من صبيان خدم السلطان فيرفعه عن الأرض في طرفة عين ليستقر المقام بالصبي على ظهر الفيل و يسير به هادئا مطمئنا ثم ينزله عن ظهره بنفس الطريقة .

يوما بعد يوم وشهرا بعد شهر ازداد تعلق الناس بالفيل وزاد تلهفهم إلى رؤيته ولو من وراء أبواب الحديقة وأسوارها.

وبلغ السلطان أمر تعلق رعيته البالغ بمرآى الفيل ومشاهدته عن قرب فقرر عندها أن يتكرم على رعيته وينعم عليهم فيلبي رغباتهم .

فأمر بأن يُترك الفيل على رسله ليسير في شوارع المدينة وطرقاتها ويتجول على هواه في أسواقها ومزارعها وأن يترك له أمر ملاطفة الرعية ومداعبتها كيفما شاء وأن يحمل على ظهره من يريد منهم دون أن يظل ذلك الامتياز مقتصرا على خدم السلطان دون غيرهم .

لكن الأمور لم تستمر طويلا على هذا المنوال الهادئ بل تبدلت الأحوال مع مرور الأيام .

وانقلب الحال رأسا على عقب بسبب ما يطؤه الفيل من مزروعات حقولهم وما يعبث به ويبعثره بحركات خرطومه من بسطات خضروات وفواكه ومعروضات تجارية أمام محلاتهم في أسواق المدينة .

ولما طال عليهم الأمد وتفاقمت خسائرهم وأضرارهم تهامس أهل البلدة فيما بينهم بالشكوى أول الأمر وراحوا يبحثون عن حل يدفعون به هذه البلية التي جلبوها لأنفسهم بأيديهم.

ثم علا همسهم مع مرور الأيام وتوالي الخسائر والأضرار التي لحقت بممتلكاتهم لينقلب إلى تذمر علني يتناقله الناس على ألسنتهم دون أن يجرؤ أي منهم على إيصاله إلى السلطان .

ومع ذلك فقد تجرأ جماعة من أهل الرأي والحزم من وجهاء المدينة فعقدوا اجتماعا سريا لتدارس الأمر والتفكير في وسيلة تخلصهم من هذه الورطة التي أوقعوا أنفسهم فيها وبعد أخذٍ و ردٍ بين مشجع لمقابلة السلطان و مثبطٍ لتلك الفكرة.

انبرى أربعة نفر كانوا أشجع القوم المجتمعين وتطوعوا أن يقابلوا السلطان فيعرضوا عليه سوء الحال الذي آلت إليه المدينة نيابة عن جميع أهلها و تعهدوا أمام الحاضرين أن يطلبوا من السلطان إعادة الفيل إلى حديقته ويتوقف بذلك أذاه عن أهل المدينة .

وعندما دخل الوفد على السلطان تبادل أعضاء الوفد النظرات فيما بينهم واحتاروا أيهم يبدأ الكلام وكلٌ منهم يحث الآخر على أن يكون البادئ متظاهرا بتقديمه على نفسه فلما أطالوا في ذلك أشار السلطان إلى أكبرهم سنا ليبدأ الحديث فاستجمع كل ما واتاه من شجاعة و بدأ حديثه قائلا:

أطال الله عمر مولانا السلطان وأدام عزه وبعد؛ فإن أهل المدينة قد أوكلوا إلينا مهمة إزجاء تحياتهم إلى جنابكم الكريم وإبلاغ جلالتكم جزيل شكرهم على ما تفضلتم به من إطلاق سراح فيل جلالتكم ليسرح ويمرح بين ظهرانيهم في شوارع المدينة وأسواقها وبساتينها ليكون قرة عين لأهلها يداعب الصغير ويسلي الكبير وتقر به عين المبصر والضرير فكل من في المدينة يكاد من فرحته بهذا الفيل أن يطير .

والتفت إلى يمينه مستعينا بجاره ليكمل عنه بقية الحديث ويكمل ما تبقى من طلبات أهل المدينة فقال:
أطال الله بقاء مولانا السلطان وأعزه بنصر من عنده وبعد؛ فليس عندي ما أضيفه إلى ما سبقني به أخي المتحدث قبلي سوى أن أنقل إلى جنابكم مشاعر أهل المدينة رجالا ونساءً شيبا وشبانا التي تعايش هموم فيلكم العظيم وتشعر بشعوره في وحدته في ذهابه وإيابه وتتساءل كيف يقضي أيامه ولياليه دون مؤنس أو جليس؟ فإذا كان يسلي أهل المدينة ويفرج عنهم كربهم وينسيهم همومهم فإن من حق أهل المدينة عليه أن يردوا له جميله فيؤنسوا وحدته ويخففوا عنه عزلته .
فسأله السلطان: و كيف يكون ذلك؟

فتكلم الثالث مكملا الحديث قائلا:
يقصد يا مولانا أن نبحث له عن فيلة تؤنس وحدته وتخرجه من عزلته فينعم الله عليهما بالذرية الصالحة من صغار الفيلة التي تزيد مدينتنا بهجة و أنسا وتصبح بلادنا من بلاد الفيلة وليست ذات فيل واحد .

ولم يجد رابعهم ما يضيفه على أقوال من سبقوه سوى إبداء الاستعداد ليكونوا أربعتهم الوفد الذي سيذهب إلى بلاد الهند نيابة عن أهل المدينة لاختيار الفيلة المناسبة التي تليق بمقام فيل السلطان العظيم .

لم يخيب السلطان رجاءهم حين استجاب فورا لطلبهم بأن أثنى على اقتراحهم وحثهم على الإسراع في مهمتهم والعودة بما تقر به عيون أهل المدينة وبما يسر قلوبهم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى