close
أخبار تركيا

كيف أصبحت المصارف اللبنانية منفذ النظام السوري لتجنب العقوبات الدولية؟

[ad_1]

في قمة غليان الشارع السوري بمناطق نفوذ النظام، وثقافة الطوابير التي باتت مفروضة على المدنيين للحصول على أبسط مقومات العيش كالخبز، خرج رأس النظام السوري بشار الأسد بتصريحات مفاجئة أسند فيها مشكلات نظامه الاقتصادية إلى تأثير أزمة المصارف اللبنانية.

مئات اللبنانيين يعتصمون أمام عدد من المؤسسات المصرفية تنديداً بسياسات البنوك في التعامل مع الأزمة المالية في البلاد
مئات اللبنانيين يعتصمون أمام عدد من المؤسسات المصرفية تنديداً بسياسات البنوك في التعامل مع الأزمة المالية في البلاد
(AA)

في قمة غليان الشارع السوري بمناطق نفوذ النظام، وثقافة الطوابير
التي باتت مفروضة على المدنيين للحصول على أبسط مقومات العيش كالخبز، خرج رأس
النظام السوري بشار الأسد بتصريحات مفاجئة أسند فيها مشكلات نظامه الاقتصادية إلى
تأثير أزمة المصارف اللبنانية، واحتجاز الأخيرة مليارات الدولارات، تعود لسوريين
مرتبطين به، الأمر الذي دفع الأسد للمرة الأولى إلى تحميل تلك المصارف أسباب تعثر
اقتصاده، وليس العقوبات المفروضة عليه، مما يفتح الباب على حجم الدور الكبير الذي
يشكله لبنان للنظام السوري كبوابة مجاورة للالتفاف على العقوبات الدولية.

وحاول موقع TRT عربي،
تسليط الضوء على العوامل التي دفعت بشار الأسد إلى القول مؤخراً إن ما بين 20
ملياراً و42 ملياراً من الودائع لسوريين محجوزة في مصارف لبنان، الذي يفرض منذ العام الماضي
قيوداً كبيرة على سحب وتحويل المودعين المحليين والأجانب الأموال إلى الخارج،
متزامنة مع ما يشهده لبنان من هبوط قيمة الليرة مقابل الدولار بنسبة 80 بالمئة،
وعجز في القدرة الشرائية لدى المواطن.

وجدير
بالذكر أنه قبل مئة عام كانت العملة السورية واللبنانية واحدة، وهذا جذر الترابط
المالي بين البلدين إلى يومنا هذا، على الرغم من انفصالهما رسمياً عام 1948.

تشكيك في أرقام النظام السوري

وفي هذا الصدد طرح موقع “النشرة” اللبناني تساؤلات عدة حول الأرقام التي تحدث عنها النظام السوري،
لأموال السوريين المحجوزة في البنوك اللبنانية، مشيراً إلى أن “لبنان كان
يملك 120 مليار دولار، وانخفض إلى ما دون 90 مليار دولار، فكيف يعقل أن تكون 20
ملياراً منها للسوريين؟!”، ونوه بأن تلك “المصارف اللبنانية لا تفتح
حسابات لسوريين في سوريا بل للموجودين منهم في لبنان أو خارج سوريا، وبالتالي فإن
أموالهم لا تُعتبر متّصلة مباشرة ب​الاقتصاد السوري​”.

المصارف اللبنانية حديقة خلفية

ويرى محمد العبد الله، الباحث الاقتصادي في مركز عمران للدراسات
الاستراتيجية، خلال تصريحاته لـTRT عربي،
أن “المصارف اللبنانية قبل قانون العقوبات الأمريكية (قيصر)، كانت تمثل
الحديقة الخلفية لنظام الأسد وشبكاته الاقتصادية للالتفاف على العقوبات الدولية،
لكون هذه المصارف ترتبط بالدولة العميقة في لبنان التي لحزب الله وداعمي الأسد في
لبنان فيها دور كبير”.

ويوضح الباحث أن “الأموال السورية المودعة في هذه المصارف والتي
تقدر بأكثر من 45 مليار دولار أمريكي كانت تشكل مورداً اقتصادياً كبيراً لتشغيل
المصارف اللبنانية، وبالتالي تشغيل الاقتصاد اللبناني إلى حد ما، مما دفع إدارات
هذه المصارف إلى قبول ظروف انتهاك العقوبات الدولية مقابل الحفاظ على هذه الكتلة
النقدية الكبيرة في خزائنها. لكن بعد قانون قيصر ووضع هذه المصارف تحت عدسة
المراقبة الأمريكية لم تتمكن المصارف من المراوغة أو الاستمرار في السلوك السابق،
بعد أن رأت جدية الولايات المتحدة في تطبيق بنود قانون قيصر”.

اقرأ أيضاً:

بعد
تزايد أعدادها.. ماذا وراء قوارب الموت” المنطلقة من شواطئ لبنان؟

ويؤكد العبد الله أن عدداً من المحددات وراء تصريحات بشار الأسد حول
المصارف اللبنانية، منها أن “نظام الأسد في الوقت الحاضر يعيش أزمة اقتصادية
خانقة مع ظهور التأثير التدريجي لمفاعيل قانون قيصر، وأزمة تفشي وباء كورونا،
والتوقف شبه الكامل للقطاعات الإنتاجية، ونفاد القطع الأجنبي من خزائن البنك
المركزي، وتدهور قيمة الليرة السورية، وغيرها من المنعكسات السلبية الأخرى التي
بدأت تفرض خناقاً كبيراً على النظام”.

وألمح الباحث الاقتصادي في مركز عمران كذلك، إلى أن “النظام
يحاول في الوقت الحاضر تحميل جهات عدة تبعات الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مناطق
نفوذه، كرجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال الذين نقلوا أموالهم إلى خارج البلد
إبان النزاع، والتجار والصناعيين المتهربين من الضرائب، والموظفين المرتشين،
وغيرهم من ذوي الصلة بالنشاط الاقتصادي”.

وهي كذلك محاولة من “النظام لاستجداء واشنطن لمحاولة تخفيف حركة
القيود على هذه الأرصدة المحجوزة بغية معالجة أزماته الاقتصادية الحالية المتفاقمة،
وخوفاً منه من عدم تمكنه مستقبلاً من استعادتها مع مرور الوقت، في حال انهيار
القطاع المصرفي اللبناني الذي يواجه اقتصاد بلاده مستقبلاً اقتصادياً وسياسياً
غامضاً”، وفق العبد الله.

كذلك اعتبر المتحدث باسم هيئة التفاوض السورية الدكتور يحيى العريضي،
في تصريح لـTRT عربي، التصريحات التي أطلقها الأسد “فضيحة”، ودلّل على
ذلك بقوله: “نظام الأسد رغم انفصامه عن الواقع، ورغم بحثه عن أي ذريعة يبرر
من خلالها فشله وإجرامه بحق سوريا وشعبها، فإنه فضح نفسه ونظامه بأن الوضع
الاقتصادي ليس نتيجة لعقوبات قانون قيصر بل لتهريب المليارات إلى بنوك لبنان، بعد
أن كان ادعاء النظام الاستبدادي أن قانون قيصر يخنق الشعب السوري، ومن جانب آخر،
مَن يسيطر على لبنان؟ أليس حلفاءه في حزب الله وإيران، الذين قتلوا، ودمروا،
وشردوا وسرقوا، ويبحثون عن أعذار ومشاجب يعلقون عليها خيبتهم وإجرامهم”.

بدوره شكّك باسل الخطيب، المحلل الاقتصادي اللبناني في تصريح لـTRT عربي،
في صحة الأرقام السورية في المصارف اللبنانية، التي عرضها الأسد، موضحاً ذلك
بقوله: “اليوم ودائع غير المقيمين في لبنان هي 21 بالمئة من مجموع الودائع
التي تُقدَّر بـ28 مليار دولار، وتشمل السوريين والعرب كالعراقيين والأردنيين
والخليجيين والمصريين، وحتى الأجانب، وبالتالي ليس صحيحاً الرقم الذي قاله بشار
الأسد بين 20 و42 ملياراً، بخاصة أن كل هؤلاء لديهم 21 بالمئة (28 مليار دولار) من
أصل 141 مليار دولار هي المجموع العامّ للودائع العامة بالمصارف اللبنانية، وعليه
فإن حصة السوريين 6-7 مليارات دولار، ولكن لا يمكن لأي أحد أن يقدّر ذلك بسبب
السرية المصرفية”.

ما مصير تلك الأموال السورية؟

وفي ما يخص مصير تلك الأموال السورية المحتجَزة في المصارف اللبنانية
من الناحية القانونية، طرح خبير القانون الدولي المحامي بسام طبلية، في تصريح لـTRT عربي،
تساؤلات في هذا الصدد بقوله: “السؤال الذي يطرح نفسه من الناحية القانونية،
هل هذه الأموال مصدرها صحيح وغير ناشئ عن جرائم، أم إنّ مصدرها أموال قذرة
وبالتالي قامت المصارف بطريقة غسل الأموال، وهذا السؤال الذي يطرح نفسه خاصة بعد
ظهور الأزمة الاقتصادية، وأزمة المصارف في لبنان، والتي تكاد تعلن إفلاسها بسبب
نقص حجم الوديعة أو الودائع المصرفية، ما يعني حقيقة أن هذه المصارف هي غير قادرة
على سداد التزاماتها، ولكن باعتبار أن الموضوع مرتبط بين الساسة السوريين
واللبنانيين، فهذا يعني أنه يمكن التغاضي عن تسهيل بالنسبة لهذه الأموال”.

وبيّن طبلية أنه “من الناحية القانونية، إذا ثبت أن هذه الأموال
لنظام الأسد وأشخاصه وأزلامه، فإنه من الناحية القانونية على هذه المصارف أن لا
تنفّذ هذه التسهيلات، وأن تصادر الأموال وتجمّدها تنفيذاً للعقوبات الأمريكية،
وبالتالي إذا لم تلتزم تنفيذ العقوبات الأوروبية والأمريكية والأممية، فإن هذه
المصارف سوف تخضع لعقوبات اقتصادية قد تصل إلى غرامات من النظام المصرفي العالمي،
لأنه سوف يُخفَض الائتمان المصرفي لها، وبالتالي ينقص مصداقيتها ويقيّد حجم
المصارف في الخارج باعتبارها غير ملتزمةٍ الأصولَ والإجراءات التي يجب أن تتبعها
من الناحية القانونية”.

وهنا يتفق الدكتور طالب سعد، باحث الاقتصاد السياسي والاجتماعي
اللبناني، مع طبلية على التزام المصارف اللبنانية القوانينَ الدولية، ويشرح ذلك في
تصريح لـTRT عربي بقوله: “لا يميّز القانون الوديعة الأجنبية من المحلية،
ويتعاطى حسب قانون النقد والتسليف اللبناني، وهو مسؤول عن العملة الوطنية، وفي
أسوأ الأحوال أن يؤمّن للمودعين ودائعهم من دولار ويورو بالليرة اللبنانية، لكن
القطاع المصرفي اللبناني يحاول جاهداً أن لا يذهب إلى هذا الخيار منعاً لفقد الثقة
بالنظام المصرفي المالي، طمعاً في حصول إصلاحات سياسية أو تشكيل حكومة معينة، أو
حدوث تسويات معينة، بحيث يتعافى القطاع المصرفي اللبناني”.

المصارف اللبنانية منفذ النظام السوري

يرجع الدكتور طالب سعد ذلك إلى عدة عوامل، منها “السهولة
الجغرافية بين سوريا ولبنان، وأن النظام المصرفي اللبناني معروف في المنطقة بأنه
الأنشط، وبالتالي نظراً إلى وجود عقوبات على النظام المصرفي السوري، ليس لها
علاقات سياسية أو تجارية أو حتى اقتصادية ببلد محيط فيها أكثر من لبنان، فقد كان
لسوريا خيار اللجوء إلى المصارف اللبنانية لتسيير أمورها التجارية، إضافة إلى أن
المودعين الأجانب سواء من سوريا أو غيرها، لجؤوا إلى المصارف اللبنانية لأن القطاع
المصرفي له امتيازات محددة، إن كان بأسعار الفوائد الجاذبة لأي مستثمر لأنها كانت
أعلى من أي أسعار فوائد في المنطقة”.

ويضيف البروفسور جاسم عجاقة، أستاذ الاقتصاد في الجامعة اللبنانية،
عوامل أخرى تجعل المصارف اللبنانية منفذ نظام الأسد الأسهل للالتفاف على العقوبات
الدولية، وصفها بـ”الترابط العضوي بين الاقتصادين السوري واللبناني”.

وكلاء

وفي هذا السياق يقول البروفسور عجاقة في تصريح لـTRT عربي:
“إذا أردت الفصل بين هذا الترابط (بين النظامين) فلا يمكن، لسبب بسيط، هو
وجود شريط اقتصادي يمرّ على الحدود بين البلدين، إذ يوجد 7 بلدات لبنانية مدخلها
من سوريا، وبالتالي يسمح هذا الترابط للناس باستخدام القطاع المصرفي عن طريق
العمليات الاقتصادية الناتجة عن الترابط العضوي، كما أن في لبنان مؤيدين للنظام
السوري، مما يعني أنهم قادرون على الاستفادة من الترابط في دخول وخروج الأموال بين
البلدين وبالعكس”.

ونوّه البروفسور بالدور الذي يلعبه من يُسمَّون “الوكلاء”
في عمليات إيداع الأموال في المصارف اللبنانية بقوله: “وجود عمليات تهريب
يعمل بها كثير وليست بالضرورة لأسباب سياسية، يمكن أن يكون لأسباب استفادة مادية
شخصية، وهذا يجعلهم عرضة لاستخدام القطاع المصرفي بواسطة شيء اسمه (الوكلاء)، وهذا
احتمال وارد، عبر استخدام وكلاء لبنانيين لديهم أعمال وتعاطٍ في هذا الصعيد مع
الدولة السورية”.

المصدر: TRT عربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى