close
أخبار تركيا

شاهد بالفيديو اقوى رجال تركيا يدعو لدخول دمشق عسكرياً فهل نشهد حربا شاملة بين تركيا وروسيا في سوريا؟

هل نشهد حـ.ـربا شاملة بين تركيا وروسيا في سوريا؟

يُعرف دولت بهجلي، رئيس حزب الحركة الوطنية التركي البالغ من العمر 72 عاما، بخطبه الرنانة وكلماته الحماسية ونزعته القومية المتعـ.ـصبة في كثير من الأحيان، لكن الكلمات التي صرّح بها  11 فبراير/شباط من العام الماضي

ملاحظة الفيديو في نهاية المقال

أمام أعضاء المجموعة البرلمانية لحزبه كانت غريبة و”متـ.ـطرفة” حتى بمعايير بهجلي نفسه، إذ دعا الزعيم القومي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صراحة إلى “غـ.ـزو دمشق  وحـ.ـرق سوريا” حد تعبيره انتـ.ـقاما من النظام السوري إثر مقـ.ـتل 13 جنـ.ـديا تركيا في إدلب .

لم يكتفِ بهجلي بذلك فحسب، ولكنه ذهب لأبعد من ذلك مُحمِّلا روسيا مسؤولية دمـ.ـاء الجنـ.ـود الأتراك الذين قُتـ.ـلوا في سوريا لأنها “تُهيئ المناخ لجـ.ـرائم النظام السوري” حد قوله،

وداعيا الحكومة التركية لإعادة النظر في علاقاتها مع موسكو التي “تحاول السيـ.ـطرة على سوريا وعلى تركيا أيضا”، كما قال، عبر الاتفاقات الدبلوماسية في أستانا وسوتشي وجنيف والتي لم تجنِ منها تركيا فوائد تُذكر، بحسب رأي السياسي التركي المخضرم.

لم تكن تصريحات بهجلي عبثية كليا فيما يبدو رغم ما تحمله من مبالغة واندفاع واضحين، فبالنظر إلى كون بهجلي هو الحليف الأهم لأردوغان على الساحة السياسية في الوقت الراهن،

ومع اعتبار كونه أحد المُعبِّرين الصادقين عن النزعة القـ.ـومية التي تصبغ السياسة التركية، فإن تصريحاته المتشددة كانت تعبيرا واضحا عن استياء تركي عابر للأطياف السياسية تجاه حملة النظام السوري المدعومة من قِبل روسيا على محافظة إدلب،

آخر معـ.ـاقل المعـ.ـارضة السورية الواقعة قرب الحدود مع تركيا، استيـ.ـاء بدا واضحا أيضا في تصريحات وزير الـ.ـدفاع التركي “خلوصي أكار” خلال مقابلة مع وكالة أسوشيتد برس في اليوم نفسه،

قبل يوم واحد من اجتماع وزراء دفاع حلف الناتو في بروكسل، حيث أكّد أكار أن أنقرة تتوقع من أوروبا والناتو اتخاذ “خطوات ملموسة ضـ.ـد هجـ.ـمات النظام السوري على القـ.ـوات التركية في إدلب”.

 

في اليوم التالي لهذه التصريحات، دخل الرئيس أردوغان نفسه على خط التصعيد مُهـ.ـدِّدا أن أنقرة “ستـ.ـضـ.ـرب قـ.ـوات النظام السوري في أي مكان” إذا واصلت دمشق اعتـ.ـداءاتها على الجـ.ـنود الأتراك،

وذلك أعقاب مكالمة هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يبدو أنها فشلت في احتواء الخلاف المتفاقم بين الجانبين، وفي الوقت نفسه -وفي رسالة واضحة إلى موسكو على ما يبدو- وصل المبعوث الأميركي للشؤون السورية “جيمس جيفري” إلى أنقرة لإجراء مباحثات مع المسؤولين الأتراك،

وفي مغازلة أميركية واضحة لتركيا ولعب مكشوف على وتر الخلاف المتصاعد بين أنقرة وموسكو قام جيفري بتقديم التعازي للشعب التركي في وفـ.ـاة الجنود الأتراك الذين وصفهم نصا بـ “الشـ.ـهداء”، قبل أن يؤكد دعم واشنطن الكامل للمصالح التركية في إدلب.

ملاحظة الفيديو في نهاية المقال

بدأت هذه الموجة من التوتر المتصاعد  في نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، حين قامت قـ.ـوات النظام السوري بالاستيلاء على بلدة “معرة النعمان” بمحافظة إدلب، ما سمح لها بتعزيز تقدُّمها على الطريق السريع (M5) باتجاه مدينة سراقب الإستراتيجية التي تسـ.ـيطر عليها المعـ.ـارضة السورية المسـ.ـلحة،

وفي الثالث من فبراير/شباط الماضي، أقدم نظام الأسد على أكثر خطواته استفزازا مستـ.ـهدفا موقعا للمراقبة تتمركز فيه القـ.ـوات التركية مما أدّى إلى مقـ.ـتل ثمانية من العسـ.ـكريين والمدنيين الأتراك، وهو ما دفع أردوغان للتـ.ـهديد بالتدخل بالقـ.ـوة لطـ.ـرد قـ.ـوات النظام ما لم تقم بالانسحاب إلى ما قبل الخطوط التي حدّدتها مراكز المراقبة التركية بحلول نهاية فبراير/شباط أيضا.

لكن النـ.ـظام السوري المدعوم بضوء أخضر روسي لم يُبالِ بتهـ.ـديدات أنقرة، وفي السادس من الشهر سقـ.ـطت سراقب في أيدي القـ.ـوات الحكومية السورية، لتضمن بذلك خط إمداد متصلا على طول طريق (M5) يمتد من دمشق إلى حلب الواقعة تحت سيـ.ـطرة النظام أيضا،

ومنذ ذلك الحين عزّز الجيـ.ـش التركي تحركاته منشئا ممرات آمنة لحـ.ـماية المعارضين في إدلب عبر إنشاء “حزام أمـ.ـني محصن” بموازاة طريق (M5)، ومُعزِّزا تحصـ.ـيناته العسـ.ـكرية في نقاط تفتناز يوم 6 فبراير/شباط، وإدلب في اليوم التالي 7 فبراير/شباط، ثم المسطومة في 8 فبراير/شباط،

لكن قـ.ـوات النظام السوري ردّت على التحـ.ـركات التركية بالقـ.ـوة الممـ.ـيتة مجددا بعدها بيومين فقط في العاشر من الشهر مستـ.ـهدفة الموقع التركي الجديد في قاعدة تفتناز الجـ.ـوية (ثمانية أميال شمال سراقب) بالمـ.ـدفعية مما أدّى إلى مقـ.ـتل 5 جنـ.ـود أتراك آخرين على الأقل.

ردا على ذلك، شـ.ـنّ الجيـ.ـش التركي جولة جديدة من الضـ.ـربات الانتقـ.ـامية قالت أنقرة إنها استـ.ـهدفت خلالها 115 موقعا سوريا و”حيّدت” مئة من الجـ.ـنود السوريين وثلاث دبـ.ـابـ.ـات وطـ.ـائرة هليـ.ـكوبتر ونظـ.ـامين للمـ.ـدفعية،

ما تسبّب في رفع درجة حرارة الصـ.ـراع لمستوى غير مسـ.ـبوق مع احتمالات لحـ.ـدوث مواجهات مباشرة بين القـ.ـوات التركية وقـ.ـوات النـ.ـظام السوري، وربما روسيا أيضا. ورغم كل ذلك تظـ.ـل هناك الكثير من الأسئـ.ـلة الجـ.ـوهرية بالغة الأهمية حول تطورات الصـ.ـراع في إدلب بلا إجابة واضحة حتى الآن،

وتشمل هذه الأسئلة المدى الذي تبدو أنقرة مستعدة للذهاب إليه لدعم المعـ.ـارضة المسـ.ـلحة في إدلب، وما إذا كانت أنقرة على استعداد للدفع بقـ.ـواتها البرية لخوض صـ.ـراع مفتوح مع النظام السوري، ومدى قدرة الدعم التركي -أيًّا كان شكله وحجمه- على ردع تقدُّم قـ.ـوات النظام،

والأهم من ذلك مستقبل التفـ.ـاهمات طويلة الأجل بين أنقرة وموسكو في سوريا وخارجها، وإذا ما كانت إدلب سوف تكتب شهادة وفـ.ـاة تحالف المصالح بين تركيا وروسيا، أم أن الطرفين سيتجاوزان خلافاتهما حول إدلب ليُنشئا اتفاقات جديدة تسمح لهذا التحـ.ـالف في الاستمرار لفترة أطول في نهاية المطاف.

تقع إدلب في الجزء الشمالي الغربي من سوريا بالقرب من البحر الأبيض المتوسط على الحدود مع تركيا مباشرة، وتُقدِّر الأمم المتحدة أن المدينة اليوم هي موطن لأكثر من 4 ملايين شخص بينهم مليون طفل،

ويُعَدُّ قرابة نصف سكان المدينة من النازحين من مناطق أخرى كانت تسـ.ـيطر عليها المعـ.ـارضة المسـ.ـلحة في وقت سابق، لكنهم اضطروا للمغادرة مع سيـ.ـطرة قـ.ـوات النـ.ـظام السوري بالقـ.ـوة الوحـ.ـشية على مدنهم ومناطقهم السابقة.

على المستوى العسـ.ـكري تكتسب إدلب أهمـ.ـية متزايدة بوصفها آخر معـ.ـاقل المعـ.ـارضة التي تحاول الإطـ.ـاحة بنظام الأسد، بجانب معـ.ـاقلها الأخيرة في أجزاء محـ.ـدودة بشمال حماة وغرب حلب،

وتقع إدلب على ملتقى الطرق السريعة الممتدة من حلب نحو حماة وصولا لدمشق وحتى اللاذقية على البحر المتوسط، ما يعني أن المدينة تقع على مفترق طرق بين المناطق الخاضـ.ـعة لسيـ.ـطرة النـ.ـظام، وأن استيلاء النظام عليها يعني الهـ.ـزيمة النهائية للمعـ.ـارضة المنـ.ـاهضة للأسد، والنهاية الفعلية للحـ.ـرب في سوريا.

ميدانيا، خضعت إدلب منذ وقوعها في يد المعـ.ـارضة لسيـ.ـطرة عدد من الفصـ.ـائل المعـ.ـارضة المتنـ.ـافسة، منها فصـ.ـائل إسلامية جهـ.ـادية وأخرى متمـ.ـردة قـ.ـومية،

لكن منذ يناير/كانون الثاني العام الماضي 2019، سيـ.ـطرت جماعة “هيـ.ـئة تحـ.ـرير الشـ.ـام” الجهـ.ـادية على معظم المحافظة وقامت بطـ.ـرد الكثير من المقـ.ـاتلين من الفصـ.ـائل الأخرى من إدلب إلى عفـ.ـرين وأجبـ.ـرت أولئك الباقين على قبول سيطـ.ـرتها على المدينة،

وتشير التقديرات إلى أن إدلب تضم اليوم قرابة 50 ألف مقـ.ـاتل سوري نصفـ.ـهم على الأقل من الموالين لهـ.ـيئة تحرير الشام، إضافة إلى آلاف المقـ.ـاتلين التابعين للحـ.ـزب التركسـ.ـتاني الإسلامي (الذي يضم المقـ.ـاتلين الإيغـ.ـور الصينيين) وجمـ.ـاعة حـ.ـراس الـ.ـدين التي يُعتقد أنها تُمثِّـ.ـل الفرع الجديد لتنـ.ـظيم القـ.ـاعدة في سوريا.

قبل الاستيلاء على إدلب من قِبل هيئة تحـ.ـرير الشـ.ـام، كانت معظم الجمـ.ـاعات غير الجـ.ـهادية في المدينة تقـ.ـاتل تحت لواء الجبـ.ـهة الوطـ.ـنية للتحـ.ـرير التي رعت تركيا تأسيسها في مايو/أيار 2018 ودعمـ.ـتها سياسيا وعسـ.ـكريا،

وهو ما أهّل أنقرة للدخول في مفاوضات مكثـ.ـفة مع داعـ.ـمي الأسد في موسكو وطهران حول مستقـ.ـبل المحافظة في سبتمبر/أيلول للعام المذكور نفسه في سوتشي،

حيث اتفق كلٌّ من الأتراك والروس على إنشاء منطقة منـ.ـزوعة السـ.ـلاح بعرض 20 كيلومترا حول المحـ.ـافظة مع تسيير دوريـ.ـات مشـ.ـتركة بين الجانبين في هذه المنطقة، وذلك بعد شهر واحد من تعـ.ـهّد نظام الأسد بالتـ.ـحرك نحو إدلب واستعـ.ـادتها من أيـ.ـدي المعـ.ـارضة المـ.ـدعومة من تركيا.

حقّق الاتفاق مع روسيا هدف تركيا بشكل مـ.ـؤقت في ذلك التوقيت والمُتمثِّل في منع هجـ.ـوم شامل جديد للنظام على إدلب، وسمح الاتفاق لأنقرة أيضا بزيادة نقاط المراقبة الخاصة بها في المحافظة من 12 إلى 18 نقطة مراقبة كجزء من مهام الأمـ.ـن المشتركة التي تولّتها تركيا بالشراكة مع روسيا،

ورغم ذلك فإن هذا الاتفاق لم يخلُ من تكاليف ليست باليسيرة على الأتراك الذين التزموا بطـ.ـرد المعـ.ـارضين السوريين من المنطقة المنـ.ـزوعة السـ.ـلاح حول إدلب كجزء من الصفـ.ـقة، فضلا عن التزام أنقرة أمام موسكو بتحجيم “الجـ.ـماعات الجهـ.ـادية” العاملة في المحافظة وعلى رأسـ.ـها هيئـ.ـة تحـ.ـرير الشام والحـ.ـزب الإسـ.ـلامي التركـ.ـستاني.

لكن جهود أنقرة نجحت بالكاد في احتواء “الجمـ.ـاعات الجـ.ـهادية” التي كانت تشعر بالفعل بشـ.ـكوك كبيرة تجاه نيّات تركيا منذ تأسيس الجبهة الوطنية لتحـ.ـرير سوريا، وهي جبـ.ـهة أتى تأسيسها كمحاولة من تركيا لمنع استئثار “الجهـ.ـاديين” بالقرارات في صفـ.ـوف المعـ.ـارضة المسـ.ـلحة.

ونتيجة لذلك، وتزامنا مع استيـ.ـلاء هيـ.ـئة تحرـ.ـير الشام على إدلب مطلع عام 2019، فإن نظام الأسد وموسكو وجدا ذريعة جيدة للالتفاف على تفاهمات سوتشي وبدء مناوشات جديدة على حدود إدلب مُعلِّلين ذلك بقيام هيـ.ـئة تحرير الشام بشنّ هجـ.ـمات على منشآت روسية وحكومية في المنطقة.

نتيجة لذلك شـ.ـنّت موسكو ودمشق نهاية أبريل/نيسان  هجـ.ـمات محـ.ـدودة على شمال حماة وجنوب إدلب تسبّبت في نزوح أكثر من ربع مليون سوري إلى الحدود مع تركيا هـ.ـربا منها، وأتت تلك الهجـ.ـمات في محـ.ـاولة لزيادة الضغـ.ـوط على أنقرة والتمـ.ـهيد لإفشـ.ـال اتفاق سوتشي،

وعلى مدار الأشهر التسعة التالية تسبّبت الهجـ.ـمات المتواصلة للجيـ.ـش النظـ.ـامي السوري المدعومة من قِبل الطـ.ـائرات المقـ.ـاتلة الروسـ.ـية في خسـ.ـائر بشرية ومـ.ـادية كبـ.ـيرة في محيط إدلب، حيث دمـ.ـرت الغـ.ـارات الجـ.ـوية وهجـ.ـمات المدفـ.ـعية النظـ.ـامية المستـ.ـشفيات والمخـ.ـابز والمدارس وغيرها من هياكل البنية التحتية الحيوية في إدلب وفي القرى والبلدات المجاورة،

مثل قلعة المضيق وكفر نبودة وخان شيخون ومعرة النعمان، في محاولة صريحة لإثارة ذعـ.ـر المدنيين ودفعهم للنـ.ـزوح شمالا، ووفقا للمفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة فقد قُتِـ.ـل ما لا يقل عن 1500 مدني خلال هذه الضـ.ـربات، وهُـ.ـجِّر مئـ.ـات الآلاف ودُمِّـ.ـر ما لا يقـ.ـل عن 53 منشـ.ـأة طبية.

ورغم هذه التكـ.ـلفة المدنية الهـ.ـائلة فإن النظام لم يُحقِّق سوى تقدُّم عسـ.ـكري محـ.ـدود، ولم ينجح إلا في استعادة الحلقة الخـ.ـارجية المحـ.ـيطة بمحافظة إدلب التي تُشكِّل 25% من الأراضي التي تسيـ.ـطر عليها المعـ.ـارضة،

ويبدو أن النظام وموسكو كانا يدركان أن محـ.ـاولة الاستيـ.ـلاء الكامل على المحافظة ستخـ.ـاطر بإغضـ.ـاب أنقرة وجـ.ـرّها للصـ.ـراع بشكل عسـ.ـكري فعلـ.ـي، وهو خيار لم تكن موسكو تُفضِّله في ذلك التوقيت،

لذا ركّزت الإستـ.ـراتيجية التي صمّمتها روسيا على استـ.ـخدام ضـ.ـربـ.ـات محـ.ـدودة ومؤثرة في الآن نفسه لإجـ.ـبار فصـ.ـائل المعـ.ـارضة السورية على الخـ.ـروج من مواقع إستراتيجية على طول الطرق الرئيسة المحيطة بإدلب تمـ.ـهيدا لتطـ.ـويق المدينة الكبرى والاستـ.ـيلاء عليـ.ـها في النهاية.

إلا أن إستراتيجية روسيا والنظام السوري شـ.ـهدت تحـ.ـوُّلا نحو مزيد من التصـ.ـعيد مطلع العام الحالي بفعل تطورين مهمين؛ أولهما استـ.ـياء موسكو من الصفـ.ـقة الضمنية التي أبرمتها أنقرة مع واشنطن لإقـ.ـامة منطـ.ـقة آمنـ.ـة في شمال شرق سوريا،

وهي الصفقة التي مهّـ.ـدت لعملية “نبع السلام” التركية نهاية العام الماضي، وأظهـ.ـرت موسكو هذا الاستياء علانية في شكل إدانة رسمية باعتبار العملية “انتهـ.ـاكا لسيادة سوريا الإقليمية” كما وصفتها. أما التطور الثاني فتمثَّل في دخـ.ـول تركيا للصـ.ـراع في ليبيا دعما لحكـ.ـومة الوفاق الوطني المعـ.ـترف بها دوليا في مواجهة قـ.ـوات الجنـ.ـرال خليفة حفتر المـ.ـدعوم رأسا من موسكو.

إستراتيجية حافة الهـ.ـاوية

من الواضـ.ـح إذن أنه على الرغم من أن الحـ.ـرب الأهلـ.ـية في سوريا أجبـ.ـرت تركيا وروسيا على العمل معا خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وبرغم وصف قادة البلدين -والأتراك على وجه الخصوص- للعلاقة بينهما بأنها “علاقة إستراتيجية”،

فإن حقيقة العلاقات التركية الروسية ظلّت أبعد ما تكون عن ذلك الوصف، حيث لم يتمكّن كلا البلدين من تجاوز حقيقة أنهما يمتلكان أهـ.ـدافا مختـ.ـلفا في العديد من المسـ.ـارح،

لذا كلما اقتربت الحـ.ـرب السورية من نهايتها تقـ.ـلّص حجم الإطار المتفق عليه بين الطرفين وزادت مسـ.ـاحة المصالح المتباينة وبرزت الخـ.ـلافات على السطح بسبب رغبة كل طرف في فرض أكبر قدر من النفـ.ـوذ لضمان مصالحه في سوريا ما بعد الحـ.ـرب.

بالنسبة إلى أنقرة وموسكو فإن المشكلة الرئيسة تكمن في أن كلتيهما تريد الشـ.ـريحة نفسها من الكعكة وهي شمال سوريا، وهو ما يضع الطرفين في مواجهة بعضهما بعضا مرة تلو الأخرى مهما حاولا تفـ.ـادي المواجهة. فمن ناحية،

تُواصِل موسكو تقديم الدعم لنـ.ـظام الأسد الحليف في دمشق من أجل استعادة كامل السـ.ـيطرة على الأراضي السورية وحسم الحـ.ـرب بشكل نهائي، وهو ما يضعها في مواجهة مصـ.ـالح تركيا. وعلى النقـ.ـيض،

ورغم أن أنقرة تُدرك أن نظام الأسد قد حـ.ـسم الحـ.ـرب بشكل فعلي، فإنها تتمـ.ـسّك بنفوذها، حيث تأمل أن يعمل الشمال السوري في النهاية كمنطـ.ـقة عـ.ـازلة بين تركيا وبين مختـ.ـلف التهـ.ـديدات القـ.ـادمة من سوريا.

الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” والرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” (رويترز)

بخـ.ـلاف ذلك، لدى البلدين حزمة أخرى من المصالح المتباينة في مناطق الشمال السوري، ففي حين تُركِّز موسكو بشكل رئيس على احتواء الفصـ.ـائل “الجهـ.ـادية” في المنطقة ومنع انتشار “التـ.ـمرد الجهـ.ـادي” إلى المحيط الروسي في آسيا الوسطى والقوقاز،

وتحاول إنشاء منطقة عـ.ـازلة لحـ.ـماية أصـ.ـولها السيـ.ـاسية والعسـ.ـكرية في دمشق وعلى البحر المتوسط ولمنع سقـ.ـوط سوريا تحت نفـ.ـوذ إيران، أو أيٍّ من القـ.ـوى الحليفة الإقليمية للولايات المتحدة،

فإن لدى أنقرة بدورها مصالح جيوسياسية مباشرة في الشمال السوري يأتي في مقدمتها إنشاء منطقة عازلة على طول حدودها مع سوريا تُوفِّر لها ضمانة ضد أي اعتـ.ـداءات محتـ.ـملة، سواء من قِبل النـ.ـظام في الشمال الغربي،

أو من قِبل وحدات الشـ.ـعب الكردية التي تُصنِّفها أنقرة كـ “منـ.ـظمة إرهـ.ـابية” في الشمال الشرقي، حيث يرى الأتراك أن أي نصر يُحقِّقه الأسد في إدلب من شأنه أن يُشـ.ـجِّع القـ.ـوات السورية على تحـ.ـويل انتبـ.ـاهها إلى مناطق النفـ.ـوذ التركي الأخرى في الشمال الشرقي وخاصة في عفرين وشمال حلب، والعكس بالعكس أيضا.

أما الأمر الأكثر إلحاحا حاليا فهو خوض تركيا لسباق مع الزمن لمنـ.ـع اندلاع أزمة لاجئين جديدة على حدودها، فمع استضافة إدلب لـ 4.5 مليون سوري نزحوا من أماكن أخرى من البلاد، فإن النظام التركي لا يرغب في إضافة هذا العـ.ـبء الكبير على رصيده المتضخم بالفعل من اللاجئين السوريين (تُقدِّر الأمم المتحدة أن 700 ألف شخص فرّوا بالفعل باتجاه الحدود التركية منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي)،

خاصة في خضم الأزمة الاقتصادية التي تعانيها البلاد ومعضلة تهاوي قيمة العملة، وموجة العداء المتزايد للاجئين التي تجتاح الناخبين الأتراك، والتي عانى الحـ.ـزب الحاكم من تداعـ.ـياتها السلبية خلال الانتخابات البلدية الأخيرة التي خسر فيها حـ.ـزب العدالة والتنمية معظم البلديات الكبرى وفي مقـ.ـدمتها إسطنبول لصالح خصومه.

 

نتيجة لذلك، فإن تركيا لديها كل الأسباب لتكثيف دعمها للمعـ.ـارضين السوريين في إدلب لجعل مهمة نظام الأسد في التقدُّم نحو المحافظة ودفع المزيد من اللاجئين نحو الشمال أكثر صعوبة، وختاما فإن أنقرة ترغب في ربط مستقبل وجودها العسـ.ـكري في إدلب بالعمـ.ـلية السيـ.ـاسية النهـ.ـائية في سوريا،

ولذلك ترى أن أي تقدُّم للنظام السوري في المحافظة سيُقلِّل من النفـ.ـوذ التركي على طاولة المفـ.ـاوضات بشكل كبير، نفوذ ترغب تركيا في توظـ.ـيفه في المقام الأول لتقليص المكاسب السياسية للأكراد السوريين إلى الحد الأدنى ومنع حصـ.ـولهم على أي وضع دستوري خاص في سوريا ما بعد الحـ.ـرب.

تدرك تركيا أن الطريقة الوحيدة لإيقاف تقدُّم نظام الأسد هي خوض معركة برية مباشرة على الأرض، وهو خيار لا يبدو أن أنقـ.ـرة على استعداد لفعله على الأقل بالوقت الراهن

في ضوء ذلك، من المُرجَّح أن تركيا ستعتمد إستراتيجية متعددة الوجوه لإبطاء تقدُّم نظام الأسد وكسب المزيد من الوقت قبل نشوب أزمة لاجئين جديدة، وزيادة مخاطر التقدُّم عليه وعلى حليفه الروسي، بينما في الآن نفسه تتـ.ـفاوض مع موسكو على تسوية جديدة حول الوضع في المحافظة،

ويُعَدُّ أول عناصر هذه الإستراتيجية التركية هو توسيع النطاق الجغرافي للتصعيد من خلال دفع قـ.ـوات المعـ.ـارضة الموالية لأنقرة لشن هجـ.ـمات ضـ.ـد النظـ.ـام في غرب حلب مستغلة الموقف الضعـ.ـيف نسبيا لروسيا في شرق الفرات والوجود المتزايد للقـ.ـوات الأميركية في المنطقة،

وهو وجود سيجعل روسيا مترددة في تصعيد وجودها المباشر على هذه الجبهة تحاشيا لاستـ.ـفزاز ترامب والبنتاغون خلفه، بالتزامن مع سعي أنقرة لاستغلال وجودها في إدلب لتأمين طريق حلب – دمشق الدولي لإعاقة الإمدادات المباشرة لقـ.ـوات النظام بين حلب ودمشق، حيث تُشير تقارير حديثة إلى نجاح قـ.ـوات النظام في الاستيلاء على 13 بلدة في ريف حلب الشمالي والشمالي الشرقي واقترابها من الاستيلاء على حلب بشكل كامل.

بطريقة مماثلة فمن المُرجَّح أن أنقرة ستُواصِل تكثيف الدعم للمـ.ـعارضين على جبهة إدلب (تُشير التقديرات إلى أن هناك 12 ألف جنـ.ـدي في المحافظة بالفعل) بغية تصحيح توازن الـ.ـردع مع النظام وروسيا على هذه الجبهة،

وإرسال رسالة لموسكو مفادها أن تحقيق أي نصـ.ـر عسـ.ـكري على حساب مصالح تركيا سيكون باهظ التكلفة، غير أن أنقرة تُدرك أن هذه التكلـ.ـفة البـ.ـاهظة ستنال من الطرفين معا،

وأن الطريقة الوحيدة لإيقـ.ـاف تقدُّم نظام الأسد بشكل فعلي هي خوض معـ.ـركة برية تشمل نشر أعداد كبيرة من القـ.ـوات التركية في معـ.ـارك مباشرة على الأرض، وهو خيار لا يبدو أن أنقرة على استعداد لفعـ.ـله على الأقل في الوقت الراهن، لكنها بالتأكيد ستلجأ له قريبا إن وصلت المباحثات مع الروس لطـ.ـريق مسدود.

 

على المستوى الدبلوماسي، من المُرجَّح أن الأتراك سيواصلون ممارسة عادتهم الأثيرة في تبديل بوصلة علاقاتهم بين موسكو والغرب، فمع اتجاه علاقة أنقرة مع موسكو نحو المزيد من التوتر،

من المُرجَّح أن الأولى ستتوجّه مرة أخرى إلى البيت الأبيض في محاولة لانتزاع تأييد واضح لسياستها في إدلب، وربما الحصول على تعهُّد أميركي بشنّ هجـ.ـمات ضد نظام الأسد حال استخدم الأسـ.ـلحة الكيمـ.ـيائية في الصـ.ـراع حول المحافظة (كان هجـ.ـوم النظام بالأسـ.ـلحة الكيمـ.ـيائية على خان شيخون في إدلب هو ما دفـ.ـع ترامب والبنتاغون لتوجيه ضـ.ـربات للنظام السوري عام 2017)،

ويمكن لهذا التعهُّد الأميركي إن حدث أن يجعل نظام الأسد وموسكو أكثر تردُّدا في تصـ.ـعيد هجـ.ـماتهم على المحافظة، وسيُوفِّر لتركيا نفوذا إضـ.ـافيا لا يُستـ.ـهان به في أي اجتمـ.ـاعات محتـ.ـملة مع رجال الكرملين.

يبقى مستقبل المقـ.ـاطعة الشمالية الغربية في سوريا الامتحان الأكثر ديمـ.ـومة وجدية لتحـ.ـالف المصالح بين روسيا وتركيا، وسيُعيد هذا الاختبار فرض نفسه على الساحة مرة تلو المرة

ورغم ذلك، فإن أردوغان يُدرك بوضوح أن مفاتيح التسوية في إدلب تقع في يد بوتين وليس في يد ترامب، لذا يبدو أن رهان تركيا النهائي مع كل هذه الخطـ.ـوات هو أن روسيا لن تكون راغبة بدورها في ترك الأمور تتدهور لحافة المواجهة المباشرة معها،

وأنه في مرحلة ما قبل بلوغ الصـ.ـراع ذروته سيضطر الطرفان للجلوس معا لاستكشاف خيارات أخرى للحل، وربما إبرام صفقة جديدة تُعيد تعريف حدود المنطقة العازلة وتُثبِّت الوضع الراهن في المحافظة، لكن المشكلة أن هذا الرهان المستند إلى سياسة حـ.ـافة الهـ.ـاوية يُوفِّر مجالا هائلا لحـ.ـدوث المزيد من الأخطـ.ـاء، وبالتالي استمرار دورة التصعيد.

وحتى إذا نجحت تركيا وروسيا في تقديم مصالحهما المشتركة (المتقلصة باستمرار) والتغلب على الجولة الحالية من التصعيد، فليس هناك ضامن أن الأولويات المتناقضة للبلدين لن تُعيد تجديد الصراع(12) في وقت قريب. فمن ناحية، لا يبدو أن موسكو على استعداد لممـ.ـارسة ضغوط على الأسد للتراجع عن حلمه باستعادة السيـ.ـطرة على كامل أراضي سوريا أو أنها ستكف عن تحميل تركيا المسؤولية عن احتـ.ـواء “الجمـ.ـاعات الجهـ.ـادية” في إدلب.

وفي المقابل، لا يبدو أن أنقرة ستكون مستعدة لتجـ.ـاوز مخـ.ـاوفها الجـ.ـوهرية بشأن سوريا مقابل الحفاظ على تحالـ.ـفها مع روسيا، ويعني ذلك في النهاية أن مستقبل المقاطعة الشمالية الغربية في سوريا سيبقى الامتحان الأكثر ديمـ.ـومة وجدية لتحالف المـ.ـصالح بين روسيا وتركيا،

وأن هذا الاختبار سيُعيد فرض نفسه على الساحة مرة تلو المرة حتى لو نجح الطرفان في الالتفاف عليه مؤقتا في الوقت الراهن، وأن استمرار تصـ.ـادم المصالح في الحدوث في تلك المنطقة من سوريا ربما تخرج نتائجه عن أيدي الجميع في مرة ما من تلك المرات، وربما تكون تلك المرة هي كل ما تحتاج إليه العلاقات الروسية التركية للانهـ.ـيار،

وكل ما يحتاج إليه الشمال السوري ليشهد معـ.ـركة شاملة بين النظـ.ـام السوري والجيـ.ـش التركي وربما بداية نهـ.ـاية الحـ.ـرب السورية بشكل كامل، نهـ.ـاية لا يمكن لأي طرف أن يضمنها، على الإطلاق.

اعداد :محمد السعيد

لمشاهدة الفيديو اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى