close
قصص إسلامية

تعرف على روائع التاريخ العثماني.. القاضي يردّ شهادة السلطان هل تحدث في بلادنا ..؟

تعرف على روائع التاريخ العثماني.. القاضي يردّ شهادة السلطان هل تحدث في بلادنا ..؟

خصوم التاريخ العثماني يَدَّعون أن القضاء والعلماء في الدولة العثمانية كانوا أداة بيد السلطة
– التاريخ العثماني يزخر بنماذج مشرفة تنسف هذا الإدعاء،

منها رد الملا الفناري لشهادة السلطان بايزيد الأول لاعتبار شرعي، وانسحاب السلطان من مجلس القضاء في هدوء دون التعرض للقاضي بأي أذى

– القصة لها دلالات مهمة، أبرزها مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء

تتضمن حملات الطـ.ـعن في التاريخ العثماني اتهام علماء “الدولة العليّة” بأنهم لم يكونوا سوى “خياطين” يفصلون الفتاوى الدينية على هوى السلاطين، وأداة بأيدي السلطة لا أكثر.

ومن باب الموضوعية، لا شك أن التاريخ العثماني يحتوي على شيء ما من ذلك، كشأن سائر الممالك، لكن ليس بهذا الشكل الفج الذي يتم ترويجه.

بل إن الصورة الكلية على النقيض تماما، فقد كان لعلماء الشريعة، في كثير من حقب التاريخ العثماني، قيمتهم وهيبتهم لدى السلطة، حيث يتمتعون باستقلالية القضاء والفتوى.

ومن أجلّ ما حملته إلينا كتب التاريخ من شأن هؤلاء العلماء العثمانيين، الذين حافظوا على سمعة مناصبهم الدينية، وأصروا على حماية الفتوى من أي مساس يصدر عن السلطة أو غيرها، هو موقف الملا شمس الدين الفناري من السلطان بايزيد الأول، الملقب بـ”الصـ.ـاعقة”.

هو شمس الدين محمد بن حمزة بن محمد الفناري، أحد علماء وقضاة الدولة العثمانية المعروفين، وقال عنه الإمام “ابن حجر” إنه “كان عَارِفًا بالعلوم الْعَرَبيَّة وَعلمِي الْمعَانِي وَالْبَيَان وَعلم القراءات”.

تولى قضاء بورصة، وارتفع قدره عند السلطان العثماني، وصار في مرتبة الوزير، واشتهر ذكره وشاع فضله، وكان حسن السمت.

ولما دخل مصر، وهو في طريقه للحج، اجتمع مع فضلاء العصر وباحثوه وشهدوا له بالفضيلة.

وكان قد أصـ.ـابه الرمد ففقد بصره، ثم رد الله إليه بصره، فحج حجته الأخيرة شكرًا لله.

جاء في كتاب “الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية”، لـعصام الدين طاشْكُبْري زَادَهْ (المتوفى: 968هـ)، أن الفناري كان إذا خرج إلى الجامع، يوم الجمعة، يزدحم الناس على بابه، بحيث يمتلئ بهم ما بين بيته والجامع.

وأما السلطان بايزيد الأول أو “الصـ.ـاعقة”، فهو من أشهر سلاطين الدولة العثمانية، وصاحب فتـ.ـوحات وانتـ.ـصارات عظيمة على الصليـ.ـبيين، في حـ.ـرب حشد لها البابا بونيفاس التاسع لطرد المسلمين من أوروبا، إثر فتح بلغاريا على يد بايزيد.

واشتركت 15 دولة أوروبية في هذه الحـ.ـرب، بقيادة سيجسموند ملك المجر، ضد العثمانيين، لكن بايزيد انتصر على التكـ.ـتل الصلـ.ـيبي انتصارا سـ.ـاحقا في معركة نيكوبولس، عام 1396م.

لنا أن نتخيل سلطانا بهذا الحجم، دخل يوما على القاضي شمس الدين الفناري للإدلاء بشهادة في قضية ما، ووقف أمامه كأي شخص عادي، فنظر إليه القاضي الفناري ثم قال: “إن شهادتك لا يمكن قبولها، لأنك لا تؤدي صلواتك جماعة، والشخص الذي لا يؤدي صلاته في جماعة دون عذر شرعي يمكن أن يكـ.ـذب في شهادته”.

وللقارئ أن يطلق لخياله العنان ويقرأ على وجوه الحاضرين أثر تلك الكلمات، فضلا عن أثرها على نفس السلطان ذاته، وهو صاحب الانتـ.ـصارات العظـ.ـيمة على أوروبا، وربما تصور الحضور أن السلطان سيقـ.ـطع رأس القاضي لا ريب، ردًا على ما يعتبرونها إهـ.ـانة كبيرة.

لكن السلطان استدار بهـ.ـدوء، وغادر مجلس القضاء من دون أن يفتح شفتيه بكلمة اعتراض، أو تصدر عنه أي إسـ.ـاءة للقاضي الجريء، بل وأمر في اليوم نفسه ببناء جامع ملاصق لقصره ليؤدي فيه صلاة الجماعة.

وهو ما ذكره غير واحد من المؤرخين، مثل عثمان نزار في كتابه “حديقة السلاطين”، ونقله عنه الكاتب العراقي، أورخان غازي، في كتابه “روائع من التاريخ العثماني”.

ويذكر صاحب “الشقائق النعمانية” أنه وقع بين الفناري والسلطان خلاف، فترك الفناري مناصبه ورحل الى بلاد قرامان، وعين له صاحب قرامان كل يوم ألف درهم، ولطلبته خمسمائة درهم يوميا.

ثم إن السلطان ندم على ما فعله في حق الفناري، فأرسل إلى صاحب قرامان يستدعي الفناري، فأجابه وعاد إلى ما كان عليها من المناصب.

بعض المؤرخين الذين أكدوا واقعة رد شهادة السلطان، ذهبوا إلى أن سبب رد الشهادة كان شرب السلطان للخمر.

وذكر المؤرخ التركي المعاصر، إسماعيل حامي نشمند، في موسوعة التاريخ العثماني، أن السلطان ذهب يتفقد العمل في مسجد في بورصة، فالتقى العالم محمد شمس الدين البخاري.

وتوجه السلطان بسؤال إلى البخاري بشأن إن كان يوجد أي نقص في البناء، فأجابه العالم إجابة تنم عن شدة إنكاره على أفعال السلطان، فقال: “بالنسبة لنا نحن المسلمين فإننا لا نجد أي نقص في البناء، أما بالنسبة إليك يا بايزيد، فإنني أخشى أن تكون قد نسيت أن تضع خزانة تحفظ بها خمورك بجانب المحراب”.

لكن مؤرخين آخرين، أمثال المؤرخ التركي أحمد آق كوندز، رجحوا بشدة أن سبب رد الفناري لشهادة السلطان، كان تركه للصلاة في جماعة، وأنه لذلك أمر ببناء مسجد ملاصق للقصر، حتى يؤدي فيه صلاة الجماعة.

وبصرف النظر عن اختلافهم في سبب رد الشهادة، فإن الواقعة ثابتة بلا شك، ولها دلالات عظيمة، أهمها مبدأ الفصل بين السلطات، الذي يظهر بقوة في هذه الرواية التاريخية، وهو المبدأ الذي تفتقر إليه معظم الدول في عصرنا الحالي، حيث يغيب استقلال القضاء، ويصبح فريسة للتسييس.

وكما يقول أورخان غازي: “عندما كان المسلمون يملكون أمثال هؤلاء العلماء ملكوا أمثال هؤلاء السلاطين”. وهذا التناسب الطردي مُشَاهد بقوة في التاريخ العثماني.

هكذا أنقذ العثمانيون “طرابلس” من فرسان القديس يوحنا

أرسل أهل طرابلس رسالة استغاثة للسلطان سليمان القانوني، والذي بعث حملة صغيرة عجزت عن تحريرها، فأرسل حمـ.ـلة كبيرة بقيادة سنان باشا الصدر الأعظم وتم إجـ.ـلاء فرسان القديس يوحنا عن المدينة.

-تحـ.ـرير العثمانيين لطرابلس يدفع الفرية التي يتم ترويجها من أن الوجود العثماني في البلاد العربية كان احتـ.ـلالا.
عام 1515م استولى الإسبان في عهد شارل الخامس على طرابلس الليبية،

لتكون أحد الجيوب الصلـ.ـيبية التي اتخذتها إسبانيا على طول ساحل شمال إفريقيا، وتصبح تحت الهيمنة الصلـ.ـيبية حوالي عشرين عاما.

رأى إمبراطور إسبانيا أن يكلف فرسان القديس يوحنا بمواجهة الإسلام في طرابلس، وكانوا قد انتقلوا إلى جزيرة مالطة بعد أن استولى السلطان سليمان القانوني على جزيرة رودس التي كانوا يقيمون فيها، وأصبحوا يمثلون خطرًا على السفن الإسلامية في المتوسط، حيث كانوا يتتبعون هذه السفن والاستيلاء على حمولاتها واعتـ.ـقال ركابها.

وبدخول عام 1535م، حكم فرسـ.ـان القديس يوحنا طرابلس نيابة عن شارل الخامس والذي أراد أن يتفرغ لشن حمـ.ـلاته الصليبية على الجزائر وتونس، إضافة لمواجهة حركة مارتن لوثر في ألمانيا.

اتخذ فرسان القديس يوحنا من طرابلس قاعدة لضـ.ـرب الوجود البحري الإسلامي، وأقاموا فيها حكومة مسيحية متطرفة تسعى لتغيير وجه الحياة الإسلامي بالمدينة، ورغم أن سكان المدينة قاوموا ذلك الاحتلال، إلا أن ضعف إمكاناتهم وخبراتهم القتالية قد حال دون نجاح مقاومتهم.

كانت تجربة أهل الجزائر ماثلة أمامهم، حيث سبق لهم توجيه رسالة استـ.ـغاثة إلى الدولة العثمانية ضـ.ـد الخـ.ـطر الإسباني بإيحاء من زعيمهم خير الدين بربروس، فتبنى السلطان العثماني جهادهم ضد الإسبان.

وأراد أهل طرابلس أن يقوموا بالتجربة نفسها، فأرسلوا إلى السلطان سليمان القانوني يستغيثون به من خطر فرسان القديس يوحنا.

أرسل أهل طرابلس إلى سليمان القانوني من أجل التدخل العسـ.ـكري، وأعلنوا ولاءهم للدولة العثـ.ـمانية طواعية، وما إن وصلت الرسالة للسلطان حتى أرسل “مراد أغا” بقوة صغيرة عجزت عن تحرير طرابلس، ما دفع القائد لطلب المدد من السلطان.

وفي هذه الأثناء حرص القائد على إقامة التحصينات العسـ.ـكرية، فلما وصلت رسالته إلى السـ.ـلطان أمر سنان باشا الصدر الأعظم بالتـ.ـوجه إلى المدينة على رأس الأسطول، فتمكن من تحريرها بمعونة تورغوت باشا أو تورغوت رئيس، الأمير البحري العثماني.

بعد أن تم تحرير طرابلس، تولى مراد أغا ولايتها، ليكون أول الولاة العثمانيين عليها، ثم تولى هذا المنصب تورغوت باشا، والذي تعقب فلول القديس يوحنا، واستصدر من السلطان أمرًا بإرسال فيالق من الانكشارية لتعزيز الحامية العثمانية ضد الأخطار الصليبية.

وبداية من عام 1551م أصبحت طرابلس تحت السيادة العثمانية، وانصهر الجنود مع أهاليها وتصاهروا وانخرطوا في المجتمع الطرابلسي.

وفي عام 1711م، أعلن أحد الإنكشارية – وهو أحمد القرمانلي – نفسه حاكما على طرابلس بعد أن ثار أهل المدينة ضد واليها خليل باشا بسبب ضياع سفينتين في البحر الأدرياتي، فاستغل القرمانلي غيابه وأعلن نفسه حاكما.

واضطر السلطان أحمد الثالث إلى تعيين أحمد القرمانلي واليا بصفة رسمية وجعل حكم طرابلس بيد سلالته، فظلت أسرة القرمانلي تحكم طرابلس حتى 1835م، لتعود إلى حكم العثمانيين بصورة مباشرة وحتى الاجتياح الإيطالي لليبيا عام 1911م.

هذه الأحداث لها دلالات هامة، منها:

أولا: هي أبلغ رد على من قال إن الوجود العثماني في البلاد العربية كان احتـ.ـلالا، حيث أن أهل طرابلس هم من أعلنوا ولاءهم للدولة العثمانية مستنجدين بالسلطان العثماني من الاحتـ.ـلال الإسباني وسيطرة فرسان القديس يوحنا على المدينة، وهو ما حدث من قبل الجزائريين عندما استنجدوا بالدولة العثمانية ضد الخـ.ـطر الإسباني أيضا.

ثانيًا: استنجاد أهل طرابلس بالدولة العثمانية والمسارعة الفورية من الدولة لنجدتهم، دليل دامغ على سيادة الشعور بأمة الجسـ.ـد الواحد والراية الإسلامية الجامعة لكل من العثمانيين والعرب.

ثالثا: ثورة أهل طرابلس على الوالي خليل باشا بسبب ضياع سفينتين في البحر الأدرياتي واستـ.ـيلاء فرسان القديس يوحنا عليهما وحـ.ـرقهما، يكشف مساحة الحرية وتمتع الشخصية العربية في المدينة بالاستقلالية والقدرة على التعبير عن السخط الجماهيري، بما يدل على أن العثمانيين لم يحكموها بالقـ.ـمع والعـ.ـسف.

محمد الفاتح…عظيمٌ في الحياة والممات

السلطان محمد بن مراد الثاني، أو محمد الفاتح كما عرف في التاريخ الإسلامي، لأنه القائد الذي حقق الله على يديه حلم فتح القسطنطينية، ذلك الحلم الذي داعب أجفان قادة المسلمين العظام من عهد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، كلهم يسعى لنيل هذا الشرف.

فأتى ذلك البطل الفذ، ليتحقق على يديه الوعد النبوي بفتح هذه المدينة العريقة العتيدة، ومنذ نعومة أظافره كان يمني نفسه بأن يكون هو الرجل، فيجلس على شاطئ البحر، وعينه تمتد عبر صفحة المياه، إلى حيث القسطنطينية، وبجواره شيخه ينفث في عزمه، ويسرد على سمعه الحديث النبوي: ( لتفتحن القسطنطينية و لنعم الأمير أميرها و لنعم الجيش ذلك الجيش).

كل الناس يموتون، لكن العظماء تفيض أرواحهم، لتسري أقوالهم وأفعالهم في نهر التاريخ، تتناقلها الأجيال تلو الأجيال.

هذا البطل كان عظيما في الحياة وعظيما في الممات، عُمريُّ العزم، همته التي طاولت النجم بسموها، رافقته من المهد إلى اللحد.

جاءت اللحظات الأخيرة لهذا الفارس بعد حياة حافلة بالنزال والنضال، ليطلق على فراش الموت وصيته الأخيرة لولده، والتي تمثل ملامح منهجه في الحكم والقيادة، ويظهر فيه عظم انتمائه لدينه، وصفاته القيادية وحنكته وخبرته بما يصلح المُلك.

فدعونا نطالع تلك الوصية لهذا القائد العظيم، والتي ينبغي أن تكون نبراسا لكل حاكم مسلم:

ها أنا ذا أموت، ولكني غير آسف لأني تارك خلفاً مثلك. كن عادلاً صالحاً رحيماً، وابسط على الرعية حمايتك بدون تمييز، واعمل على نشر الدين الاسلامي، فإن هذا هو واجب الملوك على الأرض، قدم الاهتمام بأمر الدين على كل شيء، ولا تفتر في المواظبة عليه، ولا تستخدم الأشخاص الذين لا يهتمون بأمر الدين، ولا يجتنبون الكبائر وينغمسون في الفحش، وجانب البدع المفسدة، وباعد الذين يحرضونك عليها.

وسّع رقعة البلاد بالجـ.ـهاد واحرس أمـ.ـوال بيت المال من أن تتبدد، إياك أن تمد يدك إلى مال أحد من رعيتك إلا بحق الاسلام، واضمن للمعوزين قوتهم، وابذل إكرامك للمستحقين.

وبما أن العلماء هم بمثابة القـ.ـوة المبثوثة في جسم الدولة، فعظم جانبهم وشجعهم، وإذا سمعت بأحد منهم في بلد آخر فاستقدمه إليك وأكرمه بالمال.

حذار حذار لا يغرنك المال ولا الجند، وإياك أن تبعد أهل الشريعة عن بابك، وإياك أن تميل إلى أي عمل يخالف أحـ.ـكام الشريعة، فإن الدين غايتنا، والهداية منهجنا وبذلك انتصرنا.

خذ مني هذه العبرة: حضرت هذه البلاد كنملة صغيرة، فأعطاني الله تعالى هذه النعم الجليلة، فالزم مسلكي، وأحذ حذوي، واعمل على تعزيز هذا الدين وتوقير أهله ولا تصرف أموال الدولة في ترف أو لهو، وأكثر من قدر اللزوم فإن ذلك من أعظم أسباب الهلاك)).

ففي وصية الفاتح تقديم الاهتمام بالدين على كل أمر، مؤكدا على أهمية الهوية الإسلامية، وهي الصبغة التي رفعها العثمانيون منذ تأسيس الدولة حتى يومنا هذا، بصرف النظر عن الفترات التي ضعفت فيها تلك الهوية.

وفي وصية الفاتح تقديم الحاكم بطانة صالحة وتنقية القصر من شوائب المغرضين، ولكن لن يعبأ بهذا إلا من صدق في عزمه وإخلاصه لدينه وبلاده، فيهتم بتطهير مؤسسات الدولة من أصحاب الأهواء والأجندات الخاصة، والذين يعبثون بمقدرات البلاد من خلال البلاط الملكي، ولعمر الله هي الخطوة الأولى لكل حاكم يبتغي الإصلاح وتصحيح المسار، أن يقدم الأكفاء من القوم، ويستبعد تلك الأشواك.

وفي وصية الفاتح تقديم العلماء وأهل الفضل، فهؤلاء هم الذين يشدون قوائم الملك، وما قدم ملك أو حاكم تلك الشريحة إلا وانعكس أثرها على شؤون البلاد بأسرها.

لذا كان قادة الإسلام العظام من ورائهم علماء ثقات يفرزون قراراتهم السياسية ويضبطونها وفق مبادئ الإسلام وتعاليمه.

عرف صلاح الدين الأيوبي بشيخه القاضي شداد، وعرف سيف الدين قطر بالشيخ العز بن عبد السلام، وعرف محمد الفاتح بالشيخ آق شمس الدين.

وفي وصية الفاتح الأمر بإقامة العدل بين الناس، فالعدل هو أساس الملك، ولذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ؛ ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة.

وليت الملوك والحكام يدركون أنهم لا يحكمون قطعانا، وأن الله قلدهم أمانة القيام بحق هذه الشعوب، فعليهم أن يقتربوا منها ويزيلوا الحواجز معها، ويعلموا أن شعوبهم هي التي تشد ظهورهم لا الارتماء في أحضان الشرق والغرب، لكن ذلك لن يتأتى إلا بوجود العدل، العدل وحده هو الذي يقرب بين الحاكم والمحكوم، بين الجماهير والأنظمة.

وفي وصية الفاتح الحث على صيانة أموال الدولة، فثرواتها وخيراتها ملك لأهلها، والحاكم هو الحارس الأمين عليها فحسب، لا يسوغ له منصبه نهبها وتجويع شعبها وإدخال الناس في دوامة الفقر والعوز الناتج عن غياب العدالة الاجتماعية.

كان لوفاة ذلك القائد العظيم أثر عظيم على العالم بأسـ.ـره، ففي الغرب ابتهجوا وأقاموا الاحتفالات لمـ.ـوت محمد الفاتح.

في “رودس” كانوا يؤدون صلوات الشكر ما إن علموا بموت محمد الفاتح..

وفي روما شاعت البهجة وأمر البابا بفتح الكنائس وإقامة الصلوات والاحتفالات، وجعلت المواكب تجوب الشوارع مرددة أناشيد النصر، وأطلـ.ـقت المـ.ـدافع تعبيرا عن الفرح والسرور.

وأقامت أوروبا الأفراح والاحتفالات لمدة ثلاثة أيام بعد أن مـ.ـات الفاتح الذي كانوا يرونه أعظم خـ.ـطر عليهم.

وأما المسلمون، فكما ابتهجوا لفتح القسطنطينية، وكاتبوا السلطان يهنئونه بالفتح، وأرسلت الوفود للتعبير عن أمة الجسد الواحد التي لا تفصلها لـ.ـغة ولا حدود، كان يوم مماته مأتما، حيث فقد المسلمون قائدا عظيما، فرثاه العلماء، وحزنت الأقطار الإسلامية لفقدانه.

وأثّر مـ.ـوته على جيشه، فقد كان رجاله قد وصلوا إلى جنوب إيطاليا لفتحها، فما إن وصلهم خبر مـ.ـوته، حتى اغتموا لذلك، لدرجة أن قائد الجيـ.ـش اضطر للدخول في مفاوضات مع ملك نابولي لكي ينسحب جيـ.ـشه آمنا بعد أن دب فيه الضـ.ـعف والـ.ـهم.

تلك هي الصفحة الأخيرة في كتاب ذلك البطل المجـ.ـاهد، والذي لا يزال ماثلا أمام الأجيال على مر العصور، يتبدى من ذاكرة التاريخ كلما ذُكر المجد والعدل والنضال والتسامح.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى