رامي مخلوف يعرف السبب الذي يأجل تصفيته.. هذه ورقته الأخيرة وعليه أن يلعبها إلى النهاية
خلافات الأسد ومخلوف
رامي مخلوف يعرف السبب الذي يأجل تصفيته.. هذه ورقته الأخيرة وعليه أن يلعبها إلى النهاية.
من يخاطب ابن خال بشار الأسد، رامي مخلوف، في الفيديوهات والبوستات التي ينشرها على صفحته على “فيسبوك”، والتي يشرح فيها “الظلامة” التي أوقعه بها الأسد وأعوانه “الجدد”؟ ثمة مُخَاطبٌ من دون شك. ينظر رئيس مجلس إدارة سيريتل إلى عينيه ويوجه إليه كلامه، ويريد منه شيئا. علينا أن نبحث عن هذا المُخَاطب في التعليقات الكثيرة التي تذيل البوستات والفيديوهات. الأسماء لا تقول الكثير عن هوية مستقبلي الرسائل، باستثناء مدائح لـ”رجل الخير والتقوى الأستاذ رامي مخلوف”.
ربما كنا نحن المخاطَبين، ذاك أن الرسائل تصلنا أيضًا، والرجل يعرف ذلك، وهي تستدرجنا لتفكير ليس في واقعة وضع اليد على شركة مخلوف، إنما تستدرجنا إلى التفكير بسوريا وبهذا النظام الذي يحكمها، وبالطبيعة المافياوية للعائلة الحاكمة.
يعدد لنا مخلوف الخطوات التي سبق هو أن خطاها أثناء وضعه يده على “القطاع الخاص السوري”. يستعين لإقناعنا بظلامته، بملامح شديدة البلادة، تكشف عن شراهة صاحبها، لكنها أيضا تكشف عن شيء ما يجب البحث فيه. فالنظام هنا يُفصح عن إحدى خصائصه الضمنية. خلف وجه الرجل المتظلم وحش لا يجيد المراوغة، ذاك أنه لم يسبق أن احتاج لها.
المرة الأولى في مسيرته كلها التي شعر مخلوف فيها بالحاجة لكي يستدرج تعاطفًا كانت هذه المرة. قبل ذلك كانت له اليد الطولى في كل شيء، ومن كانت هذه حاله لا يحتاج لكي يراوغ. كان يقول المطار لي فيصير له، وقطاع الهاتف لي، فيفسح الجميع له. اليوم قرر من هذه حاله أن يراوغنا، فسقط في الهباء، وكشف وجه الوحش عن ضآلة ووهن ورياء.
لكن على رغم ذلك ثمة شيء صادق في رواية مخلوف، لا في وجهه وصوته وملامحه. ثمة قصة سطو سبق أن كان بطلها هو نفسه لمئات المرات. تتحرك المافيا لتضع يدها على الشركة. الحكومة في هذه اللحظة وسيلة التحرك، وثمة سكان في ذلك القصر يعاينون بصمت كيف تجري الوقائع. سكان لا يتكلمون ولا يصرحون ولا يستجيبون لاستغاثات ابن خالهم.
يشرح لنا رامي من دون أن يدري كيف جرى السطو على سوريا. كيف ابتلعت العائلة الأسواق. جرى ذلك وفق آليات كانت تُهندس في أروقة صاحب الوجه المراوغ. خطوةً خطوة أخذنا رامي برحلة في أروقة المافيا. ثمة أم وزوجة وشقيق وابن، وثمة حكومة يرأسها رجل بلا وجه، وثمة شركة ومديرين يستجيبون لصوت صادر من خلف غرفة رئيسهم.
في أحد التعليقات على بوست “صاحب الظلامة” يكتب رجل قصة قصيرة جدًا عما فعله رامي بتاجر سوري. لم يلغ البوست لسبب ما. قال الرجل: “في العام 2008 شحن صديق لي إلى مرفأ اللاذقية باخرة ذرة من النوع الممتاز. أرسلت أنت بنفسك من يكشف على البضاعة، وصدر التقرير أنها غير صالحة. قرر الرجل إعادتها إلى مصدرها وتحمل الخسائر، فاتصلت أنت به وقلت له أنك مستعد لشرائها بنصف قيمتها، وهكذا كان”. هذا الرجل صادق بما يقول، مثلما رامي مخلوف صادق بما يعرض من خطوات استهدفت شركته. إنها لحظة صدق نادرة تعيشها المافيا في مراحل تشهد فيها انعطافات دموية.
هذه وقائع تجري في سوريا في ظل اقتراب قانون قيصر من رقبة النظام. وهنا علينا أن نتوقع انعطافات مؤلمة لسكان قصر المهاجرين، لكنها أيضًا ستضاعف من وطأة الظلم اللاحق بأهل هذا البلد. فالعائلة لن تستكين لصفعات العالم، وستسعى لتوزيعها على أهل البلد، كما سبق أن وزعت شراهة ابن خالها على القطاع الخاص السوري. سكان القصر لن يقبلوا بأن يترنحوا لوحدهم تحت وطأة حُزم العقوبات الجديدة.
لكن علينا العودة إلى السؤال الأول، بمن يفكر رامي مخلوف حين يصور فيديوهاته؟ الجواب على هذا السؤال يتيح فهمًا أعمق لطبيعة المافيا ولآلية اشتغالها. كل الأجوبة حتى الآن تبدو غير شافية. موسكو أو طهران أو الطائفة أو عمته والدة الديكتاتور؟! ثمة عقدة تقنية لا تلبيها هذه التوقعات. ثمة سبب آخر يعيق فهمنا لما يجري، ويعيق خطوة بديهية من نوع إقدام النظام على قتل عدوه الجديد. القرابة والعلاقات الرحمية ليست سببًا مقنعًا، فسبق أن قُتل صهر العائلة آصف شوكت من دون أن يرف جفن للرئيس!
الأرجح أن رامي يعرف السبب الذي يعيق قتله. هذه ورقته الأخيرة، وعليه أن يلعبها إلى الآخر. وهنا علينا أن نستعين في توقعاتنا بما نملك من خيال. الرجل كان بيده ثروة سوريا. يجري الآن البحث عن هذه الثروة. رامي يفاوض الآن على شيء ما. الأسد مختنق بالعقوبات وبقانون قيصر، ولن يُبدد فرصة استعادة المليارات من ابن خاله. لا نعرف النهاية، لكنها ستظهر في وقت قريب