هل نجحت مهمة ماكرون في لبنان؟
تركيا الحدث
قد يكون المخطط طموحاً للغاية، ولكن هناك خطة بديلة تقدم تعافياً سريعاً للاقتصاد وتستأصل الفساد، إذا كان لدى ماكرون الشجاعة لأن يمهرها بخاتم فرنسي.
بعد أيام من انفجار بيروت،
كتبت أن علينا توقع، وربما كنت متشائماً، مزيد من “الانفجارات”؛ نظراً
إلى أن القيادة الحالية للبنان لا تملك حيلة فيما يتعلق بالحكم، وأنه لا يُتوقع
إلا مزيد من الفوضى.
عندما تتهافت بقايا النظام
الفاسد على الجثث كي تبقى في السلطة من أجل هدف وحيد يتعلق بانتظار مساعدات
الإنقاذ التالية، فإن حتى هؤلاء الذين يعملون في الوزارات الحكومية والذين ليسوا
فاسدين، يفقدون الأمل وبالكاد يبذلون جهداً لأداء وظائفهم.
وأي شخص أضاع يوماً كاملاً
في الاتصال برقم هاتفي حكومي لإحدى الوزارات في بيروت، سوف يخبرك بهذا: لا أحد
يرد.
يمكن لهذا أن يفسر اندلاع
حريق ضخم ثان في ميناء بيروت: حادث آخر في دولة فاشلة. ومع ذلك، يعتقد بعض
اللبنانيين أنه دُبِّر لإحراق أدلة حساسة متعلقة بانفجار الميناء.
إذ إن الانفجار الأول، الذي
تصدر العناوين الرئيسة حول العالم في 4 أغسطس/آب، ربما وقع نتيجة الإهمال على نطاق
واسع وعلى كل المستويات، والذي تسبب في مقتل أكثر من 140 شخصاً وخلّف وراءه فاتورة
إصلاح وترميم تصل إلى حوالي 15 مليار دولار.
وتعد هذه نتيجة ثانوية
مؤسفة، لكنها متوقعة تماماً، للفساد المضلل في بلد محكوم عن طريق طبقة
كليبتوقراطية.
وهذه هي مشكلة لبنان: أمراء
الحرب الذين كان من المفترض أن يسلموا السلطة رويداً رويداً بعد عام 1990، لم
يفعلوا إلا أن استخدموا مراكزهم لبسط مزيد من السيطرة على الحكومة وجميع أحشائها،
إضافة إلى القطاع الخاص في يومنا هذا.
الخلل في خطة ماكرون
الأصلية
ولكن كيف تنظم ثورة غير
دموية تستبدل الوزراء الحكوميين القادمين من نفس النخبة الحاكمة، أو -من أجل تلك
المسألة- تجلب أعضاء برلمان نظيفين لم يدفعوا الرشاوى خلال عملية وصولهم إلى
النظام؟
اقرأ أيضاً:
يقول البعض إنه لا يمكن
حدوثه ما دام ليس هناك حافز أمام النخبة للتنحي جانباً وترك الآخرين يحكمون. وهنا
مكمن المشكلة التي تعترض طريق إيمانويل ماكرون. يعتمد مخططه على خلل خطير: إذ إنه
يعمل مع النخبة الحالية ويأمل أن يتوقفوا عن الممارسات الفاسدة ويتغيروا.
لكن مخططاً جديداً وجريئاً
صاغه محاميان لبنانيان قد يملك الإجابة: استحدث دولة داخل دولة، تتجاوز الحرس
القديم وتدير هذه القطاعات الأساسية، مما يسمح لها بتحقيق الأرباح مرة أخرى.
قرب نهاية شهر
سبتمبر/أيلول، سوف يلتقي رفيق كوسا ومارك عوفي مع وزير الخارجية الفرنسي جان إيف
لودريان، حيث سيعرضان مخططهما الذي يحظى بدعم السفير الفرنسي في بيروت، ويدعيان
أنه يحظى بدعم وزيرين فرنسيين بارزين.
تستهدف مسودة المقترح جمع
مبلغ 5 مليارات دولار فقط في البداية من البنوك الأمريكية، وهي الأموال التي سوف
يجري ضخها إلى هذه القطاعات الرئيسية، التي سوف تشرف عليها فرنسا، ولكنها لن
تمتلكها.
وينبغي أن يكون الهدف من
المخطط بديهياً لماكرون في إطار المقترح، الذي لا يطلب أي تمويل من الدولة
الفرنسية، ويسمح للشركات الفرنسية بأخذ عقود ترميم تصل قيمتها إلى 15 مليار دولار،
وفقاً لمسودة المقترح الذي حصلتُ عليه وقرأته.
وفي قطاع الكهرباء وحده،
يُنتظر من الشركة الفرنسية Allstrom، أن تُمنح عقداً بـ5
مليارات دولار لبناء توربينات غاز.
بالطبع هناك أجزاء أخرى من
الخطة أصعب على الفهم وأكثر تعقيداً. فضلاً عن أن جزءاً من المخطط يشمل استخدام
وكالات الاستخبارات الأمريكية ومتعهدي القطاع الخاص مثل شركة Blackwater لتعقب المليارات التي
غادرت لبنان، إما منذ عقود مضت أو منذ بدأت احتجاجات 17 أكتوبر/تشرين الأول
الماضي.
يشمل المخطط كذلك سياسة
جديدة تتضمن قادةً ذوي سجل مشهود بعدم التورط في عمليات الاختلاس الشاملة السارية
منذ عقود في لبنان.
ويأمل الرجلان أن يلتقيا
وزير الخارجية الفرنسي في باريس خلال الأسبوع الذي يبدأ في 21 سبتمبر/أيلول، وذلك
في نقاش مفتوح وصريح سيضم على الأرجح اثنين من مستشاري ماكرون الرئيسيين.
فرنسية بالكامل
قد يقول النقاد إن خطة
ماكرون المُعدة بالفعل، تشمل كثيراً مما يوجد في مخطط المحامين. وحتى في الجزء
المتعلق بما يريده ماكرون لقطاع الكهرباء تُذكر مولدات توربينات الغاز، الذي يفترض
أنه إذا جعل خطته دولية قدر الإمكان -بما في ذلك انضمام الأمم المتحدة- فلن تُفضل
الشركات الفرنسية بالضرورة.
لكن خطة كوسا-عوفي تفوق ذلك
وتجعل الافتتاحية فرنسية بالكامل. إذ يؤمن كلاهما أن هذا هو الحل لإعادة لبنان إلى
تحقيق الأرباح مجدداً والقضاء على الفساد.
اقرأ أيضاً:
والأمر الذي يجعل
“مخطط ماكرون” خطة حقيقية مُقدمة من الرئيس الفرنسي، وهو ما يعطي دوراً
حتمياً لفرنسا -إن لم يكن جوهرياً- أنه لا يقتصر على تهيئة القطاعات المهمة
للإصلاح الشامل، بل ويشمل كذلك البقاء في الجوار ومراقبتهم.
وتُعد خطة ماكرون الأصلية،
التي سُربت إلى الصحافة، أكثر طموحاً على الصعيد السياسي. إذ إنها تشمل الإشراف
على عدد من المواعيد المهمة ومراجعة حسابات البنك المركزي. إضافة إلى أنها تتطلع
إلى تطبيق قوانين جديدة على الاشتراء العمومي والتمويل العام، وهو ما سيلقى معارضة
عنيدة عندما يتمسك حزب الله بموقفه ويستغل عقوبات الولايات المتحدة ذريعة لرفض
الخطة.
وحتى إذا حدث ذلك، ألا يعرف
ماكرون أن اللبنانيين بارعون في وضع القوانين الجديدة دون تطبيقها؟
ربما يُجبر ماكرون وقتها
على تطبيق نموذج المحامين اللبنانيين، الذي يعتمد على اتخاذ نهج أكثر براجماتية
وواقعية ويتجاوزهم كليةً، بدلاً من إصلاح النخبة الفاسدة الحالية أو القضاء عليها
(وهو أمر شبه مستحيل)، مما يخلق دولة داخل الدولة في قطاعات مهمة تتولى وتتحكم في
الاقتراض من بنوك الولايات المتحدة.
والفكرة ببساطة هي تشجيع
النخبة على ترك شؤون الحكم بحجة أنها لم تعد مربحة وأنه لم يعد هناك ما يمكن نهبه.
وأن تلك القطاعات الجديدة يمكنها جمع الضرائب للمرة الأولى من خلال الأرباح
ويمكنها وضع معيار مرجعي للميناء على سبيل المثال، وغيره من القطاعات التي استنزفت
البلاد أثناء دعمها للمليشيات، بدلاً من تقديم موارد قيمة لخزانة الدولة.
المصدر: TRT عربي