السيسي وذكريات سبتمبر الحزينة
تركيا الحدث
في كل مرةٍ يتحدث فيها الجنرال السيسي عن نيته الرحيل عن حكم مصر يفاجئه المصريون على مواقع التواصل الاجتماعي بمظاهرة إلكترونية واستفتاء شعبي حقيقي على شرعيته.
خرج علينا الجنرال عبد الفتاح السيسي ثلاث مرات هذا الشهر، ليوجه عدداً من الرسائل الغاضبة تجاه أطراف عدة، الأولى كانت كما جرت العادة كل عام مرة أو مرتين يحدِّث المصريين بعدم رغبته في البقاء بالسلطة، وبأنه على استعداد تام للرحيل الفوري لو قال له الشعب المصري: “ارحل”.
الرسالة الثانية كانت للقنوات المصرية المعارضة في الخارج، إذ وجه السيسي إليهم اتهاماً جديداً بالكذب ومحاولة هدم الإنجازات الضخمة التي يحاول تسويقها للشعب، ثم كانت الرسالة الثالثة عندما اتهم السيسي الإسلاميين بأنهم لا يسعون وراء التغيير وإنما يجلبون الدمار إلى البلاد.
في كل مرةٍ يتحدث فيها الجنرال السيسي عن نيته الرحيل عن حكم مصر يفاجئه المصريون على مواقع التواصل الاجتماعي بمظاهرة إلكترونية واستفتاء شعبي حقيقي على شرعيته، فبعد رسالته الأولى التي قال فيها للمصريين: “لو مش عايزيني همشي”، تصدَّر هاشتاج “مش_عايزينك” التريند في موقع التواصل الاجتماعي تويتر لمدة أسبوع كامل، بعدد تغريدات تجاوز مليوناً، كلها تطالب السيسي بالرحيل وتخبره بأن الشعب المصري لم يعد يريده.
بعض رموز المعارضة المصرية استغلوا حالة التفاعل الكبير على هذا الهاشتاج وطالبوا بإطلاق استفتاء إلكتروني على شرعية السيسي، تشرف عليه منظمات دولية مختصة في إدارة مثل هذه الحملات. لكن على الناحية الأخرى، رأى بعض مؤيدي السيسي أن تلك الهاشتاجات ما هي إلا محاولات بائسة من الإخوان المسلمين وأنصارهم من المعارضين لتشويه صورة السيسي التي باتت مستقرة وقوية، حسب زعمهم.
لا يحمل شهر سبتمبر/أيلول ذكريات سعيدة للسيسي وعائلته، ففي العام الماضي كانت مصر على موعد مع قنبلة محمد علي المقاول المصري الذي فضح السيسي وزوجته وابنه محمود، في سلسلة فيديوهات شاهدها ملايين الناس في مصر وخارجها، ظهر السيسي مهزوزاً متوتراً غاضباً ليعترف بكل التهم التي وجهها إليه محمد علي، ثم يشاهد الشعب المصري يدوس صوره بالأحذية في تظاهرات العشرين من سبتمبر/أيلول العام الماضي.
يبدو أن السيسي تعلَّم الدرس مما جرى العام الماضي من حراك داخل المؤسسة الحاكمة في مصر، بالتزامن مع دعوات التظاهر التي أطلقها محمد علي، لم يكد شهر سبتمبر/أيلول يبدأ هذا العام حتى بدأ السيسي ونظامه يكشر عن أنيابه ضد أي محاولات لصناعة خطر آخر.
ولم يكن اعتقال رجل الأعمال المصري المرموق صلاح دياب على خلفية قضية سابقة إلا جرس إنذار للجميع، بأن السيسي هذه المرة لن يسمح أن تحرق صوره في الشوارع أو أن يتحد أعداؤه ضده في وقت واحد.
اعتقال صلاح دياب أعقبه إعادة فتح قضية للفريق أحمد شفيق بعد تسويتها منذ سنوات، وتبين بعد ذلك أن سبب اعتقال دياب وتهديد شفيق كانا بسبب جلسة عشاء في منزل صلاح دياب تطاول فيها الطرفان على السيسي واتهماه بالغباء وبأنه يذهب بالبلاد إلى طريق مسدود،وفقما نشرته صفحة تابعة للفريق سامي عنان على فيسبوك.
في هذا العام، انطلقت تظاهرات كبيرة في محافظات مختلفة لم يكن مصدرها محمد علي، ولم تدعُ لها القنوات المعارضة في الخارج، وإنما جلبها السيسي على نفسه بقراراته المتعلقة بإزالة المنازل التي بنيت من دون ترخيص أو بشكل مخالف.
هنا اصطدم السيسي ونظامه بقطاع واسع من المصريين يطلق عليه مجازاً “المواطن البسيط”، انفجروا ببساطتهم في وجه نظام أراد أن يهدم منازلهم ويدمر حياتهم، وهنا كانت المشكلة الكبرى، هؤلاء لم يتظاهروا لمطالب سياسية أو دعماً لفصيل على الآخر، ولا يعبأ هؤلاء كثيراً بكم معتقل داخل السجون المصرية وكم معارض في المنفى، ولكن كل ما يشغلهم هو ابتعاد السيسي ونظامه عن قوت يومهم وبيوتهم وحياتهم اليومية.
محاولات التقاطع مع هذه المظاهرات بدأت بالفعل من الفنان والمقاول المصري محمد علي، الذي عاد إلى واجهة الأحداث مرة أخرى بعد اعتزاله العمل السياسي في يناير/كانون الثاني الماضي، بعد فشل دعوته الأخيرة للتظاهر ضد السيسي.
محمد علي عاد هذا العام وفي الشهر نفسه، ليدعو المصريين للنزول في اليوم ذاته، 20 سبتمبر/أيلول، في محاولة جديدة لإسقاط النظام،على حد قوله. ولكن المشكلة الحقيقية هذه المرة أن السيسي ليس وحده الذي تعلم الدرس، ولكن المصريين الذي نزلوا في الشوارع العام الماضي محملين بوعود محمد علي بأن الجيش والشرطة سيقفون معهم ضد السيسي فصُدموا، واعتقل أكثر من خمسة آلاف من المتظاهرين لا يزال نحو ألفين منهم داخل السجون.
إن غضباً حقيقياً يتولد ويكبر وينمو ضد السيسي في أطياف مختلفة من الشعب المصري، ولكن المشكلة أنه لا يوجد من يستوعب هذا الغضب، ويستطيع توجيهه بشكل فعال ومؤثر، دعوات التظاهر بالطريقة والأسلوب والوجوه نفسها لم تعد تجدي نفعاً مع نظام كهذا.
جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.
المصدر: TRT عربي