دراسة إسرائيلية تتحدث عن “مصـ.ــ.ـير الأسد” بعد 20 سنة من الحكم
قالت دراسة إسرائيلية صادرة عن “معهد دراسات الأمن القومي” في جامعة تل أبيب، إن النظام الحاكم في سوريا لم يشهد ضعفاً كالوضع الراهن، معتبرة ذلك فرصة كي يقوم العالم بتثبيت الأوضاع السورية، وربما “بدون بشار الأسد”.
وتقول الدراسة الإسرائيلية بعنوان “20 سنة على حكم بشار الأسد… قيمة الرئيس والليرة السورية في حضيض تاريخي”، إن “بشار” بقي في الحكم رغم عقد عاصف ودمـ.ـوي، لكن نظام حكمه بعيد عن أن يكون مستقراً نتيجة أزمة اقتصادية متفاقمة وتداعيات وباء كورونا وتصدعات في العلاقات مع حلفائه، منوهة أن كل ذلك ينطوي على فرصة للمجتمع الدولي لتثبيت أوضاع سوريا المتشظية، ودفعها لمسار مدني وسياسي مستقر وربما بدون الأسد.
وترى الدراسة الإسرائيلية أنه بعد 20 عاماً على انطلاق حكم بشار الأسد، يجد نفسه يواجه تحديات حكم وسيادة خلفتها الحرب غير المنتهية، علاوة على الحـ.ـرب والتـ.ـدمير الذي لحق بالبنى التحتية والوجود الأجنبي على الأرض السورية، وفقدانه السيطرة على شرق البلاد وشمالها خاصة في منطقة إدلب.
وكل ذلك على خلفية أزمة اقتصادية قاسية متزايدة وعقـ.ـوبات أمريكية جديدة واحتجاجات أهلية وتصدعات أولية في العلاقات مع الحلقة القريبة للنظام.
وتشير الدراسة إلى شعارات يطلقها السوريون في مدن سورية مثل “خائن من يجوّع شعبه” و”لا أستطيع التنفس” و”الثورة مستمرة” و”الصحافة السورية كاذبة” و”نريد الحياة” و”سوريا سوريا حرة إيران وروسيا برا ” و”سوريا لنا لا للأسد”.
وتقول الدراسة إنه مع انتهاء في المرحلة القـ.ـتالية الأهم في سوريا، ترتفع التوقعات والمطالب الجماهيرية، معتبرة ذلك من عوارض خلخلة أركان النظام الحاكم ومن عوارض ضـ.ـعف بشار الأسد مقابل التحديات الجمّة التي تواجهه.
جبل العرب:
وفي سياق الحديث عن الأزمة الاقتصادية، تشير الدراسة إلى ما تشهده مدينة السويداء عاصمة جبل العرب ومعقل العرب السوريين الدروز الذين وقفوا إلى جانب بشار الأسد، وتقول إنهم يطالبون في الشهور الأخيرة بتحسين الأوضاع الاقتصادية وشروط الحياة. منوهة إلى أن السكان المحليين في جبل العرب كما في مواقع أخرى في الشرق الأوسط يحتـ.ـجّون على النفـ.ـوذ الإيراني، وينشـ.ـطون ضد النظام الحاكم.
وأشارت الدراسة إلى أنه في خلفية هذه الاحتجاجات، استمرار تدني قيمة الليرة السورية التي وصلت إلى مستويات 3500 ليرة مقابل الدولار الواحد في السوق السوداء، بعدما كانت 47 ليرة مقابل الدولار الواحد قبيل انـ.ـدلاع الثورة، ما يؤدي لإغلاق محال تجارية وغـ.ـلاء المعيشة، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية، فيما يعيش 80% من الشعب السوري تحت خط الفقر، ويزداد الطين السوري بلة بسبب الأزمة في لبنان أيضاً.
وتشير الدراسة الإسرائيلية للعقوبات الأمريكية الثقيلة المعروفة بـ“قانون قيصر” والذي يسميه النظام الحاكم وروسيا بـ“الإرهـ.ـاب الاقتصادي”، وفي نطاقه يتم فرض 39 نوعاً من العقـ.ـوبات.
وتقول الدراسة إنه ضمن مساعي الأسد لمـ.ـواجهة الأزمة، قام الشهر الماضي بإقالة “رئيس الحكومة” عماد خميس، واستبدله بوزير الموارد المائية “حسين عرنوس”، ما يعكس الشعور بالتهديد الذي يساور الأسد نتيجة الاحتجاجات الشعبية المتجددة والأزمة الاقتصادية المتفاقمة، مثلما أنها كانت محاولة لتمرير رسالة بأن “خميس” هو من يتحمل مسؤولية الوضع المتردي أكثر من الأسد نفسه.
وتضيف دراسة معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب: “خـ.ـوف الأسد الأكبر هو تصدعات في علاقاته مع فئات سكانية داعمة له واجتازت عثرات الحـ.ـرب وتبعاتها، لكنها الآن تتعرض لأضرار اقتصادية، وهذا يتجلى في مواقع التواصل الاجتماعي”.
كما تشير الدراسة إلى إنه ورغم صعوبة الاطّلاع على الواقع الحقيقي لعدوى كورونا في سوريا، هناك تقديرات تؤكد تعمق أزمة الثقة بين الشعب والنظام نتيجة انتشار العدوى. وترى أن مصدر هذه الأزمة في الثقة ترتبط بسياسات التحريض الرسمية للنظام ووسائل الإعلام الموالية له وبالعلاج الانتقائي للجائحة، إذ تتواصل رحلات الطيران من إيران المصـ.ـابة بتفشي الفيروس إلى سوريا، والدخول الحرّ لعناصر المليـ.ـشيات الشيعية في ذروة تفشي كورونا.
وتضيف الدراسة: “أظهرت كل هذه الأمور أن المصالح الذاتية والسياسية والعسكرية للأسد تغلب اعتبارات السلامة للسوريين”. وتعتبر أن “تفشياً متسارعاً لكورونا في سوريا من شأنه أن يشكّل حافزاً إضافياً لاحتجاجات شعبية واسعة”.
تصدعات الحلقات القريبة:
وضمن الحديث عن التصدعات بين النظام وبين البطانة الاجتماعية السياسية، تشير الدراسة للصـ.ـراع المتفـ.ـجر بين بشار الأسد وابن خالته رامي مخلوف، الذي يعتبر من أثرياء الفساد بعد حيازته وإدارته لشركة الهواتف الخليوية الأكبر في سوريا “سيرياتل” وأحد أكبر مستوردي النفط ومنتوجات أخرى.
وتستذكر أن مخلوف دعم اقتصادياً وعسكرياً النظام الأسدي الحاكم طيلة سنوات الثورة، وتصدعت العلاقات بينهما بعدما طولب بدفع ثلاثة مليارات دولار، وعندها بدأ النظام باعتـ.ـقال موظفيه وعامليه ومصـ.ـادرة أملاكه.
وتشير لرد مخلوف على ذلك بأشرطة فيديو يسخر فيها من خطوات بشار الأسد ومخابراته التي حظيت بدعمه في الماضي، معتبرة أن هذا الخلاف يعكس التوتر بين بشار الأسد والدائرة المقربة منه، ويعبّر بالأساس عن الضغط الاقتصادي الملازم للنظام اليوم.
التدخل الأجنبي:
وحسب الدراسة الإسرائيلية أيضاً تعكس الاحتجاجات الشعبية من جملة ما تعكسه الغضب من استمرار تدفق وتدخل الأجانب، منوهة لتزايد النفوذ الروسي من خلال إقامة قواعد عسكرية جديدة والاسـ.ـتيلاء على الأرض وعلى السواحل والموانئ السورية.
وترى الدراسة أن تجـ.ـنيد جنود سوريين للقتال في ليبيا إلى جانب قوات حفتر المدعوم من قبل روسيا تعكس طموحها بتحويل سوريا لمركز نشاطها وصـ.ـراعاتها الإقليمية.
وتنوه أنه في خلفية هذه الخـ.ـطوات، تُسمع انتـ.ـقادات متزايدة غير مسبوقة في روسيا، توجه لنظام الأسد ولأدائه، حيث يوصف بشار الأسد بالحاكم الضعيف، معتبرة ذلك محاولة روسية لابتزازه نحو المزيد من الغنائم الاقتصادية وللتـ.ـمهيد لاستبداله. وتتابع: “بكل الأحوال فإن هذه الانتـ.ـقادات وتوقيتها تثقل على وضع الأسد”.
وتشير الدراسة الإسرائيلية لوجود جدل آخر في سوريا حول النفوذ الإيراني الذي يتقلص في الشهور الأخيرة وفق تقارير تنشر في الولايات المتحدة وإسرائيل.
وتضيف: “بصرف النظر إذا كانت إيران تسحب بعض قواتها من سوريا أم لا، فإنه من الواضح أنها تقوم بإعادة تشكيل انتشارها في الأراضي السورية وتجعله علنياً على الأقل وذلك من خلال دمج نشاطها في أجسام عسكرية سورية وتغطية اقتصادية ومدنية لفعالياتها العسكرية وتجنيد ناشطين محليين موالين لها”. منوهة إلى أن خفض صوت النشاط الإيراني في سوريا يخدم نظام الأسد من ناحية تقليص صورته كمجرد دمية إيرانية، ما يقلل ربما الهجـ.ـمات الإسرائيلية، وكذلك موسكو التي ينظر لها المجتمع الدولي كمسؤولة عن كبح جماح النشاط الإيراني.
وتتابع دراسة معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب: “عمليا فإن إيران وروسيا هما من أنقـ.ـذ الأسد من انهـ.ـيار وسقوط نتيجة الثورة، وهما تقلصان قـ.ـدرات سيطرته في كل سوريا، واليوم لا تملكان قدرة حقيـ.ـقية على إنقـ.ـاذه من الأزمة الاقتصادية التي تورطت بها البلاد”.
سوريا “بلا الأسد”؟
وترى الدراسة أيضاً أن تركيا أيضا تشكّل حجر عثرة في طريق الأسد لاستكمال سيـ.ـطرته على الأرض السورية، كونها تسيطر فعلياً على مناطق في الشمال السوري، وتحول دون احتلاله إدلب، وبادرت لاعتماد الليرة التركية فيها لحماية سكانها من انهيار الليرة السورية، وهكذا ضاعفت أنقرة مساسها بصورة الأسد كـ”رئيس حقيقي” يؤدي وظيفته.
وتعتبر الدراسة الإسرائيلية أن ضعف الأسد وهشـ.ـاشة نظامه نافذة فرص جديرة باستغلالها من قبل المجتمع الدولي برئاسة الولايات المتحدة، منوهة لارتكـ.ـاب الأسد جـ.ـرائم حـ.ـرب وتسببه بكـ.ـوارث إنسانية كبيرة، ولتسليم المجتمع الدولي باستمرار حكمه، ولكن في ضوء سلسلة الحـ.ـوادث الأخيرة التي نالت من قوة وهيبة النظام وتراجع الدعم الروسي له لابد من تقييم جديد للسياسات المنتهجة حياله.
وتقول الدراسة إن إسرائيل تدير صـ.ـراعاً ضد تمركز القوات الإيرانية في سوريا، فيما تصعّد الولايات المتحدة عقوباتها الاقتصادية ضد نظام بشار الأسد، معتبرة أن الحلقة المفقودة هنا تتمثل بخطوة دبلوماسية بقيادة واشنطن بدلاً من مبادرات دبلوماسية أخرى ضعيفة فشلت حتى الآن بإنهاء الحرب داخل سوريا، ودفعها لمسار سياسي ومدني وترميمها اقتصادياً.
وتؤكد الدراسة أن مثل هذه الخطوة الدبلوماسية تحتاج تعاوناً وثيقاً بين الولايات المتحدة وروسيا المعنية هي أيضا بإنهاء الحـ.ـرب في سوريا، وتعزيز البلاد وسط استغلال المصالح المشتركة مع تركيا.
وتخلص الدراسة الإسرائيلية للقول إن جدوى هذه الخطوة ستكون من جملة ما تكون تعزيز نظام يقوم أكثر على المساواة والتمثيل، وإقامة انتخابات سورية نزيهة تحت رقابة دولية، ودمج إصلاحات دستورية وتطبيق خطة واسعة لترميم البلاد بدعم إقليمي ودولي.
وتختم بالقول: “في الظروف الراهنة يبدو كل خيار سلطوي آخر في سوريا أفضل من الوضع الراهن ومن المفضل القيام بذلك الآن”.
المصدر : صحيفة القدس العربي