الأهمية المتنامية للعلاقات الجزائرية التركية
[ad_1]
تبدي كل من الجزائر وتركيا حرصاً متزايداً على بناء علاقة تعود بالفائدة على الطرفين، إلا أن التحديات لا تزال قائمة.
أدت حالة عدم الاستقرار التي
تشهدها منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما التي تشهدها ليبيا، علاوة على رغبة متبادلة
في توسيع نطاق الروابط السياسية والاقتصادية، إلى تقارب الجزائر وتركيا.
وفي هذا الإطار، استقبل وزير
الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو نظيره الجزائري صبري بوقادوم في أنقرة، في وقت سابق من الأسبوع الفائت، واصفاً إياه
بـ”أخي”، في مؤشرٍ إلى دفء العلاقات بين الجانبين.
ومع ذلك فلا يزال تعميق
العلاقات بين البلدين مسألة حديثة نسبياً.
وفي هذا السياق، تمثل “اتفاقية الصداقة والتعاون” التي وقعها الجانبان
في عام 2006 في الجزائر، في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية الحالية، إحدى أولى
المحاولات التي قامت بها أنقرة لإعادة ضبط علاقاتها مع دول شمال إفريقيا.
وتعليقاً على ذلك يقول
البروفيسور التركي إسماعيل نعمان تيلسي، من قسم العلاقات الدولية في جامعة سكاريا:
“في الماضي كانت تركيا تركز أكثر على العلاقات مع الغرب”.
ويذهب تيلسي في حديثه لموقع TRT إلى أن التحول الذي عمدت
إليه أنقرة فيما يتعلق بإعطاء الأولوية لجوارِها المباشر، خاصة في منطقة الشرق
الأوسط، يمكن وصفه بأنه “تحولٌ جذري فيما يتعلق بوجهة السياسة الخارجية
لتركيا”.
وأضاف تيلسي أنه إلى جانب
قيام تركيا بتوسيع نطاق علاقاتها مع المغرب وتونس وليبيا، فإنها “أولت
الجزائر اهتماماً خاصاً”.
تعميق العلاقات
في عام
2013 رافق الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي كان رئيساً للوزراء حينها، وفدا مكوناً من200 من رجال الأعمال الأتراك
في جولة إلى الجزائر والمغرب وتونس سعياً للارتقاء بمستوى العلاقات مع تلك
البلدان.
وكان ذلك أيضاً مؤشراً إلى
ثقة تركيا المتزايدة بقدرتها على إعادة الانسجام إلى علاقاتها مع جيرانها
التاريخيين الذين أهملتهم في السابق، وخلق فرصٍ يربح منها الجانبان.
ومنذ ذلك الحين قام الرئيس
أردوغان بثلاث زيارات أخرى، كانت أُخراها في يناير/كانون الثاني 2020، بعد تنحي الرئيس السابق عبد
العزيز بوتفليقة في أبريل/نيسان 2019.
اقرأ أيضاً:
الرئيس الجزائري الجديد عبد
المجيد تبون، وهو يبلغ من العمر 74 عاماً، كان موجوداً في أروقة الحكم منذ زمن
طويل، ويعتبر رجلاً من الداخل، ومن ثم فقد ضمِنَ درجةً من الاستمرارية فيما يتعلق
بتنامي العلاقات بين البلدين.
وتبعاً لذلك، عندما طلب تبون في أغسطس/آب إعادة مسؤول عسكري سابق كان قد أفشى معلومات شديدة
السرية ثم هرب إلى تركيا، توقف الأمر على مكالمة شخصية بين الزعيمين للتوصل إلى حل
سريع للقضية.
يقول تيلسي إن القوة
الاقتصادية والعسكرية المتنامية لتركيا على مدى العقدين الماضيين قد أسهمت أيضاً
في تعديل الحسابات السياسية للجزائر فيما يتعلق برؤيتها للعلاقات بين البلدين.
وأضاف تيلسي أنه مع تضاؤل
نفوذ فرنسا الإقليمي، تتطلع الجزائر أيضاً إلى تنويع علاقاتها الدولية. وقد تبلور
هذا بدرجة متزايدة في العلاقات الاقتصادية المتنامية بين الجزائر وتركيا.
إذ نمت استثمارات تركيا في
الجزائر إلى أكثر من 3.5 مليار دولار في السنوات الأخيرة. ومع الخبرة التركية في
البناء وقطاع التصنيع المتطور، يبدو أن هناك فرصاً مشتركة لمزيد من التعاون بين
كلا الجانبين.
في حين يقول تيلسي: إن
“أحد الأسباب الرئيسية لبطء وتيرة الجزائر فيما يتعلق بالتحديث والتحرير
الاقتصادي والتنمية” يمكن أن يُعزى، في جزء كبير منه، إلى إرث الاستعمار
الفرنسي في البلاد.
وأضاف تيلسي: “في هذا
الصدد، تعتبر القيادة الجزائرية تركيا شريكاً استراتيجياً يمكن أن تستفيد عبره
الجزائر من تجربة أنقرة. كما ترى الجزائر أن تحالفاً قوياً مع تركيا يمكن أن يساعد
الحكومة في تعزيز إمكاناتها الاقتصادية”.
وأنقرة، من جانبها، تبادل
الجزائر الشعورَ نفسه، إذ يعمل الجانبان الآن على إنشاء مجلس تعاون رفيع المستوى بين تركيا والجزائر، وهو الأمر الذي من المقرر
أن يشهد زيادة تواتر الاجتماعات الوزارية بين البلدين.
الفرص الاجتماعية والسياسية
ومع ذلك يحذر تيلسي من
إمكانية ظهور تحديات لمساعي تعميق العلاقة بين الجانبين.
ففي الماضي لطالما تمتعت
باريس بعلاقة متميزة مع الجزائر على الرغم من تسبُّب فرنسا في مقتل مئات الآلاف من
الجزائريين في حرب الاستقلال الجزائرية.
ويقول تيلسي إن فرنسا، التي
اتبعت نهجاً متشدداً حيال خطوات تركيا بشأن ليبيا وشرق البحر المتوسط، من غير
المرجح أن “تدعم تعميق العلاقات بين أنقرة والجزائر”، حتى إنها قد ترى
في “جزائر قوية تهديداً لسياساتها الإقليمية”.
غير أنه على الجانب الآخر،
فإن الشراكة المتزايدة بين الجزائر وتركيا تنهل من تاريخ مشترك يعود إلى العهد
العثماني، وهو الشيء الذي ألمح إليه أردوغان في الماضي.
وأصبحت الجزائر تابعة
للإمبراطورية العثمانية بعد جهود اضطلع بها الأميرال البحري العثماني خير الدين
بربروس باشا، الذي تعهد بالولاء للدولة العثمانية. بالإضافة إلى ذلك، أنه في المدة
ما بين عامي 1519 و1830، كانت الجزائر تعتبر جزءاً من المناطق التابعة للسلطنة
العثمانية، قبل أن يغزو الفرنسيون البلاد ويستعمروها.
اقرأ أيضاً:
تركيا
والخليج.. العمق التاريخي وإرادة التعاون يغلبان معسكر “قمع الشعوب”
إذا عدنا سريعاً إلى الأوضاع
اليوم، سيتبين لنا أن البلدين يحاولان إقامة علاقة تناسب القرن الحادي والعشرين،
ويمكن أن يكون للتغيير الاجتماعي والسياسي الأخير تأثير إيجابي في العلاقات بين
البلدين.
إذ لم يضر الحراك الجزائري،
الذي أدى إلى تنحي بوتفليقة وما صاحبه من احتجاجات واسعة النطاق في جميع أنحاء
البلاد، بثقة تركيا وعملها الحثيث على تعميق روابطها مع البلاد.
وفيما يتعلق بذلك يقول عبد
النور التومي، خبير دراسات شمال إفريقيا في مركز دراسات الشرق الأوسط بأنقرة، إن
المتظاهرين في الحراك أبدوا مشاعر إيجابية فيما يتعلق بتركيا، باعتبارها مثالاً
لبلد يستحق الاقتداء به.
من جهة أخرى، فإن أكثر من 70%
من سكان الجزائر هم دون سن الثلاثين، ومع ذلك فلم يشهد سوى القليل منهم استفادة أو
مكاسب من ثروة البلاد الهائلة من النفط والغاز، وبعضهم الآخر غير راضٍ من الأصل عن
حكومة تبون الجديدة.
إضافة إلى ذلك، يقول التومي
في حديثه لـTRT ، إنه على الرغم من أن المجتمع الجزائري يسعى بجد إلى رسم طريق
جديد للمضي قدماً، فإن الموقف الجيوسياسي للبلاد أبعد ما يكون عن الاستقرار
واليقين. ومع استمرار حالة التمرد في مالي، والحرب الأهلية في ليبيا، فإن
“التقارب التركي الجزائري يمثل فرصة” للجانبين.
وكانت الجزائر قد تجنبت لفترة
طويلة أن يكون لها دور علني في ليبيا، مفضلةً أن تكون في الخلفية. غير أن هناك
مؤشرات إلى أن الحكومة الجديدة تريد اتباع نهجٍ أكثر نشاطاً وتفاعلاً مع الأوضاع
في ليبيا، وهو ما مالت فيه أيضاً إلى موقف تركيا.
يقول التومي: “اليوم كلا
البلدين لديه مصلحة مشتركة في ليبيا، فالجزائر محاصرة من جهة أمنها القومي، وعليها
حماية حدودها، وقد امتد هذا مؤخراً وبات لا يقتصر على الجانب الشرقي، وإنما على
الحدود الجنوبية أيضاً”.
وبالمثل تحتاج تركيا إلى حليف
إقليمي قوي ومستقر مثل الجزائر، وهو احتمال يجعل “فرنسا وبعض الدول العربية
المتدخلة في ليبيا متوترة بشدة” حيال تحسن العلاقات بين البلدين، بحسب
التومي.
المصدر: TRT عربي
[ad_2]
المصدر