فيضانات السودان تعمّق الأزمة الاقتصادية وترفع نسبة الفقر
تركيا الحدث
في الوقت الذي لم يتجاوز فيه السودان بعدُ تداعيات جائحة كورونا التي تسببت في تعميق الأزمة الاقتصادية، يعيش السودان على وقع أزمة جديدة تسببت فيها فيضانات وسيول النيل الأزرق.
في الوقت الذي لم يتجاوز فيه السودان بعدُ تداعيات جائحة كورونا التي
تسببت في تعميق الأزمة الاقتصادية من خلال تراجع الجنيه السوداني أمام الدولار
بشكل غير مسبوق وارتفاع الأسعار، فضلاً عن تضرر الأسر من الإغلاق الشامل لعدد من
الولايات، يعيش السودان على وقع أزمة جديدة تسببت فيها فيضانات وسيول النيل الأزرق
الذي وفقاً لوزارة الري والموارد المائية لم يصل إلى هذا المستوى منذ بدء رصد
منسوب مياهه عام 1902.
ويعيش معظم ولايات السودان أوضاعاً كارثية بعد أن زاد عدد ضحايا
الفيضانات التي تشهدها البلاد على 100 قتيل، كما نتج عنها إصابة 46 شخصاً، وتشريد
آلاف السكان، نتيجة لانهيار أكثر من 100 ألف منزل، 24 ألفاً و582 منها انهارت بشكل
كلي، و40 ألفاً و415 منزلاً تعرضت للانهيار الجزئي، إضافة إلى تضرر 179 مرفقاً،
و354 من المتاجر والمخازن، ما تسبب بأضرار لأكثر من نصف مليون سوداني بأضرار
متفاوتة، الأمر الذي فرض على مجلس الأمن والدفاع السوداني اتخاذ قرار باعتبار
البلاد كلها منطقة كوارث طبيعية، وبالتالي أعلنت حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر.
ورغم أن السيول والفيضانات في فصل الخريف في السودان حدث تشهده البلاد
سنوياً تقريباً، فإن فيضانات هذه السنة هي الكبرى والأشدّ ضرراً، فقد سُجّل أعلى
مستوى للنيل بـ17.62 متر، إذ وصل الفيضان إلى مناطق لم تصل إليها مياه النهر من
قبل، وما زالت مناطق أخرى في مجرى النيل مهدَّدة، مع تواصل ارتفاع منسوب المياه،
فضلاً عن التساقطات القوية التي تشهدها البلاد هذه الأيام.
ولم تكن فيضانات هذه السنة هي الأولى في السودان، إذ عرف السودان
عدداً من الفيضانات في أعوام مختلفة تضاهي هذه الأخيرة في حجم خسائرها، إذ كان
يُعتبر فيضان 1946 أكثر الفيضانات التي نُقشت في ذاكرة السودانية ولم يشهد السودان
فيضاناً مماثلاً له إلا في سنة 1988، وهو الذي أودى بحياة 76 قتيلاً، كما خلّف
مئات الجرحى، بالإضافة إلى خسائر مادية كبيرة.
أمطار هضبة إثيوبيا هي السبب
فيما كانت توجه الأنظار إلى سد النهضة كسبب رئيسي في فيضانات السودان،
التي خلفت كارثة إنسانية، خرج وزير الري والموارد المائية السوداني ياسر عباس
ليكشف عن أن”غزارة الأمطار في
الهضبة الإثيوبية هي السبب الأساسي للفيضانات”، متوقعاً “أن لا تحدث
فيضانات في السودان بعد اكتمال تشييد سدّ النهضة الإثيوبي”، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء السودانية.
اقرأ أيضاً:
جدل
الاستجابة في كارثتَي لبنان والسودان.. “عنصرية” أم “ترتيبات
لوجستية”؟
الأمر نفسه أكّده الدكتور إبراهيم الأمين، نائب رئيس حزب الأمة
القومي، الذي قال في حديثه لـTRT عربي، إن فيضانات هذه السنة تعود إلى كميات الأمطار العالية جداً
التي تساقطت في الهضبة الإثيوبية، والتي تشكل 85 في المئة من الموارد المائية
للنيل، وأضاف أنه “في السابق كان الناس يستفيدون من الفيضانات من خلال
التخزين في السدود وغمر الأراضي الزراعية بالمياه في فصل الصيف”، غير أنه
للأسف -يقول الدكتور الأمين- فإن أكبر سد في السودان طاقته الاستيعابية تتراوح بين
3 و5 مليارات متر مكعب، في حين أن سد النهضة مثلاً ستكون طاقته الاستيعابية 74
مليار متر مكعب.
وفضلاً عن غزارة الأمطار في هضبة إثيوبيا لهذه السنة، أوضح نائب
رئيس حزب الأمة القومي أن عاملاً ثانياً كان سبباً في الأضرار الكبيرة التي تسبب
فيها الفيضانات، وهو المتمثل في تشييد المساكن بالقرب من ضفتي نهر النيل، وفي
مناطق معرضة لتجمع المياه في أثناء فترات الفيضانات، وهي ظاهرة حديثة وفقاً
للدكتور الأمين، الذي يؤكد أن بعض المساكن شُيّدت بالقرب من مجاري الأنهار دون رخص
قانونية للبناء، وعندما حصل الفيضان غطى مناطق سكنية أكبر وتسبب في خسائر فادحة.
ويتوقع الدكتور إبراهيم الأمين أن تتراجع الفيضانات مستقبلاً بعد
اكتمال سد النهضة، مشيراً إلى أنه لسوء الحظ لم يجرِ الاستعداد الكافي هذه السنة
لحماية المناطق التي كان متوقعاً أن يضربها الفيضان.
ارتفاع نسبة الفقر
وإذا كانت نسبة الفقر حسب إحصائيات وزارة المالية تصل إلى 65 في
المئة من السودانيين، فإن من المتوقع أن ترتفع هذه النسبة بسبب تضرُّر أكثر من نصف
مليون سوداني جراء الفيضانات، وهو الأمر الذي أكدهعز الدين الصافي المفوض العامّ لمفوضية الأمان
الاجتماعي والتكافل وخفض الفقر في حديثه لـTRT، قائلاً: “للأسف كثير من السودانيين سيزدادون فقراً، وهذا ما نتخوف منه، إذ
إن الأضرار التي خلفتها الفيضانات ترجع بالمواطن إلى وضعية الفقر، بعدما كان قد
شيّد منزلاً له ولديه مخزون من الموادّ الأساسية يعيش عليه”، وأوضح الصافي أن
“مفوضية الأمان الاجتماعي تعمل حالياً على تقديم مساعدات نقدية للمتضررين بعد
حصرهم”.
ووفقاً لما قاله الصافي فإن الحكومة السودانية ركزت جهودها خلال
هذه المرحلة لإنقاذ حياة الناس، وتوفير الغذاء والدواء والمسكن المؤقت للمتضررين،
وبعد انتهاء عملية الإغاثة ستتبعها مرحلة إعادة الإعمار، إذ ستضع الحكومة مخططاً
لمساعدة المواطنين على إعادة إعمار بيوتهم.
ويعيش المتضررون من الفيضانات على المساعدات التي تقدمها وزارةالعمل
والتنمية الاجتماعية وباقي شركائها من منظمات دولية ومحلية، إذ شكلت الوزارة لجنة
عُليا لدرء ومعالجة آثار السيول والفيضانات، وحسب ما كشف عنهالمفوض العام لمفوضية
الأمان الاجتماعي والتكافل وخفض الفقر، فقد قُدم أكثر من 14 ألفاً و680 سلة غذاء
وأكثر من 6000 وجبة غذائية وأكثر من عشرات الآلاف من مستلزمات الإيواء، كما استفاد
أكثر من 23 ألف أسرة من مواد غذائية ودواء ومستلزمات الإيواء في كل من ولايات
الخرطوم والنيل الأزرق وكسلا والنيل الأبيض، بالإضافة إلى ولاية البحر الأحمر
والجزيرة وسنّار وولاية كردفان، فيما تعمل الوزارة على الوصول إلى الولايات الأربع
المتبقية، ومن المنتظر أن ترسل إليهم مستلزمات الإيواء والغذاء والدواء في الساعات
القليلة المقبلة.
تفاقم الأزمة الاقتصادية
يعاني الاقتصاد السوداني منذ أعوام من أزمة خانقة، تحديداً منذ لحظة انفصال جنوب
السودان في عام 2011، وما سبّبه من فقدان البلاد جزءاً كبيراً من صادرات النفط
مثّل لوقت طويل المصدر الرئيسي لخزينة الدولة من النقد الأجنبي، هذه الأزمة تفاقمت
بسبب تداعيات فيروس كورونا، غير أن الفيضانات التي ضربت 14 ولاية سودانية فاقمت
سوء الأوضاع الاقتصادية في السودان.
الخبير الاقتصادي محمد خير حسن في تصريحه لـTRT، اعتبر أن الفيضانات كان لها تأثير كارثي في كل جوانب النشاط
الاقتصادي والزراعي السوداني، إذ إن مئات الأراضي الزراعية غُمرت بالمياه بسبب
الفيضان الذي سيؤثر مباشرةً على الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي، ثم إن كثيراً من
الأسر فقد المأوى، مما سيؤثرسلباً على استقرارها وعلى نشاطها الاقتصادي.
وأوضح أن الكارثة الطبيعية ستؤثر على معاش الناس وتزيده تدهوراً،
إذ سترفع نسبة الفقر وخفض الإنتاجية والدخل القومي، مشيراً إلى أنه “بسبب
الفيضانات انقطعت الطرق بين الخرطوم وعدد من الولايات، مما جعل عدداً من الأنشطة
الاقتصادية المرتبطة بالمركز تتوقف”.
بدوره يرى الدكتور إبراهيم الأمين، أن “الفيضانات لها تأثير
سلبي في الاقتصاد السوداني، نتيجة لتسببها في تدمير مزارع كثيرة خصوصاً مزارع
المحاصيل الموسمية، وتسببها في تدمير قرى يسكنها أشخاص إمكانياتهم المادية محدودة
ولن يستطيعوا تعويض ما فقدوه”، مشدداً على ضرورة تدخُّل الدولة لتقديم
مساعدات عاجلة، فضلاً عن ضرورة تخطيط مناطق سكنية بعيدة عن النيل لإسكان الأسر
التي دمّر الفيضان مساكنها.
المصدر: TRT عربي