استراتيجية “منظمات المعبد” في استهداف الأقصى منذ بداية عام 2020
تركيا الحدث
يتعرض المسجد الأقصى لموجة اعتداءات متصاعدة، ويتحول عبر السنوات إلى أبرز ميادين الصراع مع الاحتلال في مدينة القدس المحتلة، إذ يتعرض المسجد لمحاولة زرع الوجود اليهودي داخله بشكلٍ دائم، والتدخل المتزايد في إدارة الأقصى وعرقلة عمارته.
يحدُث كل هذا في سياق إحداث تغيير في ما يُعرف بالوضع القائم، وتحويل التقسيم المكاني
إلى حقيقة على أرض الواقع، وهو ما يظهر من خلال ما تقوم به أذرع الاحتلال
الإسرائيلي من ممارسات واعتداءات شمل مكون الأقصى البشريّ، ودائرة الأوقاف
الإسلامية الجهة المشرفة على شؤونه.
ولا شك في أن “منظمات المعبد” هي أبرز أذرع الاحتلال التي
تنشط في اقتحام الأقصى بشكلٍ شبه يومي، وتسهم في تنفيذ الصلوات التلمودية داخل
المسجد، وتتضافر جهودها مع أذرع الاحتلال الأخرى، في محاولة تثبيت واقعٍ جديد في
الأقصى، ومنذ بداية عام 2020 تابعت هذه المنظمات استهدافها للمسجد، وأظهرت اعتداءاتها
ملامح استراتيجيتها في استهداف الأقصى، فلم تعُد تهدف إلى إدخال أكبر عددٍ ممكن من
المستوطنين فقط، بل تسخر مختلف المناسبات والأدوات لتحقق مكاسب أخرى في مختلف
جوانب استهداف الأقصى والوضع القائم. وفي ما يأتي أبرز ملامح هذه الاستراتيجية:
1.
اختراق بنية الاحتلال
الأمنية
بدأت “منظمات المعبد” محاولاتها لإحداث اختراقات في بنية
أجهزة الاحتلال الأمنية، وتشديد الخناق على المسجد، ففي أواخر عام 2019، دعت هذه
المنظمات أنصارها إلى شغل عددٍ من الوظائف التي أعلنت عنها شرطة الاحتلال، وهي
خاصة بـ”مستكشفين” في الأقصى.
وتقضي مهمة هؤلاء مرافقة المقتحمين والسياح، وتولي مهمة الإرشاد السياحي، على أن يدخل “المستكشفون” إلى الخدمة في بداية عام 2020، وتحديداً في شهر مارس/آذار، ما يبرز سعي هذه المنظمات إلى الدخول بشكل أكبر في بنية شرطة الاحتلال، لتحقيق مزيد من أهدافها، ورفع التنسيق بينهما، إضافةً إلى أن “المستكشفين” لديهم أكبر قدر من التواصل مع “السياح”، ما يسمح لهذه المنظمات بنشر روايتها المكذوبة عن “المعبد” بين أعدادٍ كبيرة منهم، لا سيما أنهم يدخلون من بوابة الاحتلال وتحت أجنداته.
2.
الاستفادة من المناسبات
اليهوديّة
جرت عادة هذه المنظمات على جذب المستوطنين لاقتحام المسجد بالتزامن
مع المناسبات اليهودية ذات الطابع الديني فقط، ولكنها منذ عام 2019 عملت على تحويل
أي مناسبة يهوديّة إلى موسم لاقتحام الأقصى، ففي 10/2/2020 كثّفت هذه المنظمات
دعواتها إلى تنظيم اقتحامات واسعة للأقصى، بالتزامن مع ما يُسمّى “يوم الشجرة
العبري”، إضافةً إلى تنظيم برنامج احتفالي موحّد، وأشار مراقبون إلى أن هذه
المناسبة لم تُستخدم سابقاً لحشد المستوطنين لاقتحام الأقصى، فهي مناسبة تؤرّخ
لبدء الموسم الزراعي بالتقويم العبري، وفيه “يحتفل اليهود بالشجرة وزراعتها
وتقديم بكور الثمار”. ولكن مساعي هذه المنظمات باءت بالفشل، فلم يقتحم الأقصى
في 10/2/2020 سوى 79 مستوطناً.
3.
محاولة الاستفادة من وباء
كورونا
حاولت هذه المنظمات الاستفادة من انتشار وباء كورونا في الأراضي
الفلسطينية المحتلة خلال أشهر عام 2020، وقد أظهر الرصد رفع الاحتلال مستوى تدخله
في المسجد الأقصى، من بوابة الإجراءات الصحية والوقائية، فعلى أثر منع الاحتلال
التجمع لأكثر من 100 شخص، دعت “منظمات المعبد” إلى حظر مبادرة
“الفجر العظيم” مدعية أنها من أسباب انتشار الوباء في القدس.
اقرأ أيضاً:
ومع تصاعد أعداد المصابين أعلن مجلس الأوقاف في 22/3/2020 إغلاق
الأقصى بشكلٍ كامل، واقتصار أداء الصلوات داخله على موظفي الأوقاف وحراس المسجد،
واستمر إغلاق الأقصى حتى تاريخ 19/5/2020، ففيه أعلن مجلس الأوقاف إعادة فتح أبواب
الأقصى، ودخول المصلين إلى المسجد بعد عيد الفطر في 30/5/2020.
وعلى أثر هذه القرارات منعت سلطات الاحتلال المستوطنين من اقتحامه،
ما دفع عدداً منهم في 24/4/2020 إلى التظاهر أمام باب المغاربة، مطالبين بفتح
الأقصى أمام اقتحاماتهم. ورفعت سقف مطالبها لاحقاً، فقد أعلنت “منظمات
المعبد” عن تحضيرها لاقتحام المسجد في 29 من شهر رمضان، بمناسبة ذكرى
“توحيد القدس”، التي توافق 22/5/2020، وقد بدأت هذه المنظمات تحضيراتها
للاقتحام مبكراً، إذ قدمت عريضة للمحكمة الإسرائيلية العليا تطالب فيها بفتح
الأقصى أمام الاقتحام، ووقف “التمييز الحاصل ضد اليهود”، على خلفية
منعهم من الاقتحام، وقدم العريضة كل من أرنون سيغال ويهودا عتصيون ومحامي المنظمات
إيتيمار بن جفير، وجاء فيها أن “إغلاق الأقصى في وجه اليهود والسماح لموظفي
الأوقاف الإسلامية بأداء الصلاة فيه يُعَدّ تمييزاً ضد ّاليهود”.
وفي محاولة لاستقطاب الرأي العام الإسرائيلي، وجذب مقتحمين للأقصى في
ظل تفشي الوباء، أعلنت هذه المنظمات عن فتحها باب تسجيل أسماء الراغبين باقتحام
الأقصى بشكلٍ مسبق، على أن تصل إلى المشاركين رسائل نصية بموافقة سلطات الاحتلال
على الاقتحام. وأشارت مصادر صحفية إلى وجود اتفاق بين الأردن ودولة الاحتلال، منعت
الأخيرة بموجبه اقتحام المستوطنين للأقصى في 29 رمضان، وقضى الاتفاق بمنع
الاقتحامات طوال فترة إغلاق الأقصى بسبب كورونا.
4. استهداف الوضع القائم
ومع خلوّ الأقصى لنحو 70 يوماً من المقتحمين، شهد شهر يوليو/تموز
جملة من الاعتداءات التي استهدفت الوضع القائم، وعملت على تكريس واقعٍ جديد في
الاقتحامات، من حيث الاعتداءات التي تجري خلالها، أو من حيث شكل هذه الاقتحامات،
ففي 13/7/2020 شارك في اقتحام الأقصى 40 حاخاماً من بينهم “رئيس معهد
المعبد” الحاخام المتطرف “يسرائيل إرائيل”. وفي 16/7/2020 كثفت هذه
المنظمات دعمها لقرارات الاحتلال القاضية بإغلاق مصلى باب الرحمة، والمشاركة في
اقتحامات ذكرى “خراب المعبد”، إذ خططت لتنفيذ اقتحامات كبيرة للأقصى في
يوم عرفة، في محاولة لتكريس الاقتحامات في الأعياد والمناسبات الإسلامية أمراً
واقعاً.
اقرأ أيضاً:
وشهد اقتحام يوم عرفة جملة من هذه الاعتداءات، ففي 30/7/2020 اقتحم
الأقصى نحو 1100 مستوطنٍ، بالتزامن مع ذكرى “خراب المبعد”، وخلاله رفع
أحد المستوطنين علم الاحتلال داخل الأقصى، بحماية الشرطة الإسرائيليّة. وشهد
المسجد للمرة الأولى أداء مجموعة من المتطرفين ما يسمى “السجود
الملحمي”، وهي من الصلوات التلموديّة التي يقوم بها المستوطنون عادة أمام
أبواب المسجد، وأشارت معلومات مقدسية إلى أن المتطرفين الذين أدوا
“السجود” ينتمون إلى حركة “العودة إلى جبل المعبد”. وخلال
الاقتحام قدمت مجموعات من المستوطنين شروحات تلمودية عن “المعبد”،
وقاموا بتصرفات استفزازية تجاه المصلين، إذ جلس مستوطنون على المصاطب وأماكن
مختلفة في المسجد، وشرب بعضهم المياه من داخل الساحات. ولم تقتصر المشاركة على
المتطرفين والحاخامات، بل شارك في الاقتحام عضو الكنيست أميت هليفي.
5. إطلاق حملات التمويل
شكلت اقتحامات يوم عرفة فرصة لـ”منظمات المعبد” لتأمين
تمويل أعمالها، فبالتزامن مع دعوات الاقتحام السالفة، أطلقت هذه المنظمات حملة
لتمويل أنشطتها واقتحاماتها، تحت عنوان “ماراثون تمويل”، وركزت نشاطها
على التمويل الإلكتروني، وأشارت المعطيات إلى أن “مدرسة جبل المعبد”،
و”منظمة طلاب لأجل المعبد”، و”مؤسسة سلام القدس”،
و”منظمة نساء لأجل المعبد”، دشنت حملات تمويل إلكترونية لجمع التبرعات
من جمهور المستوطنين، بهدف توفير مصاريف اقتحاماتها للأقصى، على مدار العام
المقبل، ولتغطية رواتب العاملين الإداريين والمقتحمين المتفرغين.
ختاماً، تشكل هذه النقاط الخمس صورة مجملة لاستراتيجية “منظمات
المعبد” منذ بداية هذا العام، فلم يعد حشد الأعداد هو الهدف الوحيد لها، بل
تعمل على تثبيت وجود مستوطنيها داخل الأقصى بأي شكلٍ كان، مع ما يرافق هذا الوجود
من تدنيس للأقصى، وأداء الصلوات التلمودية العلنية، وما يتصل بذلك من استهداف
للمكون البشري، وإبعاد للحراس والمرابطين، وتدخل في دائرة الأوقاف، لتشكل مجتمعة
مشهدية تهويد المسجد المبارك، ما ينفي مقولة “الخطر قادم”، بل الخطر واقع،
ويجب استدراكه بأسرع وقتٍ ممكن، مع حشد لمختلف إمكانيات الأطراف الفاعلة.
المصدر: TRT عربي