حين تحكمنا الخوارزميات.. قصة ربط الدماغ البشري بالحواسيب
تركيا الحدث
رأى البعض فيها صورةً سوداويةً تنذر بنهاية الإنسان الذي نعرفه، وانتهاء سطوتهِ على من سواه، وتُعلِن عن ولادة جيلٍ تكون الحواسيب وَالروبوتات هي الآمر الناهي. تلك هي أبحاث ربط الدماغ البشري بالكمبيوتر، فما قصتها؟
هُنالك داخل أروقة شركة
في سان فرانسيسكو تدور أحداث أغرب قصة قد سمعها البشر.
وصفها العلماء
بـ”الجنون”، وانقسم الناس من حولها إلى مؤيدٍ مُتحمِّس، أو خائفٍ يترقب،
وآخرين من دونهم يرون استحالة حدوثها.
رأى البعض فيها صورةً
سوداويةً تنذر بنهاية الإنسان الذي نعرفه، وانتهاء سطوتهِ على من سواه، وتُعلِن عن
ولادة جيلٍ تكون الحواسيب وَالروبوتات هي الآمر الناهي.
تلك هي أبحاث ربط الدماغ
البشري بالكمبيوتر، فما قصتها؟
البداية كانت بتأسيس شركة
“Neuralink“
في يوليو/تموز من عام
2016 أعلن الملياردير الأمريكي “Elon Musk”
(إيلون موسك) عن تأسيسه لشركة “Neuralink” (نيورالينك)، ووضح
“موسك” أن هدف الشركة هو تطوير “الواجهات الحوسبية” الداعمة
للعقل البشري.
ظنّ البعض أنّ عمل الشركة
هو استمرار لعمل الشركات السابقة التي تسعى لتطوير عمل الدماغ، أو إعادة تنشيط
الأجزاء المتضررة من خلاياه، عبر ما يعرف بتقنية “التحفيز الكهربائي”.
لكن لم يتوقع أشدّ
الحالمين أن طموح موسك هو ربط الدماغ البشري بالحواسيب من خلال زرع رقاقة فيه،
أطلق على تلك العملية “BRAIN COMPUTER INTERFACE” (واجهات الدماغ-الكمبيوتر) أو ما يعرف اختصاراً بـ”BCI“.
كيف تعمل واجهات
الدماغ-الكمبيوتر؟
ما يعلمه معظم الناس عن
هذه الواجهات هو اسمها فقط، وهو ربط الدماغ البشري بالحاسوب، لكن الأمر ليس بهذه
البساطة، فقبل الحديث عن الواجهات واستخداماتها نوجز بعض الشيء عن الآلية التي
تعمل بها، إذ تمر تلك العملية بمراحل متعددة، وهي باختصار:
اقرأ أيضاً:
اكتشاف الإشارة: يقصد بها استخدام أحد الأجهزة المخصصة لقياس نشاط كهربية الدماغ
لتسجيل نشاط معين للدماغ.
معالجة الإشارة: وهي رفع الضوضاء الحاصلة في الإشارة لأنه يحصل تداخل في إشارات بعض
الأجزاء، على سبيل المثال قد تؤدي حركة العين وبلع الريق وأي فعل آخر إلى إنتاج
إشارات تسبب مقداراً من الضوضاء.
تحويل الإشارة: وهو تضخيم الإشارات إلى قدر معين تستطيع الأجهزة
التعامل معه.
المرحلة الأخيرة: وهي مرحلة الترميز، ويقصد بها ترميز الإشارة وتحويلها إلى نبضات أو
أرقام يستطيع الحاسوب فهمها.
هذا من ناحية مبدأ عمل
“BCI“، أما كيف سيتم وضع
الشريحة في الدماغ، فهذه بمفردها قصة.
“نيورالينك”
ولأجل تحقيق أهدافها، استعانت بكوكبة من العقول اللامعة، متخصصين بجراحة الأعصاب،
وآخرين في البرمجة وهندسة الروبوتات، وكانت المهمة الأولى هي كيف سيتم وضع الشريحة
في الدماغ البشري؟
توّصل العلماء إلى قناعة
أن استخدام الروبوتات في نوع كهذا من العمليات يُعدُّ خياراً مفضلاً، خاصّةً أنّ
العملية تتم في أعقد مكان في جسم الإنسان وهو الدماغ.
وكما ورد في ورقة “Neuralink” المنشورة على موقع الشركة “لقد صنعنا روبوتاً خاصاً
للجراحة العصبية قادراً على زرع (192 قطباً كهربائياً) في الدقيقة، يمكن إدخال كل
قطب على حدة في الدماغ بدقة متناهية لتجنب إصابة الأوعية الدموية السطحية، وسيتم
استهداف مناطق معينة من الدماغ من خلال الشريحة”.
وفي الحدث الذي انتظره
الجميع والذي جرى في 28 أغسطس/آب الماضي، وهو إصدار للشركة يثبت صحة كلامها بعد 4
سنوات من تأسيس الشركة، قال إيلون موسك عقب إظهار مقطع فيديو يظهر فيه خنزير قد تم
زراعة شريحة برأسه: “سيكون الروبوت قادراً على إدخال الرابط في أقل من ساعة
دون تخدير عام، مع قدرة المريض على مغادرة المستشفى في اليوم نفسه”.
وأضاف موسك: “نريد
في النهاية أن يقوم هذا الروبوت بإجراء الجراحة بأكملها بشكل أساسي، لذلك كل شيء
بدءاً من الجرح وإزالة الجمجمة وإدخال الأقطاب الكهربائية ووضع الجهاز ثم إغلاق
الأشياء، نريد أن يكون لدينا نظام آلي بالكامل”.
ما الاستخدامات المتوقعة
لهذه الواجهات؟
من خلال تصريحات موسك عبر
تغريداته أو ما أعلنته شركة فيسبوك من خلال أبحاثها في هذا المجال أيضاً، من
المتوقع أن يكون هنالك العديد من الاستخدامات، وإن كان ما تم تحقيقه حتى الآن
أمراً يستحق الإشادة والتفاؤل بما يحمله قادم الأبحاث.
على سبيل المثال لا
الحصر، يمكن من خلال ربط السيارات بواجهات “BCI” مع السائق منع حوادث
السير،
خاصة إذا علمنا أن حوادث السيارات من أكثر أسباب الوفاة في العالم.
ومؤخراً كشفت شركة نيسان
أنها تجري بحثاً بشأن تطوير نظام التحكم في السيارة الذي يدعم تقنية “BCI“، وسيسمح بإبطاء السيارة أو تدوير عجلة القيادة أسرع من
السائق نفسه، كما أن شركة فيسبوك طورت تقنية تتيح تحويل الأفكار إلى جمل، واستطاعت
أن تكتب 100 كلمة في الدقيقة من خلال قراءة الأفكار.
كما استهدفت أبحاث “BCI” إصلاح البصر التالف، إذ يتم زرع أقطاب مباشرة في المادة
الرمادية للدماغ عبر عملية جراحية، تترجم الإشارات الملتقطة عبر عدسة صغيرة إلى
صور يفهمها الدماغ.
أيضاً من ضمن الاستخدامات
التي أعلنها موسك استخدام الواجهة في استعادة الحركة لدى الأفراد المصابين بالشلل،
أو توفير أجهزة لمساعدتهم على الحركة من خلال الأفكار.
كما يمكن أن تساعد “BCI” الأشخاص المصابين بمرض الصرع والاكتئاب، عن طريق إرسال
نبضات كهربائية على الفور إلى المناطق المسؤولة عن أعراضهم المحددة.
مخاوف من اختراق الواجهات
تتم معالجة مجموعة كبيرة
من إشارات الدماغ التي تُلتقط بواسطة أجهزة تسجيل نشاط الدماغ “EEG” بواسطة نظام ذكاء اصطناعي (AI)، قبل
أن تصل إلى الأطراف الصناعية المزمع توصيلها مع الجسم البشري.
اقرأ أيضاً:
سلاح
المستقبل.. تركيا من أبرز دول العالم التي تطور المدافع الكهرومغناطيسية
وهنا تظهر المخاوف من
إساءة استخدام تلك البيانات أو تصميم خوارزميات تعود بنتائج خاطئة، فعلى سبيل
المثال قد تُفسر بعض الإشارات بشكل خاطئ تؤدي بالنهاية إلى نتائج خاطئة.
وفيما يتعلق بخصوصية
البيانات والأمن السيبراني، يمكن لأجهزة “EEG” أيضاً
مراقبة
ردود الفعل العاطفية والمعرفية للمريض بناءً على علامات محددة، وتسمح هذه المقاييس
لمشغل مخطط كهربية الدماغ بالحصول على مشاعر المريض تجاه الموضوعات الحساسة أو
الأفكار المتعلقة به، مثل النشاط الجنسي أو الميول السياسية وعلاقاته الشخصية،
فإنها تمنح مشغلي “EEG”
وسيلة لاكتساب نظرة عميقة على تفضيلات المريض.
كما لا يدرك المرضى أن
خوارزميات التنبؤ يمكنها الحصول على هذه المعلومات، وبإمكان بعض الشركات التي تجمع
هذه البيانات الحساسة أن تبيعها لطرف ثالث دون موافقة المرضى.
هل صارت عقولنا عرضة
للاختراق؟
صدر تقرير مؤخراً يحذر من أن هذه الرقائق يمكن اختراقها،
وهو ما يسمح للصوص بسرقة الأفكار والذكريات، ففي حديث مع شبكة “Zdnet“، قال الخبراء: “المجرمون الرقميون يمكنهم الوصول إلى
واجهات الدماغ والكمبيوتر لمحو مهاراتك وقراءة الأفكار أو الذكريات، وهو خرق أسوأ
من أي نظام اختراق آخر”.
وَلجعل هذه التكنولوجيا
آمنة تحتاج الأنظمة إلى ضمان عدم تمكن أي شخص غير مصرح له من تعديل وظائفها، وذلك
يعني استخدام بروتوكولات أمان مماثلة لتلك الموجودة في الهواتف الذكية مثل برامج
مكافحة الفيروسات.
يحدد التقرير عدداً من
الهجمات التي يمكن تنفيذها إذا سقطت رقائق الدماغ في الأيدي الخطأ.
وقال جو بست من شبكة
“Zdnet“: “يمكن أن
تفتح الشريحة نافذة للمتسللين لغزو أفكار أو ذكريات المسؤولين السياسيين
والعسكريين وغيرهم من اللصوص الذين يحاولون تنفيذ هجماتهم الرقمية الخاصة، وسرقة
هذا النوع من البيانات ستتجاوز أي شيء رأيناه من قبل”.
وقال الدكتور ساسي ثاران
بالاسوبرامانيام، مدير الأبحاث في مجموعة برمجيات وأنظمة الاتصالات (TSSG) بمعهد ووترفورد للتكنولوجيا، لـ”Zdnet“: “ما نوع الضرر الذي سيلحقه الهجوم بالدماغ؟ هل سيمحو
ذكرياتك أو يعطل مهاراتك؟”، وأضاف: “ما العواقب؟ هل ستأتي في شكل
معلومات جديدة فقط توضع في الدماغ أم ستنخفض إلى مستوى الخلايا العصبية المدمرة
التي تؤدي بعد ذلك إلى عملية إعادة توصيل داخل الدماغ، التي بدورها تعطل
تفكيرك؟”.
ويحدد التقرير عدداً من
الهجمات التي يمكن تنفيذها إذا سقطت رقائق الدماغ في الأيدي الخطأ، إذ يمكن
للقراصنة اعتراض البيانات التي تنتقل من “BCI” إلى الدماغ، ممَّا يسمح لهم بجمع البيانات الحساسة مثل
تسجيلات الدخول لرسائل البريد الإلكتروني والأنظمة الأخرى.
الأساليب الحاليّة لشن الهجمات
العدائية لها
حدان رئيسيان، الأول: يتطلب بعض عينات “EEG” الخاصة بالموضوع لإنشاء نموذج الاضطراب العدائي، والثاني:
لأداء الهجوم بشكل أكثر فعالية يحتاج المهاجم إلى معرفة التوقيت الدقيق لتحفيز
مخطط كهربائية الدماغ، إذا نجح المهاجم في التغلب على هذه القيود، فقد يكون تأثير
هجومه أكبر بكثير.
يمكن استغلال هذه الثغرة
الأمنية من الأفراد السيئين الذين يبيعون البيانات الشخصية، وبالإمكان إعطائه
أوامر بالانتحار وغيرها من الجرائم، إذ يحاول المهاجمون دائماً ابتكار طرق جديدة
للتحايل على الإجراءات الأمنية، لذلك من المهم للباحثين مواصلة التحقيق في نقاط ضعف
النظام، والتوصل إلى إجراءات أمنية جديدة.
المصدر: TRT عربي