بين تركيا واليونان.. ما المقصود بـ”المباحثات الاستكشافية” وما تاريخها؟
تركيا الحدث
أعلن الاتحاد الأوروبي مواصلة التحضيرات اللازمة لبدء الجولة الـ61 من “المباحثات الاستكشافية” بين اليونان وتركيا بخصوص التوتر شرقي المتوسط، على مستوى المستشارين. فما المقصود بتلك المباحثات التي يؤمل منها حلحلة الأزمة؟ وما تاريخها؟ ولماذا توقّفت؟
بعد أشهرٍ وصلت خلالها حدة التوتر إلى أعلى مستوياتها شرقي البحر المتوسط، وافقت اليونان وتركيا على الانخراط في “مباحثات استكشافية” تُجرى برعاية الاتحاد الأوروبي، الذي أعلن مؤخراً تواصل التحضيرات اللازمة لبدء المباحثات على مستوى المستشارين.
“مباحثات استكشافية”.. ما المقصود؟
إن المقصود بـ”المباحثات الاستكشافية” التي لا تعد مفاوضات مباشرة من أجل تسوية الخلافات، أنها مباحثات تُعنى بالبحث والتدقيق في ظروف النقاط الخلافية بين طرفين، والاستماع إلى رواية كل منهما مع عرض الطرف الآخر انتقاداته ولكن “بشكل بنّاء”.
وخلال تلك المباحثات، يُتوقع من الطرفين تقديم المعلومات اللازمة ومناقشة الاقتراحات والاقتراحات المضادة لحل النزاع، من دون اتخاذ أي قرار، على أن تؤخذ آراء كل طرف وأطروحاته بعين الاعتبار.
وتعد المباحثات الاستكشافية إحدى آليات الحوار في الدبلوماسية والعلاقات الدولية بين طرفين، عندما تكون الخلافات بينهما أكبر من أن تُسوّى عبر مفاوضات نهائية.
تاريخ المباحثات
على عكس ما قد يظنه البعض، فإن المباحثات الاستكشافية بين أنقرة وأثينا بخصوص الخلافات بينهما حول بحر إيجة وشرقي البحر المتوسط، انطلقت عام 2002 أولى جولاتها في أنقرة.
واستمرت تلك المباحثات التي كان يشارك فيها مستشارو وزيرَي الخارجية من البلدين حينها، حتى توقّفت عام 2016 بعد انتهاء جولتها الستين، بسبب الظروف والملابسات السياسية، فضلاً عن عدم رغبة أثينا في استكمالها.
ومؤخراً، عاد الحديث عن تلك المباحثات مجدداً إلى دائرة الضوء، بعد إبداء أثينا موقفاً أكثر انفتاحاً من مقاربتها المتشددة للموقف خلال الفترة الأخيرة، تحديداً عندما أعلن رئيس الوزراء اليوناني كرياكوس ميكوتاكيس منتصف سبتمبر/أيلول الجاري، استعداد بلاده لبدء “مباحثات استكشافية” مع تركيا، لتحديد مناطق الصلاحية البحرية، “في حال اتخذت الأخيرة خطوات ملموسة”.
الإعلان تلته مباشرة تحركات من ألمانيا التي تلعب دور الوساطة منذ فترة، والاتحاد الأوروبي، للتحضير للمباحثات، حتى عُقِدت الثلاثاء، قمة ثلاثية جمعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، أعلن متحدث المجلس الأوروبي إثرها مواصلة التحضيرات.
يُذكر أنه في أغسطس/آب الماضي، بذلت برلين جهوداً لإحياء المباحثات مجدداً، إلا أن تلك الجهود تحطمت على صخرة الاتفاق الذي وقّعته اليونان ومصر في السادس من الشهر نفسه، حول الصلاحيات البحرية والمنطقة الاقتصادية الخالصة شرقي المتوسط، وهي خطوة أثارت غضب أنقرة التي رأت في الاتفاق تعدياً على حقوقها عبر خطوات أحادية.
ويعوّّل الكثير من المراقبين على الوساطة الألمانية الحالية من أجل حلحلة الأزمة والمضي قُدماً في تسوية مرضية للطرفين.
وفي هذا الصدد، يلفت الكاتب والباحث المتخصص في الشؤون الأوروبية ناصر جبارة إلى أن برلين تمتلك أوراقاً مهمة تمكّنها من التوسط الإيجابي لحل المشكلة، أهمها “الورقة الاقتصادية، وورقة العلاقات الجيدة مع أنقرة وأثينا، وورقة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي”.
الكاتب والباحث المتخصص في الشؤون الأوروبية ناصر جبارة لـTRT عربي: اليونانيون ليسوا في موقع يسمح لهم برفض مبادرة الناتو، لذلك لم تقل اليونان إنها رفضت المبادرة وإنما نفت وجودها أصلاً.. أظن أن القرار اتُّخِذ في باريس وليس في أثينا pic.twitter.com/w7NzZ22XR4
— TRT عربي (@TRTArabi) September 4, 2020
وساطة الناتو
بالتزامن مع استمرار التحضيرات لانطلاق المباحثات الاستكشافية، قال أمين عام حلف شمال الأطلسي “الناتو” ينس ستولتنبرغ الأربعاء، إن “المحادثات الفنية” بين تركيا واليونان، حول شرقي البحر المتوسط “حققت تقدماً جيداً“.
وعلى الرغم من أن المحادثات الفنية التي انطلقت في العاشر من سبتمبر/أيلول الجاري، برعاية الناتو، تُعنى بالأساس ببحث سبل تجنُّب حدوث احتكاكات عسكرية بين جيشَي البلدين شرقي المتوسط، يبدو أنها ساعدت في حلحلة الموقف نسبياً وفتح أبواب جديدة أمام مفاوضات سياسية أكثر شمولية.
لذلك، لم يكن غريباً أن يشير ستولتنبرغ إلى أن الاجتماعات التي يرعاها الناتو هي لقاءات عسكرية فنية، وأن المساعي الدبلوماسية الألمانية لحل الخلاف بين الجانبين، تعد مكمِّلة للقاءات التركية-اليونانية، وأشاد أمين عام الحلف العسكري الأكبر في العالم بجهود برلين التي أسفرت عن موافقة الطرفين على الانخراط في “المباحثات الاستكشافية”، بعد 4 أعوامٍ من التوقف.
اقرأ أيضاً: شرقي المتوسط.. هل تفتح اجتماعات الناتو الباب لحوار بين أنقرة وأثينا؟
“أحد خيارين”
في مقال كتبه لصحيفة “كاثيميريني” اليونانية بعنوان “خيارنا هو الدبلوماسية غير المشروطة“، أكّد وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو أنه “يتوجب على اليونانيين وحدهم اختيار ماهية الطريق الذي ينبغي سلوكه بخصوص الخلافات شرقي المتوسط”.
ولفت الوزير التركي في مقاله، إلى أن البحر المتوسط كان دائماً مهداً للحضارات وحوضاً للتفاعل الثقافي والاقتصادي، مضيفاً أنه “لطالما كان أمام تركيا واليونان أحد خيارين، إمّا غلق الأبواب على نحو يضر الجانبين، وإما إيجاد صيغة (تفاوضية) مربحة لكليهما”.
وأكد جاوش أوغلو أن منطلق “الجيران الدائمين” يتطلب الاحترام المتبادل للحقوق، موضحاً أن “هذا النوع من الاحترام يجب أن يظهر كشرط لحل جميع المشكلات والخلافات.. من خلال الوسائل السلمية والحوار”.
وتحدّث الوزير التركي عن ضرورة إظهار الجيران حسن النية والسعي للدبلوماسية المباشرة والحوار من أجل حل الخلافات بدلاً من التصعيد.
لطالما كان أمام تركيا واليونان أحد خيارين، إمّا غلق الأبواب على نحو يضر الجانبين، وإما إيجاد صيغة (تفاوضية) مربحة لكليهما.
في مقاله أيضاً، بيّن وزير الخارجية التركي أن الأهداف الرئيسية لبلاده شرقي البحر المتوسط “واضحة، وتتمثل في ترسيم الحدود البحرية بشكل عادل ومنصف، وحماية حقوق مناطق الصلاحية البحرية.. وأيضاً حماية الحقوق المتساوية للقبارصة الأتراك على موارد الجزيرة، من خلال إنشاء آلية عادلة لتقاسم الموارد، وإنشاء آليات تعاون حول الطاقة في البحر المفتوح تستند إلى أسس حقيقية وشاملة وعادلة”.
وأكّد جاوش أوغلو أنه لا يمكن فرض أي مزاعم متطرفة على تركيا في مسألة تحديد مناطق الصلاحية البحرية، عبر الاتحاد الأوروبي الذي لا يملك أي صلاحية بهذا الصدد.
في السياق نفسه، نشر الصحفي التركي راغب صويلو في وقت سابق من سبتمبر/أيلول الجاري، خريطة لما تريده اليونان شرقي المتوسط، وتُظهر سيطرة أثينا على معظم المنطقة مع مناطق محدودة للغاية تُمنح لأنقرة، معلقاً عليها بأنه “لا يمكن أن توافق أي حكومة تركية على مثل هذا الطرح”.
You won’t have a Turkish government ever to accept the Greek exclusive economic zone claims as it is presented in this map.
This isn’t about Erdogan. Wake up. pic.twitter.com/5PIvHBW20N
— Ragıp Soylu (@ragipsoylu) September 2, 2020
وتشهد منطقة شرقي البحر المتوسط توتراً، إثر مواصلة اليونان اتخاذ خطوات أحادية مع إدارة جنوب قبرص، وبعض بلدان المنطقة بخصوص مناطق الصلاحية البحرية.
وفيما تتجاهل أثينا التعامل بإيجابية مع عرض أنقرة للتفاوض حول المسائل المتعلقة بشرقي المتوسط وبحر إيجة وإيجاد حلول عادلة للمشاكل، يجدد الجانب التركي موقفه الحازم حيال اتخاذ التدابير اللازمة ضد الخطوات أحادية الجانب.
المصدر: TRT عربي