سياسة ترمب والتطبيع “العربي” مع إسرائيل.. هل تلحق السعودية؟
تركيا الحدث
رغم سعي ترامب إلى “محاكاة” حفل توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1978، وأوسلو عام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، عبر تنظيم احتفالية تخطف الأضواء في البيت الأبيض، فربما لا يستفيد كثيراً في الاستعاضة عن إخفاقاته الداخلية.
على وقع الاحتفال في البيت الأبيض بتوقيع اتفاقيتيْ التطبيع بين إسرائيل وكلّ من الإمارات والبحرين، في 15 سبتمبر/أيلول الجاري، يحاول الدبلوماسيون والمسؤولون الأمريكيون توظيف هذا الحدث دعائياً، بالتوازي مع إعلان الرئيس دونالد ترمب في اليوم نفسه عن أن “لقاحاً للوقاية من فيروس كورونا قد يكون متاحاً خلال ثلاثة إلى أربعة أسابيع”، ما يصبُّ في خانة دعم فرص ترمبفي مواجهة المرشح الديمقراطي جو بايدن، في الانتخابات الأمريكية الوشيكة.
وعلى الرغم من سعي ترامب إلى “محاكاة” حفل توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1978، واتفاقية أوسلو عام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، عبر تنظيم احتفالية تخطف الأضواء في البيت الأبيض، بحضور عربي ودولي بارز، فربما لا يستفيد كثيراً في الاستعاضة عن إخفاقاته الداخلية بنجاحه في التوصل إلى اتفاقيتيْ التطبيع بينإسرائيل وكل من أبو ظبي والمنامة، بسبب ثلاثة عوامل.
اقرأ أيضا:
مشاريع التطبيع
ونهاية النظام العربي
أول هذه العوامل انشغال الأمريكيين بتداعيات جائحة كورونا، التي تحوّلت إلى متغيرٍ أساسي في خطاب الديمقراطيين ضد حملة ترامب الانتخابية، بعد أن أدّى انتشار الوباء إلى وفاة آلاف الأمريكيين، وفقدان الملايين وظائفهم، وانكماش الاقتصاد، وتصاعد الغضب الاحتجاجي في حراك “حياة السود مهمة”، الذي يضغط لوقف تجاوزات الشرطة بحق الأمريكيين من أصل إفريقي.
ثانيها تداعيات دبلوماسية ترامب و”ذهنية الصفقة”، ومبدأ “أمريكا أولاً”، وفرض سياسة الأمر الواقع، وعدم احترامه الاتفاقيات والقرارات الدولية، على نحو أضرّ بالتجارة والأمن الدولييْن، وتركيزه في المقابل على استخدام سياسة “العصا من دون جزرة” ضد الجانب الفلسطيني، والإصرار على تهميشه، وتكثيف الضغط عليه سياسياً وحصاره مالياً، عبر سلسلة تصريحات وخطوات عملية حاسمة، خصوصاً نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة في مايو/أيار 2018. ثم وقف التمويل الأمريكي عن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” في 31 أغسطس/آب 2018. ثم تباهي ترامب، فيسبتمبر/أيلول الجاري، بأنه ضغط لوقف تمويلات دول الخليج للفلسطينيين، “الذين لا يحترمون أمريكا ويسيئون إليها”.
والملاحظ أن الخطاب الدبلوماسي الأمريكي قد شهد تصعيداً ضد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بعد احتفال التطبيع الإماراتي البحريني، إذ قال السفير الأمريكي لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان، لصحيفة إسرائيل اليوم (17/9/2020)، إن بلاده تفكر في تعيين محمد دحلان على رأس السلطة، لأن القيادة الفلسطينية (يقصد الرئيس محمود عباس) لا تخدم شعبها كما ينبغي، وتقف في الجانب الخطأ من التاريخ.
وثالثها احتمال تراجع شعبية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، سواء بسبب انتشار فيروس كورونا وتداعيات سياسة الإغلاق علىتراجع الاقتصاد الإسرائيلي، أم بسبب غضب الفصائل الفلسطينية في غزة (من تطبيع الإمارات والبحرين)، الذي تجلّى في قصف الفصائل مدينة عسقلان في أثناء إلقاء نتنياهو كلمته في البيت الأبيض، أم بسبب لهجة التصعيد الإيرانية التي تُحمّل أبو ظبي والمنامة تداعيات إدخال إسرائيل إلى معادلات أمن الخليج، وتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني وخيانة الأمّة، عبر السير في ركاب سياسات واشنطن في دعم مسار “الحل الإقليمي”، وتوسيع التطبيع العربي مع إسرائيل.
اقرأ أيضا:
التحركات
السودانية نحو إسرائيل.. هل بات التطبيع معها مسألة وقت؟
وعلى الرغم من كثافة الضغوط التي مارستها، ولا تزال، الدبلوماسية الأمريكية على عدة عواصم عربية، عبر الجولات الإقليمية المتكرّرة لكل من وزير الخارجية مايك بومبيو، ومستشار الرئيس ترامب وصهره جاريد كوشنر، وتصريحات الأخيريْن حول “حتمية” التطبيع السعودي مع إسرائيل، فضلاً عن تصريح رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي يوسي كوهين في لقائه مع القناة الإسرائيلية 12، بأن السعودية قد توقع “اتفاق تطبيع” قبل نهاية رئاسة ترامب، فإن هناك خمسة عوامل قد تحدّ من سرعة تحرك الرياض في هذا الاتجاه.
أولها عدم تحمّس الملك سلمان، والحرس القديم عموماً، لهذا التغيير السريع في سياسة المملكة، بعكس توجهات ولي العهد محمد بن سلمان، والجيل الجديد في القيادات السعودية، الذي يظنّ أنها خطوة ضرورية لكيلا تتخلّى واشنطن عن السعودية والخليج، وتعود إلى التفاهم مع إيران، كما فعلت إدارة الرئيس باراك أوباما في الاتفاق النووي عام 2015.
وثانيها أن السعودية هي صاحبة المبادرة العربية للسلام، ولا تريد أن تخسر موقعها عربياً، فتكون كمن يطلق النار على قدميه.
وثالثها عدم حاجة السعودية الآن إلى علاقات دبلوماسية علنية مع إسرائيل، لأن هناك “تفاهمات أمنية” واقعية بين البلدين، في مواجهة إيران وحلفائها في الشرق الأوسط، خصوصاً حركات المقاومة في لبنان وفلسطين.
أضف إلى ذلك أن السعودية فتحت مجالها الجوي أمام رحلات شركات الطيران الإسرائيلية، مع تزايد طرح موضوع التطبيع في الصحافة السعودية، التي لا يمكنها التغريد بعيداً عن توجهات الحكومة.
ورابعها تفضيل الرياض سياسة “التطبيع البديل”، وانتظار تداعيات التطبيع بين إسرائيل وكلّ من الإمارات والبحرين، اللتين تحظيان بدعم سعودي واضح، خصوصاً بعد تسلم محمد بن سلمان ولاية العهد في يونيو/حزيران 2017، وصولاً إلى تراجع مواقف السعودية من فلسطين، وتقاربها المتزايد مع إسرائيل، مع سيادة أفكار “نيوليبرالية” في رؤية 2030 ومشروع نيوم.
وخامسها خشية السعودية من تراجع مكانتها الإسلامية، وإعطاء ذرائع إضافية لمن يطالبون بتدويل إدارة الحرمين الشريفين، لا سيما مع تقاعس الرياض في نصرة القضايا الإسلامية من فلسطين، مروراً بخذلان مسلمي “الأويغور” الذين يتعرضون لتضييق من السلطات الصينية، وصولاً إلى تحولها عن دعم موقف باكستان في قضية كشمير، وتفضيل الرياض الشراكات الاقتصادية والتجارية والسياسية مع الهند على حساب إسلام أباد.
وبعيداً عن النجاح “الآني” لدبلوماسية ترامب في تسريع التطبيع الإسرائيلي العربي، وإخراجه من السر إلى العلن، وإعلان الرئيس الأمريكي في 4 سبتمبر/أيلول نجاحه في إقناع صربيا بنقل سفارتها إلى القدس المحتلة، وأن كوسوفو قررت تدشين علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، يمكن القول إنها دبلوماسية تفتقد إلى استراتيجية كبرى (Grand Strategy)، على الرغم من الإمكانيات الأمريكية الهائلة، وتحاول التغطية على فشلها في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي (وهو أصل المشكلة) عبر توسيع دائرة التطبيع الإسرائيلي.
بيد أن هذه السياسات تبدو غير ناجحة تماماً، إذ يتراجع نفوذ واشنطن في الشرق الأوسط عموماً، بحيث لم تعد قادرة على احتكار دور الوساطة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كما أنها ترفع من احتمالات اضطراب أمن الخليج، بسبب تصاعد فرص التصادم غير المباشر بين إسرائيل وإيران.
واختصاراً، فقد هيمنت ثلاثة موضوعات على الدبلوماسية الأمريكية في الشهور المنصرمة من عام 2020. أولها التصعيد في معاقبة إيران، واستهداف مشروعها الإقليمي، عبر سياسة العقوبات و”الضغط الأقصى” التي بلغت حداً متقدماً في اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني.
وثانيها دعم رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو عبر طرح “صفقة القرن”، وتشجيع التطبيع الخليجي الإسرائيلي، تأييداً لمشروع الهيمنة الإسرائيلي إقليمياً، مع تهميش القضية الفلسطينية. وثالثها محاولة التغطية على فشل إدارة ترامب في التعامل مع تداعيات جائحة كورونا، وتحميل الصين ومنظمة الصحة العالمية وغيرهما مسؤولية هذه الكارثة.
ولذلك يبدو أن احتفالات التطبيع في البيت الأبيض، على أهميتها، ليست كافية لإزالة آثار جائحة كورونا، التي قد تكون السبب الأهم في خسارة الرئيس ترامب الانتخابات المقبلة.
المصدر: TRT عربي