الحليّ التقليدية المغربية.. وصل وجداني بالجذور وذاكرة تتوارثها الأسر
[ad_1]
سواء كانت المرأة المغربية من أصول أمازيغية أو عربية أو أندلسية، قروية أو حضرية، فإنها تحتفظ بقطع خاصة من الحلي التقليدية اقتنتها بنفسها أو ورثتها عن أمها وجدتها.
رغم
مغادرتها مسقط رأسها في زاكورة (جنوب شرقي المغرب) نحو العاصمة الرباط، ما زالت
سكينة تتمسك بكل ما يذكرها بجذورها، وتحتفظ بحلي تقليدية تميز منطقتها.
في
المناسبات الخاصة والاحتفالات العائلية والأعراس، تفتح سكينة صندوقها الخاص وتخرج
حليها الفضية لترتديها أسوة بباقي نساء العائلة.
تقول
لـTRT عربي
إن والدتها أهدتها هذه الحليّ عند زواجها وأمنتها عليها لتهديها بدورها إلى
بناتها، وليست هي وحدها بل إن نساء عائلتها الكبيرة يحتفظن بحلية أو أكثر من تراث
المنطقة، تربطهن بأصلهن وجذورهن، وتقوي فيهن حس الانتماء الجماعي إلى ثقافتهن
الأمازيغية العريقة.
تحكي
سكينة كيف كانت تتذمر في صباها من ارتداء هذه الحلي بسبب وزنها الثقيل، لكن نظرتها
اليوم تغيرت، إذ أدركت قيمتها المعنوية والوجدانية، فهي تمثل لغة مشتركة تجمعها
بمن ينتمون إلى نفس ثقافتها، وبها يخاطبون العالم من حولهم.
ذاكرة
الأمهات
سواء
كانت المرأة من أصول أمازيغية أو عربية أو أندلسية، قروية أو حضرية، فإنها تحتفظ
بقطع خاصة من الحلي التقليدية اقتنتها بنفسها أو ورثتها عن أمها وجدتها.
عندما
تضع المرأة المغربية هذه الحلي، فهي لا تضعها للزينة فقط، بل تفعل ذلك للتعبير عن
ثقافتها ووفاء لذاكرة الأمهات والجدات.
وعندما
يصهر الصانع التقليدي الفضة والذهب، فهو لا يصهره ليصنع منه حلية يبيعها للباحثات
عن الجمال، بل إنه ينقل أفكار مجتمعه ومعالم محيطه، ويحكي تجارب وحكايات من
الماضي، حكايات تنسلّ في الذاكرة وتتحول أشكالا ورموزاً وزخارف.
الخْلالَة
أوَتزْرْزيتْ وتاوْنْزا والمْدَجّة والتّخْليلة… أسماء حلي تقليدية تتميز بتنوع
أشكالها وأسلوب صناعتها، وتعكس مهارة الصانع التقليدي المغربي وموهبته المتفردة،
وتشي بتمازج وتعايش حضارات تعاقبت على المغرب.
نظرة
إلى الحياة والكون
يؤكد
الباحث في التراث المغربي عبد السلام أمارير لـTRT عربي، أن وظائف الحلي التقليدية بالمغرب تتجاوز
التزين والتجمل إلى وظائف أخرى رمزية.
اقرأ
أيضاً:
ويميز
أمارير بين ثلاث مقاربات لتفكيك تلك الرموز، ففريق يرى فيها إحالة إلى معاني
الخصوبة والعفة، فيما يلجأ آخرون إلى التفسيرات الوقائية فيعتقدون أن من وظائفها
الأساسية الوقاية من العين الشريرة والنيات السيئة والحسد، فيما تعتبر مقاربة
ثالثة أن أشكال الحلي مستلهمة ومستوحاة من الأساطير البابلية والإغريقية القديمة.
غير
أن أمارير يميل إلى الاستماع إلى الصاغة والحرفيين من كبار السن لمعرفة ما يوحي به
مختلف الأشكال والتخريمات التي تزين الحلي التقليدية، ففي نظره تعكس هذه الحلي
نظرة الصائغ المحلي إلى الحياة والكون ومحيطه.
ويشير
الباحث إلى “الخلالة”، وهي حلية منتشرة في المغرب وتتخذ في منطقة تزنيت
-عاصمة الفضة- شكل مثلث جوانبه مسننة، ويوضح أن هذا الشكل المسنن يميز معمار
المنطقة، لذلك يخلص إلى أن الصانع التقليدي المغربي يتأثر ببيئته على المستوى
المعماري والطبيعي ويستقي منها الزخارف والرموز التي يزين بها الحلي.
بين
الذهب والفضة
بينما
تفضل نساء المناطق القروية الفضة المطعمة باللبان الأصفر والأسود والقهرمان
والمرجان الأحمر، فإن نساء الحواضر يملن إلى الحلي المصنوعة من الذهب والمزينة
بالأحجار الكريمة بخاصة الزمرد والياقوت، ويجدن في “الجوهر الحر” ما
يميزهن ويعكس شخصياتهن.
وكانت
مدينة فاس مركز صناعة الحلي الذهبية، حيث أبدع الصناع التقليديون تقنيات متعددة
مثل التذهيب والتخريم والتفصيص والحفر، أما تطوان شمال البلاد، حيث حدث تمازج بين
الثقافتين المغربية والأندلسية، فينفرد حرفيوها بتقنيات مختلفة مثل التفصيص
والترصيع بخيوط الفضة والطلاء وغيرها.
وبينما
كان صناع هذه الحواضر الكبرى يتفننون في صناعة الحلي الذهبية، كان نظراؤهم في
المناطق القروية والجبلية ومدن الجنوب مثل الصويرة وتزنيت يختصون في الحلي الفضية
ويبدعون في صناعتها معتمدين تقنيات أخرى تميزهم مثل التسليك والتخريم والنقش.
يقول
أمارير إننا سنكون اخترنا التفسير السهل إذا اعتبرنا الجانب المادي والاجتماعي
وراء تفضيل سكان المدن الكبرى الحلي الذهبية وسكان القرى والمدن الصغيرة الحلي
الفضية، معتبراً هذا التفسير لا يستحضر الخلفية الثقافية والجانب الرمزي.
فحسب
قوله كانت القوافل القادمة من إفريقيا تمر عبر القبائل الكبرى بجنوب المغرب محملة
بالذهب والفضة، ومع ذلك كانت النساء يفضلن الحلي المصنوعة من الفضة. ويعزوهذا
الميل إلى تفاؤل المغاربة بلون الفضة الأبيض إذ يعتبرونها رمز الصفاء والنقاء عكس
اللون الأصفر الذي يحيل إلى الشحوب والريبة.
ورغم
تفضيل نساء المدن التزين بحلي ذهبية، فإنهن يلجأن في مختلف الطقوس المرتبطة
بالميلاد والخطوبة والزواج وإطلاق مشروع جديد إلى استعمال الفضة.
الحليّ
رمز التعايش
تطورت
الحلي التقليدية مع تطور اللباس، لكنها ظلت تحتفظ بجوهرها، فبعدما كانت تأخذ
أحجاماً كبيرة وأشكالاً هندسية ضخمة وبارزة لتظهر قيمة وجمال صاحبتها، أضيفت إليها
اليوم حلي بنفس الأشكال لكن بأحجام وأوزان أقل لتتناسب مع العصر ومع اللباس السائد
حالياً.
ويعزو
عبد السلام أمارير ارتباط النساء بالحلي التقليدية -رغم التغير والإبداع الذي شمل
عالم المصوغات والإكسسوارات- إلى الشحنة العاطفية التي تمثلها، فهذه الحلي في
الغالب ورثتها المرأة عن أمها و جدتها، لتصبح حاملاً لثقافة العائلة وقيمها ووصلاً
وجدانياً بالماضي والجذور.
ورغم
أن كل منطقة في المغرب تتميز بأشكال حلي مختلفة، يقول أمارير، فإن ذلك لم يمنع
التعايش بين مختلف الثقافات وتقبل الآخر واحترام هويته وتقاليده وعاداته، وهذا حسب
قوله، درس مهمّ تحتاج المجتمعات اليوم إلى استحضاره والتعلم منه.
المصدر: TRT عربي