هل صدق ماكرون أن لا أمل في إصلاح حزب الله؟
جسر:مقالات:
كما كان متوقعاً، فقد أجهضت القوى اللبنانية المرتبطة بإيران المبادرة الفرنسية لتشكيل حكومة جديدة، وكما كان متوقعاً أيضاً، فقد تعاملت باريس مع هذه الصفعة بالمراوغة والتهرب من مواجهة الحقيقة عبر تحميل المسؤولية لكل الأطراف!
منذ البداية كان الجميع يدرك أن حزب الله ومعه حركة أمل لن يقبلوا بتقديم أي تنازلات تمكّن لمبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وأن فرصة التعامل بحزم مع أذرع إيران في لبنان من أجل إجبارهما وبالقوة على رفع أيديهم عن الدولة التي باتوا يهيمنون عليها، فرصة لا يجب تفويتها، خاصة مع توفر الظروف الملائمة لذلك بعد انفجار مرفأ بيروت والنقمة الشعبية العارمة التي خلفها محلياً، مع اليأس الإقليمي والدولي من إمكانية إصلاح حزب الله.
حذر الجميع ماكرون من أن الحزب ومن خلفه إيران سيستغلون مبادرته لكسب الوقت وتجاوز المرحلة، ومن ثم العودة مجدداً لفرض إرادتهما بقوة القوة، ولذلك رفضت الولايات المتحدة وكثير من الدول الغنية والمانحة حضور اجتماع باريس الذي عُقد منتصف آب الماضي من أجل جمع التبرعات للبنان، مشترطين وضع خطة صريحة لإنهاء سيطرة حزب الله على الدولة هناك، كمقدمة لا بد منها لأي إصلاح سياسي واقتصادي في هذا البلد، لكن الرئيس الفرنسي أصر على مبادرته.
ليس ذلك وحسب، بل إن ماكرون، ومعه بعض الدول الأوروبية، رأوا مجدداً أن إنقاذ الوضع في الشرق الأوسط وإعادة الاستقرار إلى هذه المنطقة، يتطلب فك العزلة السياسية المضروبة على إيران، وإنهاء العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، من أجل إقناعها بالجلوس على طاولة حوار جدي يفضي إلى تخليها عن استراتيجية التوسع الإقليمي وإخراج قواتها وميليشياتها من سوريا والعراق ولبنان واليمن، بما يؤدي إلى إنهاء الصراع الطائفي في المنطقة والتمهيد لاستقرار مستدام يمكن الجميع من الاستثمار في أراضي وشواطئ الشرق الأوسط، سواء على صعيد الثروات الباطنية أو إعادة الإعمار في دول الصراعات.
زار ماكرون العراق، وقبل ذلك، وبعد ذلك أيضاً زار لبنان في مناسبتين خلال أقل من شهرين، وفي كل زيارة كان يخاطب حزب الله ومن ورائه طهران بلهجة ودية، ويشجعه على أن يبادر من أجل لبنان وشعبه، بل كاد يرجوه ويتوسل إليه من أجل تقديم أي تنازل مهما كان صغيراً من أجل إنجاح المبادرة الفرنسية، لكن النتيجة لم تخرج عما هو متوقع، فرفض الحزب أي تجاوب وأصر على إفشال محاولات رئيس الوزراء المكلف مصطفى أديب، وبالتالي وأد هذه المبادرة.
لم يكن الرئيس الفرنسي بحاجة إلى كل هذا الوقت لكي يكتشف أن حزب الله وإيران ليسا بوارد التخلي عن مكتسباتهما التي حققها في لبنان، بل إن مجرد تفكير باريس بإمكانية ذلك بدا مثيرا للدهشة، إلى الحد الذي لم يتردد فيه ناشطو لبنان عن استقبال الرئيس الفرنسي خلال زيارته الثانية إلى بيروت بلافتات كتب عليها “السيد ماكرون لا تكن أحمقاً” في إشارة إلى استغرابهم ورفضهم لمهادنة باريس الحزب، وأمنياتها الواهية بأنه يمكن أن يختار لبنان على إيران، والمشاركة
الوطنية على الطائفية، والتخلي عن السلاح لصالح الجيش والدولة، والخروج من سوريا وغير ذلك من التطلعات التي لا زال الجميع يتفكر كيف أمكن للقيادة الفرنسية أن تأمل بقبول حزب الله بها هكذا وبالمجان؟!!
ومع إعلان مصطفى أديب توقفه عن المشاورات لتشكيل حكومة جديدة في لبنان، أي عملياً إعلانه فشل المبادرة الفرنسية، خرج الإليزيه ببيان مثير للدهشة والاستغراب أكثر مما كانت عليه المبادرة ذاتها، حين حمّل مصدر في الرئاسة الفرنسية مسؤولية فشل الرئيس المكلف لجميع القوى والأحزاب السياسية، في تعميم يلجأ إليه الضعفاء غالباً، والمهزومون دائماً، والذين يتجنبون المواجهة وتسمية الأشياء بمسمياتها خاصة، الأمر الذي فجر غضباً إضافياً تجاه الموقف الفرنسي، خاصة وأن القوى اللبنانية الأخرى كانت قد منحت المبادرة فرصتين من قبل لإفشال مساعي أذرع إيران من أجل تعطيلها.
المرة الأولى حين انتهت مهلة الأسبوعين التي كان قد حددها إيمانويل ماكرون للبنانيين من أجل إنجاز حكومة جديدة، ورغم أن حزب الله وحركة أمل هما من عرقلا المهمة خلال هذه المهلة، إلا أن الأحزاب الأخرى وافقت على تمديدها، والفرصة الثانية هي إعلان سعد الحريري الموافقة على تكليف وزير شيعي من خارج حزب الله وحركة أمل لتولي حقيبة المالية، وهو ما رفضه الحزب والحركة أيضاً.
وأمام الإحراج الكبير الذي خلفه بيان الشانزليزيه، وللتخفيف من الغضب الذي تسبب به استخدامه لغة التعميم كأسلوب للتهرب من الحقيقة، خرج الرئيس الفرنسي ليكون أكثر صراحة ومباشرة في مواجهة ذراعي إيران في لبنان، من خلال الاعتراف بأنهما هما من يتحمل مسؤولية التعطيل، والإقرار بتسببهما بفشل المبادرة الفرنسية، لكن من دون الإشارة إلى أي نتائج يجب أن تترتب على ذلك!
المثير للدهشة هنا هي ردود الفعل التي صدرت عن قادة في حزب الله وحركة أمل عقب تصريحات الرئيس الفرنسي الأخيرة، والتي رأى فيها هؤلاء القادة “أنها ظالمة وغير موضوعية ومرفوضة”، ولعل أكثر ردود الفعل إثارة للدهشة هو البيان الصادر عن حركة أمل يوم الثلاثاء، والذي اعتبر أن (الثنائي الوطني) أي (حزب الله وأمل) هما ضحية طائفية القوى الأخرى!!
ما سبق يؤكد المؤكد الذي وضع الجميع إيمانويل ماكرون أمام حقيقته، وهو أن لا أمل بأن تتخلى إيران وميليشياتها وأذرعها وقواها المنتشرة في دول منطقة الشرق الأوسط عن مشروعها التوسعي الطائفي بالحسنى، وأنه إذا لم يكن وارداً مواجهة هذه القوى بالقوة العسكرية، فعلى الأقل يجب عدم إنقاذها من الحصار الاقتصادي والعزلة السياسية المفروضة عليها التي يبدو أنها تحقق نتائج معقولة، وبالتالي مساعدتها على الخروج من مأزقها والاستمرار في تدمير دول ومجتمعات المنطقة.
المصدر:موقع تلفزيون سوريا
The post هل صدق ماكرون أن لا أمل في إصلاح حزب الله؟ appeared first on صحيفة جسر.