ماكرون ومسلمو فرنسا.. هل وراء الهجوم المتكرر دوافع سياسية داخلية؟
[ad_1]
عاد ماكرون ليهاجم مسلمي فرنسا بتصريحات حادّة تلي تصريحات سابقة تستهدف الإسلام عموماً ومسلمي بلاده خصوصاً، قبل أن يعلن عن مشروع قانون جديد ضدّ ما سمَّاه “الانفصالية الإسلاموية”، ما يطرح التساؤل عن دوافعه خصوصاً في سياق الصراع السياسي الداخلي بالبلاد.
بعد قرابة أسبوع من حادثة الاعتداء التي شهدتها باريس قرب المقرّات القديمة لصحيفة “شارلي إيبدو”، وفي الوقت الذي تجري فيه محاكمة المتهمين في قضية الهجوم الأوّل على “شارلي إيبدو” عام 2015، الذي راح ضحيّته أعضاء من هيئة تحرير الصحيفة الساخرة، اختار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هذا التوقيت ليخرج بتصريحات حادّة وقرارات تستهدف مسلمي فرنسا.
في هذا السياق وفي خطاب مطوّل تواصل طيلة 90 دقيقة الجمعة، عرض ماكرون خطة عمل ترمي إلى إعادة التحكّم في مجتمعات المسلمين في فرنسا، من خلال الإعلان عن عدة إجراءات خاصة في مجال التعليم، وكذلك مسألة تنظيم عمل أئمة المساجد، لكن اللافت فيها كان هجومه الحادّ بخطاب تضمّن مصطلحات أيديولوجية كاشفة من قبيل “الانفصالية الإسلاموية” و”الانعزالية الإسلاموية” و”مشروع المجتمع المضاد”، ما يعيد التساؤل حول الهجوم المتكرر من ماكرون على مسلمي بلاده ودوافع ذلك.
إجراءات ضدّ “الانفصالية الإسلاموية”
بدأ ماكرون خطابه الطويل بالقول إن “الدين الإسلامي يعيش أزمة في جميع أنحاء العالم اليوم”، مضيفاً أن ذلك مرتبط “بالخلافات مع الأصوليين”، ومجادلاً بأن “هذه الأزمة لا نراها في بلادنا فقط”، زاعماً أن المشكلة “مرتبطة بالأصولية والمشاريع الدينية والسياسية التي تتسبب في تصلُّب شديد”.
وقال ماكرون إن فرنسا عليها أن تكافح ما سمّاه “الانفصالية الإسلاموية”، داعياً إلى “فهم أفضل للإسلام وتعليم اللغة العربية”، وتابع: “الإسلام الراديكالي الذي نتحدث عنه الآن؛ تنظيمٌ منهجي يهدف إلى الالتفاف على قوانين الجمهورية وخلق قانون موازٍ له، وتأسيس نظام آخر للمجتمع”.
الرئيس الفرنسي إيمانويل #ماكرون يصف #الإسلام بـ”االديانة التي تعيش أزمة في العالم”.. ما رأيكم في تصريحه الأخير؟ pic.twitter.com/qa7xmy9W1h
— TRT عربي (@TRTArabi) October 2, 2020
بعد ذلك، تحدث ماكرون بإسهاب عمّا سمَّاه “الانعزالية أو الانفصالية الإسلاموية” في فرنسا، قائلاً: “لا أود أن يكون أي التباس أو خلط للأمور، لكن لا بد لنا من الإقرار بوجود نزعة إسلامية راديكالية تقود إلى إنكار الجمهورية”.
ولمواجهة هذا الخطر حسب قوله، أعلن ماكرون عن مشروع قانون سيُعرض في 9 ديسمبر/كانون الأول على مجلس الوزراء، يتضمّن عدة إجراءات مثل إلزام أي جمعية تطلب إعانة عامة بالتوقيع على ميثاق العلمانية، وتعزيز الإشراف على المدارس الخاصة التابعة لطائفة دينية، وفرض قيود صارمة على التعليم المنزلي، وتعزيز الرقابة على تمويل دور العبادة، من خلال تشجيع الجمعيات الدينية الإسلامية على تغيير نظامها، ووضع حد لما وصفه بأنه “نظام التعتيم”.
وقال “إن المسألة ليست مسألة حظر التمويل” الخارجي “بل تنظيمه”، وأضاف أنه سيجري تضمين القانون “آلية تمنع الانقلاب” لمنع استيلاء متطرفين على المساجد، وأشار إلى إنهاء أنظمة الأئمة المبتعثين في غضون أربع سنوات، بعد أن كانت فرنسا تستقدم أئمة من تركيا والمغرب والجزائر إلى المساجد الفرنسية.
“L’islam est une religion qui vit une crise aujourd’hui partout dans le monde, nous ne le voyons pas que dans notre pays” #AFP pic.twitter.com/KV5vbTuOHN
— Agence France-Presse (@afpfr) October 2, 2020
هجوم متكرر على “المجتمع المضادّ”
رغم دفاع فرنسا عن سياساتها الديمقراطية التي تضمن حقوق الإنسان والتسامح غير المشروط حيال المعتقدات الدينية للأقليات، فإنها تُعرف بأنها واحدة من أكثر دول أوروبا معاداة وهجوماً على الإسلام.
فتحت شعار الحفاظ على العلمانية، عادة ما يتذرع قادة فرنسا لتحويل ممارسات التمييز ضد المسلمين إلى سياسة ممنهجة قانونياً، وهو العنوان الذي تأتي تحته تصريحات ماكرون ومشروع القانون الذي أعلن عنه.
المشروع سبق أن تحدّث عنه ماكرون منذ نهاية العام الماضي، فيما قال رئيس الوزراء الفرنسي، في يوليو/تموز الماضي، إن مواجهة الإسلام السياسي تعد من أولويات الحكومة الفرنسية، ليعيد قضية الإسلاموفوبيا إلى السطح مجدداً، ويقنن معاداة المجتمع الفرنسي للمسلمين.
وخلال الأشهر الماضية، طالت تصريحات الرئيس الفرنسي مراراً المسلمين، لا سيما قبيل الجولة الأولى من انتخابات البلدية (المحليات) في فبراير/شباط الماضي، ما أثار ردود فعل غاضبة بين الجاليات المسلمة في البلد الأوروبي.
وقال ماكرون، آنذاك، إن “جزءاً من المجتمع يرغب في استحداث مشروع سياسي باسم الإسلام”، مستخدماً في غير مناسبة مصطلح “المجتمع المضادّ”.
ورغم محاولة مغازلة الفرنسيين بورقة معاداة المسلمين، لقي حزب ماكرون هزيمة كبيرة في الانتخابات المحلية، ما دفعه إلى المغالاة في معاداة الإسلام السياسي بحثاً عن شعبية لدى تيارات اليمين المتطرف ووسط اليمين في بلاده، وفق مراقبين.
إرضاء اليمين.. دوافع سياسية داخلية
هذا الخطاب المناهض لما سمَّاه ماكرون “النزعة الانعزالية”، يأتي في سياق حساس في فرنسا، إذ تعد العلمانية قيمة أساسية، ويمثل الإسلام الديانة الثانية في البلاد، ويأتي كذلك فيما يتعرض ماكرون لنيران اليمين واليمين المتطرف اللذين يتهمانه بالتراخي، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.
وعزا مراقبون أسباب التصعيد ضد المسلمين في فرنسا، إلى زحف ماكرون في اتجاه تيار اليمين المتطرف، الذي عادة ما يشن هجوماً على بناء المساجد وارتداء النساء الحجاب، ويخلط عمداً بين الإسلام والإرهاب.
مشروع القانون المزمع إقراره سيعمل على زيادة مظاهر التمييز ضد المسلمين، تحت ذريعة محاربة الأفكار الانفصالية والدفاع عن العلمانية.
في هذا الصدد، قال الباحث في المعهد الكاثوليكي في باريس جميل الحمري إن استبدال الحكومة الفرنسية معركة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية بإقرار تشريعات لمواجهة المسلمين تعدّ إلهاء للشعب الفرنسي، حسب ما صرّح به في وقت سابق للأناضول.
وأضاف: “أصحاب السترات الصفراء نظموا احتجاجات واسعة، للمطالبة بإصلاحات اقتصادية ونظام المعاشات ووقف العنف الشرطي، وليس لمعاداة الإسلام أو ممارسات المسلمين… هذه القضايا تهم الفرنسيين أكثر من غيرها”.
وأكد الحمري أن “مشروع القانون المزمع إقراره سيعمل على زيادة مظاهر التمييز ضد المسلمين، تحت ذريعة محاربة الأفكار الانفصالية والدفاع عن العلمانية”، وتابع بأن ماكرون يسير على درب سلفه نيكولا ساركوزي، في معاداة الإسلام والتمييز ضد المسلمين، أملاً في الحصول على شعبية بين تيارات اليمين المتطرف والفوز بأصوات الناخبين في رئاسيات 2022.
وأضاف: “حكومات اليمين واليسار على مدى العشرين عاماً أو الثلاثين الماضية، استخدمت الموضوعات المتعلقة بالإسلام والمسلمين ذريعة لتخفي بها عيوبها، وعدم معالجتها للقضايا التي تهم الفرنسيين”.
المصدر: TRT عربي – وكالات