هندسة الشراكات الإقليمية في ظلال زيارة أردوغان لقطر والكويت
[ad_1]
أمام واقع إقليمي تسعى إسرائيل فيه لممارسة دور قيادي وحالة التهديد المحتمل الذي تتعرض له الكويت من محيطها للانخراط فيه، رغم أن تصور قيادتها الحالي لا ينسجم معه، سيجعل الكويت أكثر تفكيراً في سياسة التحوط مع تركيا، سياسة جربتها قطر بنجاح حتى الآن.
أعلنت دائرة الاتصال لدى الرئاسة التركية مساء 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020 أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيزور الكويت وقطر، الأربعاء، زيارة رسمية، وأنه سيلتقي في إطار زيارته للكويت أميرها الجديد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح وسيقدم له تعازيه بوفاة سلفه الأمير صباح الأحمد الصباح، بالإضافة إلى بحث قضايا ثنائية وإقليمية، وبعد الكويت سيتوجه أردوغان إلى قطر ليلتقي أميرها الشيخ تميم بن حمد لبحث التعاون الثنائي بين البلدين وقضايا إقليمية أخرى.
ما من شك أن زيارة أردوغان للكويت لتقديم واجب العزاء تحمل بعداً إنسانياً وهذا أمر يعرف به الرئيس أردوغان ففي يناير/كانون الثاني 2015 قطع الرئيس أردوغان جولة إفريقية للمشاركة في مراسم عزاء الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، وبالإضافة إلى هذا البعد الإنساني فإن هذه الزيارات لا تخلو أيضاً من أهداف متعلقة بالبعد السياسي فهي تحمل إشارات على وجود التقارب والعمل الثنائي أو السعي لتحقيقه وتكريسه. وليس غريباً أن إشارات التقارب نحو الرياض حينها جاءت في ظل تمدد إيراني في المنطقة وفي أجواء توقيع صفقة الاتفاق النووي الإيراني وبالرغم من الخلافات حول الربيع العربي.
مع بداية الأزمة الخليجية وحصار قطر في 2017 كان الموقفان التركي والكويتي متشابهين من حيث الشعور بالقلق تجاه هذه الأزمة ومن حيث الدور الأولي الذي فضّل الوساطة، ومع إعلان تركيا لجهودها للتوسط وإرسالها وزير خارجيتها للرياض والحديث مع الجانب الأمريكي، إلا أنها أعلنت بعد ذلك عن دعمها للوساطة الكويتية والتي نجحت في 2014 في تهدئة التوتر، وحتى مع تطور موقف تركيا في دعم قطر من خلال إرسال قوات تركية إلى الدوحة فقد بقيت تؤيد الوساطة الكويتية وترى ضرورة حل الأزمة الخليجية.
كان الأمير الكويتي الراحل الشيخ صباح قلقاً جداً من حصار كل من السعودية والإمارات والبحرين لقطر، وعمل حتى آخر حياته في إطار جهود الوساطة لإنهاء النزاع، لكن أهم ما عمل عليه أمير الكويت بدبلوماسية مشهودة هو حفاظه على عدم انجرار بلاده إلى الضغوط التي كان يدرك أنه لو استجاب لها سيكون الهدف التالي خاصة مع تفريغ مجلس التعاون الخليجي من مضمونه الذي أنشئ من أجله وهو أمر ثبت في عدة محطات تاريخية بالإضافة لتواطؤ القوى الكبرى.
لدى الكويت تجربة سابقة تعلمت منها وقطر وعمان كدول صغيرة، عندما تعرضت الكويت لغزو عراق صدام حسين في 2 أغسطس/آب 1990، كان الدور الأمريكي فيها رئيسياً حينها، وبالرغم من أن المنطقة اعتمدت على الوجود الأمريكي حتى فترة إدارة أوباما فإن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة التي بدأت في التراجع عن الدور السابق لها في المنطقة جعلت دول المنطقة تبحث عن بدائل، ومن بين دول الخليج الصغيرة فضلت البحرين التقاطر/التبعية مع السعودية فيما حافظت الكويت وقطر وعمان على سياسات أكثر استقلالاً وتميزاً عن الطرف الخليجي الأكبر وهو السعودية والذي اجتمعت معه الإمارات في محاولة لفرض رؤيتهما على بقية دول الخليج.
بعد أن تعلمت قطر من تجربة الكويت عام 1990 وتغيرت تصوراتها مع أميرها الجديد عام 1996 واستضافت قوات أمريكية في نهاية حقبة التسعينينات في قاعدة العديد ساهمت إيجابياً في جعلها أكثر استقلالاً عن جيرانها، والآن يبدو أنه قد حان الوقت للكويت أن تتعلم من تجربة قطر فقد مارست قطر استراتيجية التحوط، فبالرغم من اعتمادها الأمني على العلاقة مع الولايات المتحدة ووجود اتفاقيات دفاعية مع دول غربية أخرى إلا أن هذه الدول بما فيها الولايات المتحدة تملك علاقات مع الدول المجاورة التي تهدد قطر وربما تضحي بعلاقاتها مع قطر وفق حسابات تجارية خاصة إذا كان صانع القرار أقرب لهذه العقلية كما هي الحال مع دونالد ترامب. وبالتالي كان من الضروري التحوط بإقامة علاقة مع دولة أخرى تملك من الإمكانات ما يتم به ضمان بقاء الدولة الصغيرة وعدم تعرضها للخطر وتملك من المصير الإقليمي والرؤية المشتركة نسبياً ما يجنبها تغيير الحسابات، وقد كانت تركيا خياراً مثالياً.
في الوقت ذاته كانت تركيا التي تتطلع لمكانة ودور إقليمي أكبر في ظل عدم وجود أي دولة من دول المنطقة تحمل صفة القوى الكبرى تسعى لتحقيق هذا الهدف من خلال التعاون مع أكبر عدد ممكن من القوى في المنطقة وخاصة مع انطلاق الربيع العربي حيث أبرزت نفسها كنموذج وجزيرة استقرار.
ووجدت تركيا أن من مصلحتها العمل المشترك مع البلدان الداعمة للربيع العربي وقد كانت قطر تمارس سياسة استباقية وجريئة في دعم بلدان الربيع العربي، ولكن مع استكشاف العمل المشترك أدت معارضة دول المنطقة المتوسطة مثل السعودية وإيران ومصر للربيع العربي وتدخل قوى خارجية مثل روسيا إلى تعثر الربيع العربي وتحول الفرص إلى تهديدات بالعزلة للدول الداعمة للربيع العربي.
وكان من الطبيعي أن تتعرض قطر لضغوطات كبيرة من جيرانها وكذلك تركيا من القوى الكبرى – تعرضت لانقلاب يوليو/تموز 2016 وتدخل روسي في سوريا- ولم تجد أنقرة أياً من الدول المتوسطة في المنطقة قريبة منها بل على العكس، وفي ظل هذه الضغوطات وصعوبة العمل مع القوى المتوسطة الإقليمية الأخرى كان لابد لتركيا أن تتحرك مع أكبر عدد من الدول الصغيرة لتجنب العزلة وللتحرك في مساحات العمل الإقليمي، وقد تحركت مع قطر انطلاقاً من دوافع جيواستراتيجية ومن دوافع متعلقة بتصورات الزعماء للعلاقة الثنائية وأهميتها في دعم سياسة بلادهم ومصالحها.
فتح سعي قطر للحفاظ على أمنها عبر التحوط بالعلاقة مع تركيا وسعي تركيا للعمل مع أكبر عدد ممكن من الدول الصغيرة في ظل التنافس الشديد مع القوى المتوسطة، وإمكانية مساهمة الطرفين كل للآخر ثغرة إقليمية للبلدين للتلاقي مع بعضهما البعض لتطوير الانسجام إلى شراكة والشراكة إلى شراكة استراتيجية والتي تتجه الآن لتصبح شراكة استراتيجية شاملة.
مع كل تطور إقليمي من الربيع العربي إلى الأزمات التي عاشتها الدولتان في 2016 و2017 إلى أزمة ليبيا 2019 إلى أزمة شرق المتوسط كانت الدولتان أي تركيا وقطر تسيران معاً بشكل جيد وتدعمان بعضهما البعض وصولاً إلى التطور الأخير الذي برز كتهديد في المنطقة وهو اتفاقات التطبيع بين الإمارات والبحرين ودولة الاحتلال الاسرائيلي، والذي يعتقد أن السعودية مؤيدة له ولكنها لم تحسم أمرها لإعلانه بعد. بالطبع تابع الجميع رفض تركيا لهذا التطور والذي يعدو كونه اتفاقاً ثنائياً إلى كونه محوراً وتحالفاً إقليمياً تكون الكلمة الأقوى فيه لدولة الاحتلال ويستهدف تركيا ودولاً أخرى في المنطقة.
وفيما تعتبر الكويت من الدول التي حافظت على موقف جيد ضد التطبيع مع الاحتلال وفي المساهمة في دعم القضية الفلسطينية فإنه من المتوقع أنها تتعرض وستتعرض للكثير من الضغوط لتغيير موقفها وخاصة من جيرانها ومن الإدارة الأمريكية، ومن المعلوم أن الكويت إذا أرادت مواصلة سياستها الاستقلالية نسبياً فلن تعيش علاقات جيدة مع السعودية والإمارات بقيادتهما الحالية.
وأمام هذا الواقع الإقليمي الذي تسعى إسرائيل فيه لممارسة دور قيادي وحالة التهديد المحتمل الذي تتعرض له الكويت من محيطها للانخراط فيه، بالرغم من أن تصور قيادتها الحالي لا ينسجم معه، سيجعل الكويت أكثر تفكيراً في سياسة التحوط مع تركيا وهي سياسة جربتها قطر بنجاح حتى الآن، وما من شك أن تركيا لديها إمكانيات صاعدة تجعلها مؤهلة للوقوف خلف سياساتها وتحدي الضغوط الدولية والإقليمية، وسيتعزز هذا الموقف بشراكتها مع مزيد من الحكومات في المنطقة.
المصدر: TRT عربي