“جار السوء”.. القاعدة الإماراتية في إرتريا وآثارها الكارثية على المنطقة
[ad_1]
على الرغم من أن الهدف المعلن كان القضاء على الحوثيين في اليمن، فقد كانت للإمارات مآرب أخرى من قاعدتها العسكرية في إرتريا، كالسيطرة على جنوب اليمن وعلى الملاحة في مضيق باب المندب القريب، وإيجاد نقطة نفوذ موازٍ للوجود التركي الفعال والنشط في الصومال.
سنوات عجاف.. هكذا يصف أبناء إقليم جنوب البحر الأحمر الإرتري
الأعوام التي مرت على بناء القاعدة العسكرية الإماراتية على أراضي إقليمهم الذي
يشكل الشريط الجنوبي للساحل الإرتري على البحر المذكور.
فمع انطلاق عاصفة
الحزم في اليمن وقعت الرياض اتفاقاً أمنياً مع أسمرة في أبريل/نيسان 2015 لاستخدام
عصب، وحصلت دولة الإمارات على عقد إيجار لمدة 30 عاماً للاستخدام العسكري لميناء
عصب العميق ذي الموقع الاستراتيجي، ومطار عصب المجاور مع مدرج بطول 3500 متر، وتحوَّل
المكان إلى قاعدة جوية حديثة، وميناء على المياه العميقة، ومنشأة للتدريب العسكري.
وقد تضمن بناء
القاعدة وتسليح الجيش الإرتري انتهاكاً
من أبو ظبي للعقوبات الأممية المفروضة على أسمرة حينها، نتيجة اتهامها بدعم
منظمات إرهابية في الصومال، وفق ما وثقه التقرير السري نصف السنوي الصادر عام 2017، عن فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات المفروضة من مجلس الأمن الدولي على الصومال
وإرتريا.
وعلى الرغم من أن
الهدف المعلن كان القضاء على الحوثيين في اليمن، فقد كانت للإمارات مآرب أخرى من
هذه القاعدة، كالسيطرة على جنوب اليمن وعلى الملاحة في مضيق باب المندب القريب من
عصب، وإيجاد نقطة نفوذ موازٍ للوجود التركي الفعال والنشط في الصومال.
استيلاء على
الأراضي وتشريد لسكانها
على الرغم من تسرَّب بعض بنود الاتفاقات
الإرترية-الإماراتية فإنها ظلت عموماً طي الكتمان،
وهذا الغموض من مّا يزيد من وطأة مفاعيلها على أبناء إقليم جنوب البحر الأحمر
الإرتري خصوصاً والإرتريين عموماً.
فقد كان من
نتائج تلك الاتفاقيات بناء القاعدة العسكرية في ضواحي مدينة عصب وتطوير ميناء المدينة ومطارها وتوسيع شبكة البنية التحتية في المنطقة، لكن هذا كله جرى على حساب
السكان المحليين الذين جرت مصادرة أراضيهم من دون إشراكهم أو التشاور معهم أو
تعويضهم، وفقاً لتقرير
حالة حقوق الإنسان في إرتريا الذي قُدم لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم
المتحدة في مايو/أيار 2019.
ترافق هذا مع
عمليات تشريد وإجلاء قسري للسكان من تلك المناطق من دون تعويض، وأكد تقرير
حالة حقوق الإنسان الأممي في إرتريا المقدم
في يونيو/حزيران 2018، استمرارية هذا النشاط، وموثقاً عدد العائلات المتضررة من
التهجير القسري من أراضيها لبناء المنشآت الإماراتية بـ2000 عائلة فر أبناؤها إلى
الدول المجاورة.
وتعود ملكية
هذه الأراضي إلى قبائل إثنية العفر التي تعد من أقدم الشعوب في منطقة القرن
الإفريقي، ويعيشون في إرتريا ضمن السهل الصحراوي الممتد بموازاة الساحل الجنوبي للبلاد.
الأضرار
الاقتصادية على أبناء المنطقة
لم تقتصر
الآثار السلبية على الاستيلاء على الأراضي وتهجير السكان، بل امتدت كذلك لتطال
مصادر رزق أبناء المنطقة، الذين يعتمدون بشكل أساسي على الصيد من البحر الأحمر
والتجارة مع الدول المجاورة، ولا سيما مع اليمن المقابل لهم على البر الآسيوي .
لكن حرب اليمن
ووجود القاعدة العسكرية الإماراتية في إرتريا أديا إلى إجراءات أمنية تتعلق بإغلاق
بعض المواني التي كان ينطلق منها الصيادون ومصادرة القوارب، كما استهدف سلاح الجو
الإماراتي الصيادين العُزل في عرض البحر والمياه الإقليمية الإرترية.
وفقاً لإسماعيل قبيتا المدير التنفيذي لمنظمة
عفر البحر الأحمر لحقوق الإنسان في لندن، فإن القوات الإماراتية تجاوزت جميع
الأعراف الدولية باستهداف الزوارق الذي يؤدي إلى إغراقها وقتل الصيادين، إذ بلغ عدد من سقط منهم 200
صياد بين عامَي 2015 و2019.
كما أدت هذه “الجرائم
الشنعاء” كما يصفها قبيتا إلى تضرر كبير في التبادل التجاري بين شاطئَي البحر
الأحمر، إذ كان الصيادون الإرتريون في السابق يبيعون ما يصطادونه من البحر في
الأسواق اليمنية القريبة منهم، وشراء ما يحتاجون إليه من مواد تموينية وغيرها يصعب
الحصول عليها من الأسواق المحلية.
بالإضافة إلى
ذلك، جُرفت
الأراضي المزروعة بالنخيل والدوم بعد مصادرتها، وهو ما حرم أبناء المنطقة
المستفيدين منها مصدراً اقتصادياً هاماً، لا سيما أن الإقليم تغلُب عليه الطبيعة
الصحراوية، وتندر فيه الأراضي الزراعية.
كما جرت مصادرة
الملاحات التي كان يعتمد عليها أبناء المنطقة لاستخراج الملح من آبار لا تنضب لاتصالها
بالبحر، كانت تعود بالأرباح على المستفيدين من تصديرها، لا سيما إلى إثيوبيا
الدولة الحبيسة.
وذكر تحقيق استقصائي بعنوان “حرب المواني.. صراع
النفوذ في القرن الإفريقي” بثته قناة الجزيرة الفضائية في مارس/آذار من
عام 2019، أن صور الأقمار الصناعية أظهرت عدم وجود
نشاط تجاري بميناء عصب الإرتري وتحويله إلى ثكنات عسكرية إماراتية. كما أكد
فريق تحليلٍ وجود سجن سري تحت الأرض في منطقة ساحلية بين الميناء والمطار في عصب، ضمن
نطاق تستأجره شركة “مواني دبي” الإماراتية في إرتريا، تبلغ مساحته 417
ألف متر مربع، ويضم غرفاً تحت الأرض.
الإمارات شريكة
النظام الإرتري “في جرائمه”
المفاعيل
السلبية للتحالف الإماراتي الإرتري لم تقتصر على أبناء إقليم جنوب البحر الأحمر،
فأبو ظبي تعد الآن الداعم الأكبر للنظام في أسمرة على الصعد المختلفة، وهذا ما
يجعلها في عيون الإرتريين شريكة لأحد أشد الأنظمة تعسفاً وفق تقارير المؤسسات الدولية
المعنية.
وقد خلصت
اللجنة الأممية المعنية بالتحقيق في وضع حقوق الإنسان في إرتريا في تقريرها
النهائي مايو/أيار عام 2016، إلى أن لديها “أسباباً معقولة تحملها على الاعتقاد
بأن جرائم ضد الإنسانية، وتحديداً الاسترقاق والسجن والاختفاء القسري والتعذيب
وأفعال لا إنسانية أخرى والاضطهاد والاغتصاب والقتل العمد، قد ارتكبت في إرتريا
منذ عام 1991”.
قدم التحالف حبل النجاة للنظام الإرتري من حالة العزلة والتآكل
التي كان يعيشها، كما نجح في رفع العقوبات الدولية عنه في نوفمبر/تشرين الثاني
2018، بعد عملية سلام بينه وبين إثيوبيا برعاية إماراتية-سعودية، كما عمل على دعمه
اقتصادياً وعسكرياً من خلال حزم
مساعدات متنوعة الأشكال.
وفي المقابل، حوَّل التحالف ووجود القاعدة الإماراتية في إرتريا البلاد إلى طرف ضمن الصراعات المحتدمة التي
يشهدها الإقليم، إذ أصبحت أسمرة منصة للهجوم على خصوم الإمارات في المنطقة، فهاجم
الرئيس الإرتري مطلع عام 2018، تركيا، متهماً إياها بمحاولة التمدد في المنطقة، وهو
ما فُسر حينها بانزعاج المحور الإماراتي من نجاح زيارة الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان إلى السودان وموافقة الأخير على تأجير
جزيرة سواكن لتركيا.
كما
تكررت اتهامات أسمرة لقطر بتمويل مخططات
لزعزعة استقرار البلاد انطلاقاً من السودان، وهو ما ردت عليه
الخارجية القطرية نافية أن يكون لها علاقات من قريب أو بعيد بأي فصائل أو
جماعات في إرتريا.
أثَّر التحالف الإرتري-الإماراتي سلباً على واقع الإرتريين عموماً، ولكن نتائجه كانت كارثية على
السكان الذين جاورتهم أبو ظبي، ووقعوا بين سندان مخططات الإمارات
للهيمنة ومطرقة الحكومة الإرترية الحليفة لها، التي خنقت الجهود المبذولة من قبل العفر للمطالبة بالتعويض عن مصادرة أراضيهم، كما حذرتهم من التقدم بأي شكاوى تتعلق
بهذا الملف.
المصدر: TRT عربي