مذاق الثورة.. سؤال أفلام مهرجان مالمو
[ad_1]
عرض مهرجان مالمو للسينما العربية 45 فيلماً من عدد من الدول العربية أبرزها تونس والسودان ولبنان والعراق ومصر والسعودية، وافتتح بالفيلم المغربي “آدم” وهو من إخراج مريم توزاني.
في قاعات فارغة من الضيوف العرب إلا
القليل بسبب جائحة كورونا، أطلق مهرجان مالمو للسينما العربية دورته العاشرة مساء
الخميس الماضي الموافق 8 أكتوبر/تشرين الأول. تمثل هذه الدورة على وجه الخصوص
تحدياً أو ربما تأقلماً لعشاق السينما مع الظرف التاريخي الذي سبب الجائحة. إذ يعد
المهرجان واحداً من أهم المهرجانات المختصة بالسينما العربية وأكبرها خارج إطار الدول
العربية، وأحد أشهرها في أوروبا.
يهدف المهرجان كما ذكر رئيسه ومؤسسه
المخرج محمد قبلاوي إلى “جمع شمل عشاق السينما من خلفيات ثقافية وعرقية
مختلفة من أجل اللقاء على هذه المنصة، مدينة مالمو”. ويشمل المهرجان عدداً من
الحفلات النوعية، وتختص إحداها على سبيل المثال بأفلام الهجرة والأخرى بأفلام
المرأة العربية، وهو الحفل الذي كان قد تأجل عن موعده في مارس/آذار الماضي، بسبب
توجيهات هيئة الصحة العامة السويدية للحد من خطر انتشار فيروس كورونا المستجد.
عرض المهرجان 45 فيلماً من عدد من
الدول العربية أبرزها تونس والسودان ولبنان والعراق ومصر والسعودية، وافتتح
بالفيلم المغربي “آدم” وهو من إخراج مريم توزاني وبطولة نسرين الراضي،
ولبنى أزابال، وعزيز حطاب، واختتم المهرجان بفيلم من الجزائر تحت عنوان
“مطاريس”، وهو آخر فيلم روائي للمخرج رشيد بن حاج.
الضيف الأبرز
حصد السودان جائزتين من جوائز
المهرجان في حضور يعده بعض النقاد الأبرز من بين الدول الممثلة في المهرجان، إذ حصل
المخرج أمجد أبو العلاء على جائزة أفضل إخراج عن فيلمه “ستموت في
العشرين”، من بطولة مصطفى شحاتة وإسلام مبارك، بينما حصل المخرج السوداني
صهيب قسم الباري على جائزة أفضل فيلم وثائقي عن فيلم “الحديث عن
الأشجار”، بالإضافة إلى جائزة الجمهور، ما يعني أن ثلاثاً من جوائز المهرجان
حصدها السودان، في مشهد غائب عن عالم السينما المعتاد. إذ واجه صناع السينما
السودانيون تحديات وقيود عديدة من أجل إنتاج الأفلام، بخاصة في ظل نظام الإنقاذ
الذي قاده البشير من عام 1989. لذلك تأتي تلك الجوائز في سياق تظهر فيه السودان
بوصفها تحوي ما يؤهلها لإنتاج أعمال سينمائية قيمة يمكنها المنافسة عربياً
وعالمياً.
بالإضافة إلى جوائز السودان الثلاثة،
حصل الفيلم التونسي “بيك نعيش” على جائزتين إحداهما للممثلة نجلاء بن
عبد الله كأفضل ممثلة، والأخرى هي جائزة أفضل فيلم روائي طويل، وجدير بالذكر أن
هذا الفيلم هو أول فيلم روائي طويل للمخرج التونسي الشاب مهدي البرصاوي.
الحاضر الغائب أو المذاق البعدي
للثورات
ما يثير الانتباه في الأفلام السابق
ذكرها هو الحضور القوي للثورات، ولكن ليس بصفتها السياسية أو الاجتماعية بل ومن
دون التطرق إليها كحدث، ولكن بوصفها ذكرى جمعية للحظة قدمت وعوداً وخلقت آمالاً،
حضرت الثورة كمذاق بعدي لا كحدث.
يحكي الفيلم التونسي “بيك
نعيش” قصة فارس ومريم المسافرين من الجنوب التونسي عائدين إلى بيتهما بعد
قضاء عطلة سعيدة، يصطحب الأبوان طفلهما عزيز، وبينما هم في طريقهم عائدين يمرون
بحادث إطلاق نار من مجموعة من المسلحين، لكن هذا الحادث يخترق حياتهم بشكل مباشر
في هيئة رصاصة طائشة تصيب كبد الطفل عزيز، مما يضطر الأسرة إلى الحل الوحيد وهو
التبرع بالكبد، عندها تظهر لنا حقيقة أن فارس ليس الأب البيولوجي لعزيز.
على الرغم من أن
هذه المشكلة كفيلة بخلق دراما عن أسرة على وشك الانهيار بينما يموت ابنهم، فإن
الفيلم استخدم هذه الدراما ليقدم مشكلة ربما أعمق، منتقلاً من المشكلة الشخصية إلى
المجال العام. يمكننا ملاحظة أن توقيت أحداث الفيلم بعد الثورة التونسية
بفترة قليلة، وعلى الرغم من تبدل النظام السياسي وربما حدوث الكثير من التغييرات
الجذرية على الكثير من المستويات، فإن الفيلم قدم تعليقاً على الفساد الذي لا يزال
منتشراً في أنحاء تونس، وبالأخص مشاكل سرقة الأعضاء والاتجار بها. خلال هذا الحادث
نتساءل: هل قدمت الثورة ما وعدت به أو لا؟
على الجانب الآخر، يناقش فيلم
“الحديث عن الأشجار” واقع السينما في السودان، من خلال مزيج من التناول
العاطفي الشخصي مع التوثيق التاريخي لقصص أربعة من المخرجين الذين حملوا حلماً
مشتركاً وهو إنتاج سينما سودانية أصيلة، لكن التحديات الكبيرة التي واجهوها سواء
من قبل المجتمع أو الدولة على المستوى الإداري أو حتى الأمني تركتهم شيوخًا وقد
تفلت الحلم من بين أناملهم، هنا تظهر الثورة السودانية والإطاحة بالرئيس السوداني
عمر البشير كبارقة أمل، يبدو في ظلها لقاء صهيب الباري بأولئك الذين حلموا يوماً،
إبراهيم شداد، وسليمان إبراهيم، ومنار الحلو، والطيب مهدي، وكأنه نفض للغبار عن
شعلة كادت تنطفئ، آملين بعثاً جديداً للعنقاء السودانية.
في إطار شبيه، نشاهد فيلم (ستموت في
العشرين) الذي يحكي قصة المزّمل، الطفل حديث الولادة الذي أخذته أمه إلى شيخ
ليباركه، لكن طقوس المباركة تنقطع قبل أن تكتمل، فخلال الرقص والإنشاد يذكر أحدهم
الله ويعد من رقم 1 بصورة تصاعدية، إلا أنه عندما وصل إلى الرقم 20 سقط فجأة على
الأرض، وهو ما فُهم بأن الطفل سيعيش عشرين عاماً فقط.
على الرغم من أن أحداث الفيلم ذاتها
لا تبدو مرتبطة بالثورة بشكل مباشر، فإن ما فعله أمجد أبو العلا لا ينفصل عن
اللحظة التاريخية التي يمر بها السودان حالياً، فبعد سنوات من القمع تحت شعارات
أيديولوجية أصبحت الفرصة متاحة لأبو العلا، لأن يقدم فهماً مركباً للشخصية
السودانية، فهماً متجاوزاً للأيديولوجيا الضيقة، ويتحرك بحرية ومرونة بين الأبعاد
الثقافية الإسلامية والعربية والخرافية الشعبية والانتماء الإفريقي بالطبع، وهي
الفرصة التي يعتبرها أبو العلا مؤشراً على عودة قوية للسينما السودانية.
الفنان والسياسة
كانت علاقة الفنان بالسياسة مركبة
وستظل كذلك، فعلى الرغم من أن أحداثاً ضخمة كثورات الربيع العربي يمكنها أن تقدم
تغييرات سياسية جذرية، فتتغير نظم حكم بالكامل وتحل نخب محل أخرى وربما يصحبها نمو
اقتصادي ضخم أو انهيار اقتصادي متسارع، وهي عوامل تتميز جميعها بكونها مقيسة،
ويمكن دراستها وتحليلها، فإن الفنان عادة ما يتجاوز بحساسيته هذا المدخل
المعلوماتي ليمس الواقع اليومي أو الشخصي الخاص جداً لأفراد وقصص يومية، ويمكنه من
خلالها تقديم تأويل لهذه التغييرات السياسية، إذ يرى فيها تغيرات صورية لم تستطع
تفكيك بنية الفساد كما حدث في فيلم (بيك نعيش) الذي ناقش فكرة هامة، وهي ماهية
الأب وهل تحدده البيولوجيا فقط؟
لكن من خلال هذا المناقشة استطعنا
النفاذ إلى الواقع التونسي بعد الثورة، بينما بدا الإنتاج السوداني أكثر تفاؤلاً،
إذ قدم الفيلمان موضوعين مختلفين ظهرا في قالب درامي يناقش أحدهما الحياة من خلال
الموت، ويسعى الآخر للبحث عن آمال وتطلعات وُئدت قبل أن تأخذ حصتها من الحياة، لكن
من خلال هذا القالب الدرامي أمكننا أن نرى تركيباً وثراء للشخصية الثقافية
السودانية، وأملاً في إنتاج سينمائي سوادني عالمي، وشاهدنا بصيص نور من أمل في
مستقبل أفضل أتاحته الثورة.
المصدر: TRT عربي