اختطاف فتيات والتنكيل بجثثهن في الجزائر.. هل الإعدام هو الحل لردع المجرمين؟
[ad_1]
رغم الدعوات التي تتجدد في الجزائر مع كل حادثة متعلقة بحالات اختطاف أو اغتصاب للأطفال أو النساء، تظل الحكومة ملتزمةً بعدمَ التصريح بإقدامها على تطبيق عقوبة الإعدام من عدمه، وهي التي يتضمنها مختلف القوانين الصادرة بشأن هذه الجرائم القديمة منها والجديدة
أعادت حوادث الاختطاف والقتل التي عرفتها الجزائر في الفترة الأخيرة الجدل بشأن تطبيق عقوبة الإعدام، بين معسكر يشدد على تطبيقها بخاصة ضد قتلة الأطفال والنساء، وطرف آخر ينادي بإلغائها من قاموس قانون العقوبات الجزائري، أو على الأقل الإبقاء على قرار تجميد تنفيذها الذي يعود إلى عام 1993.
ورغم الدعوات التي تتجدد في الجزائر مع كل حادثة متعلقة بحالات اختطاف أو اغتصاب للأطفال أو النساء، فإن الحكومة تظل ملتزمةً عدمَ التصريح بإقدامها على تطبيق عقوبة الإعدام من عدمه، وهي التي يتضمنها مختلف القوانين الصادرة بشأن هذه الجرائم سواء القديمة منها والجديدة، وآخرها مشروع القانون الجديد للوقاية من جرائم الاختطاف ومكافحتها الذي سيُعرض في الأيام القادمة على البرلمان للتصديق عليه.
أحداث متتالية
على غير العادة، استيقظ سكان حي تهقارت بمدينة تمنراست أقصى جنوب البلاد في 10 أكتوبر/تشرين الأول الجاري على وقع خبر مفزع، لم تشهد مثله ولايتهم سابقاً، بعد أن عثرت مصالح الأمن على جثة فتاة عشرينية تعرضت للحرق، مرمية في أحد الطرقات.
وما زاد وقع الصدمة أن الفاجعة جاءت بعد حادثة حرق فتاة في ولاية سطيف شرق البلاد في 6 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بيد أحد جيرانها عقب خلاف بينهما، وهو الذي كان على علاقة عاطفية معها دامت أكثر من خمس سنوات.
أقرأ أيضا:
التحرش
والاغتصاب.. لماذا تلوم المجتمعات العربية النساء وتحملهن المسؤولية؟
وقبل حادثتَي سطيف وتمنراست، اهتز الشارع الجزائري بخبر مقتل الشابة شيماء ذات الـ18 سنة على يد شابّ اغتصبها منذ 4 سنوات، وعاد بعد خروجه من السجن ليغتصبها من جديد ويقتلها حرقاً بعد أن رشّها بالبنزين بولاية بومرداس شرق العاصمة الجزائر.
ويشير الباحث في العلوم الاجتماعية بجامعة المسيلة ناجح مخلوف في حديثه مع TRT عربي إلى أن ما يلاحَظ في هذه الجرائم الثلاث أنها “كانت قصدية وبغرض الجنس والانتقام، لأن الضحايا تعرضن للحرق بعد اغتصابهن، وهو ما يطرح إشكالية العلاقات الاجتماعية في المجتمع، وبالخصوص بين الأهل والأقارب والجيرة والأصدقاء”.
وتقول حركة “نساء جزائريات من أجل تغيير نحو المساواة” غير الحكومية، إن عام 2020 عرف مقتل 38 امرأة على الأقلّ.
ولا يقتصر ضحايا هذا العنف المتزايد في الارتفاع على العنصر النسوي فقط، بل أيضاً على البراءة، فكثيراً ما ذهب أطفال ضحية لجرائم عنف وقتل واغتصاب.
وتشير أرقام المفوضية الوطنية لحماية الطفولة خلال الثلث الأول من 2020 إلى تلقي أزيد من 500 إخطار تخص 1107 أطفال، تعرضوا لحالات سوء المعاملة أو العنف أو الاستغلال الاقتصادي أو التسول بهم.
وأوضح ناجح مخلوف أن “انتشار الجريمة بمفهومها الواسع ظاهرة اجتماعية طبيعية تشيع في كل المجتمعات على اختلاف درجة تطورها وحجمها، ولكنها حين تتجاوز المستويات المألوفة وتتطور في الكمّ والنوع تصبح ظاهرة شاذة وغير سوية”.
وأضاف: “أصبحنا اليوم في الجزائر نسجل أرقاماً مخيفة لجرائم متنوعة، وصلت إلى حد الاغتصاب والقتل والتنكيل بالضحية”، موضحاً أن معظم السوسيولوجيين يُجمِعون على أن “ارتفاع وتيرة الجرائم في أي مجتمع يعود بالأساس إلى وجود خلل في المنظومة الثقافية، نتيجة التغيرات التي مر بها المجتمع، من أحداث اجتماعية وسياسية واقتصادية وتكنولوجية”.
ويشرح مخلوف أن “هذا الخلل النسقي في المجتمع هو المسؤول عن شيوع العنف، وذلك بفعل عوامل اقتصادية واجتماعية تساهم في تفاقمه، إضافة إلى انتشار هوامش الإقصاء وتزايد الشرائح المحرومة”.
تطبيق القانون
ويربط الباحث في العلوم الاجتماعية القضاء على هذه الظواهر أو التقليل منها، بالعمل على فهم مختلف المشكلات الاجتماعية التي تكون مقرونة بتوافر إرادة سياسية حقيقية تتبنى بكل موضوعية تحسين الحياة الاجتماعية وصفاً وتشخيصاً وعلاجاً من خلال الأسرة والمدرسة والجامعة والمسجد وكل دور الثقافة.
ويعتقد ناجح مخلوف أن “تفعيل القوانين الردعية وحدها غير كافٍ لعلاج مثل هذه الظواهر”.
غير أن المحامي عمار خبابة يرى أن تطبيق القانون كما يجب أمر ضروري للقضاء على ظواهر اختطاف وقتل الفتيات والأطفال، مثلما أوضح لـTRT عربي.
وأضاف خبابة أن الجانب الردعي عنصر مهم في مكافحة جرائم كهذه، لذلك يعلن صراحة أنه من مؤيدي تنفيذ عقوبة الإعدام التي تكون في الغالب العقوبة التي تصدر في حقّ مرتكبي جرائم القتل والاختطاف والاغتصاب.
وجمّدت السلطات الجزائرية تنفيذ الإعدام منذ سنة 1993، رغم أن المحاكم الجزائرية تصدر سنويا إدانات بالإعدام تخصّ عديداً من التهم، منها تلك المتعلقة بعقوبات في حق مرتكبي جرائم القتل.
وتتصاعد في الجزائر أصوات تطالب بتنفيذ القصاص ضد مرتكبي جرائم الاختطاف والقتل والاغتصاب، مثلما تنصّ الشريعة في بلاد يدين أكثر من 99 بالمئة من سكانها بالإسلام الذي هو دين الدولة، وفق ما جاء في الدستور.
ويرى عمار خبابة أنه من واجب الدولة تطبيق أحكام الإعدام لأنها مطالبة بتنفيذ القرارات الصادرة عن العدالة، لتمكين جميع المواطنين والمتقاضين من أخذ حقوقهم، متسائلاً في هذا الإطار عن جدوى إصدار حكم قضائي دون تنفيذه.
سلب لحق الحياة
غير أن رئيس اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان وحمايتها (هيئة حكومية حُلّت وعُوّضت بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان) مصطفى فاروق قسنطيني، يعارض التوجه الشعبي الضاغط للعودة إلى تطبيق عقوبة الإعدام، مع تأكيده احترام رأي من يطالبون بتنفيذ هذه العقوبة من منطلق ديني، وفق ما يُفهم من تصريحه لـTRT عربي.
وقال قسنطيني: “17 جريمة يعاقَب مرتكبوها بالإعدام، غير أنه لا يثار جدل أو مطلب بشأن تنفيذ هذه العقوبة في معظم الجرائم، إلا في حوادث القتل التي تعلو فيها الأصوات المنادية بالقصاص”.
ويرى قسنطيني أن “الدولة تمثل التسامح والعدالة وعليها أن لا تنزل إلى مستوى القتل الذي يسلب أسمى حق وهو الحق في الحياة”.
ويقترح قسنطيني استبدال السجن المؤبد بعقوبة الإعدام، واعتبر المؤبد أقسى عقوبة قد تُسلَّط على القاتل والمغتصب، بالنظر إلى أنها أصعب على المسجون المتهم بارتكاب جرائم الاختطاف والقتل والاغتصاب، مضيفاً أنه بناءً على تجاربه في مجال المحاماة، فإن المحكوم بالمؤبد بسبب هذه الجرائم محروم من تخفيف عقوبته، كما يتعرض لاستهجان المجتمع، بل والمسجونين في زنزانته، وهذا أقسى عليه حتى من إعدامه.
ويشير قسنطيني إلى أن إلغاء عقوبة الإعدام لا يتعلق فقط بحكم صار لا يتماشى مع تطور المجتمعات في مجال حقوق الإنسان، بل يتعلق أيضاً بمدى احترام الجزائر التزاماتها الدولية بعد أن وقعت على التوصية الأممية القاضية بإلغاء حكم الإعدام.
غير أن الحقوقي والبرلماني السابق عمار خبابة يوضح لـTRT عربي أن الجزائر ليست مُلزَمةً تنفيذ هذه التوصية لأنها ليست معاهدة أو اتفاقية، لذلك فمن حق الجزائر تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة عن مؤسساتها القضائية.
ورغم توسع دائرة الجدل بشأن تطبيق عقوبة الإعدام، تواصل الحكومة الجزائرية التزام سياسة الغموض والصمت في تطبيق هذه العقوبة، فرغم تضمن مشروع قانون الوقاية من جرائم الاختطاف ومكافحتها عقوبة الإعدام، فإن وزير العدل بلقاسم زغماتي تجنب لدى استضافته في التليفزيون الحكومي الكشف عن رفع التجميد عن حكم الإعدام من عدمه عند صدور هذا القانون في الجريدة الرسمية.
المصدر: TRT عربي