سعيدة زهير.. مغربية تعانق أحلامها بيد واحدة
[ad_1]
بيد واحدة وأخرى غير مكتملة خاضت سعيدة معاركها الخاصة في الحياة، كان قدرها أن تولد مختلفة عن أقرانها، لكنها قررت أن تعيش حياتها كما يجب، لا أن تستسلم لنظرات الشفقة والارتياب التي يلقيها في وجهها وظهرها الأقارب والأباعد.
يقولون
إن يداً واحدة لا تصفق، غير أن المغربية سعيدة زهير استطاعت بيد واحدة تحقيق
أحلامها، وعيش حياة مستقلة، وتغلبت على مجتمع يحكم على المظهر دون أن يكترث
للجوهر.
“لا يمكنني التصفيق لكنني أكتب وأقرأ وأعمل وأطبخ” تتحدث
سعيدة زهير لـTRT عربي
وعيناها تشيان بصلابتها وقوة عزيمتها.
بيد
واحدة وأخرى غير مكتملة خاضت سعيدة معاركها الخاصة في الحياة، كان قدرها أن تولد
مختلفة عن أقرانها، لكنها قررت أن تعيش حياتها كما يجب، لا أن تستسلم لنظرات
الشفقة والارتياب التي يلقيها في وجهها وظهرها الأقارب والأباعد.
وهي
تنظر إلى أمواج المحيط الأطلسي المتلاطمة أمام مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء،
تعود سعيدة سنوات إلى الوراء وتتذكر كيف اعتبرها بعض الأقارب في طفولتها عقاباً
وذنباً مسلطاً على أسرتها، وكيف رفض مدير المدرسة الابتدائية تسجيلها متحججاً
بحاجتها لرعاية خاصة.
وخلال
بحثها عن تدريب لولوج مهنة التعليم، تجاهل أصحاب مدارس كثيرة طلباتها، لأنها في
نظرهم غير قادرة على أن تكون معلمة وتقوم بواجباتها.
تقول
سعيدة إن الجميع يقيمها بالنظر لشكلها وجسدها، لم يهتم مدير المدرسة الابتدائية
لمعرفة أنها تكتب بخط جميل وواضح، ولم يختبر أصحاب المدارس إمكانياتها وقدرتها على
الكتابة في الدفاتر وعلى السبورة والتدريس بيد واحدة.
جسد
بلا يد
تخرجت
سعيدة زهير من جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء في شعبة الدراسات الإسلامية، ولم
تواجه خلال هذه المرحلة أية صعوبات أو تنمر، فالجامعة حسب قولها تضم طلبة في
وضعيات إعاقة مختلفة.
اقرأ أيضاً:
هِبة
وإيمان.. أختان تواجهان الصّمَم بالتحدّي والأمل
“أن تكوني امرأة وفي وضعية إعاقة ليس بالأمر الهين في
مجتمعنا” تقول سعيدة، وتحكي أن أصعب مرحلة في حياتها كانت خلال بحثها عن عمل،
فبينما لم تجد صديقاتها صعوبات في العمل معلمات في مدارس خاصة، كانت طلباتها تقابل
بالرفض أو التسويف.
وتضيف
” أحلامي بسيطة، أن أتعلم وأعمل، لم يكن جسدي أو ضعف تكويني عائقين أمامي، بل
كان المجتمع يثبط عزمي ويدفعني للانعزال واليأس، كنت مؤهلة لأكون معلمة لكنهم عوض
التركيز على قدراتي وإمكانياتي كانوا يرونني فقط جسداً بلا يد”.
تقبل
الذات
بعد
عناء البحث قادها تصريف قدري للعمل في مدرسة خاصة، واليوم عندما تقف سعيدة زهير
أمام طلابها الصغار، تحس أنها تمسك العالم بيدها، وبأنها تؤدي رسالة عظيمة في
الحياة.
منذ
سبع سنوات، تدرّس هذه الشابة الأطفال اللغة العربية، تعلمهم حروفها وقواعدها،
لكنها بذاتها درس عميق في الحياة بأن الأحلام مشروعة وقابلة للتحقق، وبأن الإنسان
هو من يملأ فصول كتاب حياته، فإما ينزوي ويستسلم للمز وتنمر الناس، وإما يستمع
لصوت قلبه وعقله ويمضي قدماً في طريقه متحدياً الجميع.
كانت
الطريق مفروشة بأشواك من الإساءات ووابل من نظرات الشفقة، لا تخفي انزعاجها وغضبها
من كلمة “مسكينة” التي تقفز لفم كل من يراها، فهي تعتبرها بمثابة رصاصة
قاتلة.
https://www.youtube.com/watch?v=f9P58lPZ1cQ
تطلب
الأمر من سعيدة سنوات لتقبل ذاتها وجسدها ومواجهة تلك الأشواك والرصاصات
بالابتسامة والتحدي، تقول “لا يمكنني منع الإساءات لكنني بنيت جداراً واقياً
يحميني منها، ومنحني العمل ثقة أكبر، وساعدني على تقوية ذلك الجدار”.
التواصل
عزز الثقة
أطلقت
سعيدة قناة خاصة على يوتيوب تقدم فيها يومياتها وبعض أنشطتها في البيت وخارجه،
تروي أنها في فترة من حياتها كانت تبحث عن قصص ملهمة لأشخاص مغاربة في وضعية إعاقة
لكنها لم تكن تصطدم إلا بقصص التهميش.
لذلك
قررت إطلاق قناتها بإمكانيات بسيطة لتغيير الصورة الذهنية السائدة عن الأشخاص في
وضعية إعاقة بالمغرب، وإسماع صوتهم ومشاركة همومهم.
تريد
سعيدة أن تظهر للمجتمع أنها مستقلة ولم تخلق عبثاً أو لتكون عبئاً على أسرتها أو
المجتمع، وتؤكد أن التواصل والتفاعل مع مشاهدي قناتها زاد من ثقتها بنفسها
وبقدراتها ودفعها لخوض تجارب جديدة.
تمثلات
اجتماعية
يؤكد
الشرقاوي كريم الناشط المدني في حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة لـTRT عربي أن التمييز ضد المرأة يكون أشد عندما
تكون في وضعية إعاقة، وتكون المعاناة مُضاعفة بسبب النظرة الدُّونية من الأسرة
والمجتمع و الفاعل الاقتصادي على حد سواء.
ورغم
أن المرجعيات القانونية والحقوقية الدولية والوطنية تعطي للأشخاص في وضعيات إعاقة
حقوقاً في التعليم والشغل، إلا أن الواقع -حسب الشرقاوي- لا يعكس تلك المرجعيات
خاصة ما يتعلق بالمرأة، ويشير في هذا الصدد إلى التمثلات الاجتماعية للمرأة في
وضعية إعاقة والتي تنظر إليها على أنها عنصر غير منتج أو بالأحرى غير قادرة على
المساهمة في الدورة الاقتصادية.
من
جهة أخرى، يوضح الشرقاوي أن النساء في وضعية إعاقة يحرمن من حقهن في التعليم إما
لأسباب تتعلق بالخجل من المجتمع أوالفقر أو خوف الأسرة على بناتها أو غياب
الولوجيات بالمؤسسات التعليمية.
ويلفت
إلى أن الدولة بدورها لا تقدم تحفيزات للفاعلين الاقتصاديين لدفعهم لتشغيل النساء
في وضعية إعاقة، ولا تتحمل تكاليف الترتيبات التيسيرية داخل المؤسسات المشغلة.
وجدت
سعيدة زهير الفرصة، فأثبتت ذاتها ونجحت في مهنتها معلمة للغة العربية، وتؤكد لـTRT عربي أن توفير الفرص والثقة هي
أكثر ما يحتاجه الأشخاص في وضعية إعاقة، وعلى المجتمع أن يتوقف عن وضع العوائق في
وجه من لديه إمكانيات وقدرات تتجاوز جسده.
المصدر: TRT عربي