كيف تفقد فرنسا نفوذها وتدفع ثمن تاريخها الدموي في إفريقيا؟
[ad_1]
تُصارع فرنسا لإعادة مكانتها الدولية، لكنها تفقد نفوذها في إفريقيا التي كانت حتى وقت قريب ساحة نفوذها؛ بالإصرار على التأثير في مستعمراتها سابقاً، وعدم احترام استقلالها وخصوصيتها الثقافية، لتدفع باريس بذلك ثمن استعلائها الحاضر وثمن تاريخها الدموي.
كان لتصريحات ماكرون المهاجمة للإسلام ودعمه المباشر لأخرى مسيئة لرسوله، وقع شديد على مجتمع المسلمين في الداخل الفرنسي، الذي يتكوّن أغلبه من المهاجرين وأبناء المهاجرين القادمين من المستعمرات الفرنسية سابقاً: الجزائر والمغرب وتونس ومالي والسنغال وغيرها. كما أن هذا الهجوم وجد رد فعلٍ شديداً سواء بالتظاهر أو بالانضمام لحملات المقاطعة في هذه البلدان التي كانت تعدّ حتى وقت قريب ساحة نفوذ سياسي واقتصادي للمستعمر القديم.
فمنذ قدوم ماكرون إلى السلطة، تُصارع فرنسا لإعادة مكانتها الدولية وتحاول أن تختطّ لنفسها طريقاً جديداً في السياسة الخارجية. لكن باريس، وبإصرارها على الاستمرار في التأثير على دول كانت مستعمراتها سابقاً في إفريقيا، وعدم احترام استقلالها وخصوصيتها الثقافية، تفقد من حيث لا تدري نفوذها هناك رويداً رويداً، وتدفع بذلك ثمنين؛ الأول مُقابل استعلائها وتخبّطها الحاضر، والثاني مُقابل تاريخها الدموي في إفريقيا.
الجزائر لم تنس التاريخ الدموي وسرقة الذاكرة
لا يتوقف الجزائريون عن مطالبتهم فرنسا بـ”الاعتراف والاعتذار والتعويض” عن جرائمها في حق الشعب الجزائري إبان فترة الاستعمار الفرنسي، وبينها عمليات طمس للهوية ونهب وتعذيب وقتل وتجارب نووية.
ولم ينس الجزائريون تاريخ فرنسا الدموي بعد، ولا يزالون يرفعون مطالبهم باسترجاع ذاكرتهم ويهدّدون بالتصعيد في هذا الخصوص، كان آخرها قول مستشار الرئيس الجزائري، عبد المجيد الشيخي إن بلاده لا تستبعد اللجوء للتحكيم الدولي ضد فرنسا لاستعادة أرشيف المرحلة الاستعمارية، مؤكداً أن تحركات بلاده لاستعادة أرشيفها التاريخي تواجه مقاومة من الجانب الفرنسي.
ومنذ 4 سنوات مضت، تتفاوض الجزائر وفرنسا حول 4 ملفات تاريخية عالقة، يخص أولها الأرشيف الجزائري، الذي ترفض السلطات الفرنسية تسليمه، فيما يتعلق الملف الثاني باسترجاع جماجم قادة الثورات الشعبية.
بينما يتعلق الملف الثالث بالتعويضات لضحايا التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في الصحراء الجزائرية بين عامي 1960 و1966، والملف الرابع يتناول المفقودين خلال ثورة التحرير (1954-1962) وعددهم ألفان و200 شخص، حسب السلطات الجزائرية.
في هذا الصدد، قال أستاذ التاريخ الجزائري محمد الأمين بلغيث، إنه “سيكون على فرنسا الاعتراف بجرائم إبادة جماعية لسكان الجزائر منذ 1830”.
وأضاف بلغيث أن “المستعمر نهب خزينة الدولة الجزائرية، وأرقام نهب الأموال والكنوز مدونة في الأرشيف الفرنسي، وهي عبارة عن خمس سفن فرنسية كاملة الحمولة في الأشهر الأولى للاحتلال”.
وأضيف إلى هذه الملفات عامل جديد، وهو ضغط الحراك الشعبي المتواصل في الجزائر، والذي يطالب بإحداث قطيعة ثقافية وسياسية مع فرنسا، والتراجع عن مكانة اللغة الفرنسية في أجهزة الدولة والمعاهد والجامعات، بل ويحملون فرنسا مسؤولية الوضع السياسي والاقتصادي الراهن في الجزائر.
فمنذ احتلالها الجزائر، في 5 يوليو/تموز 1830، عملت فرنسا على طمس مقومات الهوية الجزائرية، وباشرت حرباً شرسة على المساجد والمدارس القرآنية، وشيدت أول مدرسة للتبشير بالمسيحية عام 1836، كما سنت قوانين للفصل العنصري وصفت الجزائريين بالأهالي والمسلمين والعرب، وسخرتهم كخدم عند المستعمرين، بعدما سلبت أراضيهم، وهي جرائم لا تزال تبعاتها حاضرة إلى اليوم، وتؤجج تاريخاً من الضغينة لدى الشعب الجزائري باتت ظاهرة اليوم خلال الحراك.
المستعمر الفرنسي نهب خزينة الدولة الجزائرية، وأرقام نهب الأموال والكنوز مدونة في الأرشيف الفرنسي
غرب إفريقيا.. نفوذ يتآكل واستعمار يتطوّر
“كفى! هذا استقلال لا يتجاوز كونه مجرد استقلال شكليّ. لا يمكننا تحقيق الاستقلال الحقيقي ما دمنا لا نتجه نحو كسب حقوقنا السيادية في المجالين الاقتصادي والاجتماعي”، هكذا صرّح دودو تيام، وزير خارجية السنغال الأسبق. وهو تصريح، على قِدمه، يُشير بقوّة إلى الدور الذي ظلت فرنسا تلعبه في غرب إفريقيا بعد استقلال دولها.
وحتى يومنا هذا، لا تزال فرنسا تحاول الحفاظ على نفوذها على المستعمرات التي كانت تحتلها في إفريقيا بكل ما أوتيت من قوة، إذ تعتمد باريس بشكل مفرط على المصادر الإفريقية الفرنكوفونية للحصول على المواد الخام الرخيصة التي تدعم الاقتصاد والصناعة الفرنسيَّين.
وتحاول فرنسا استغلال الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي عاشتها وتعيشها بعض دول غرب إفريقيا، باعتبارها فرصة وبيئة مواتية لتطوير مفهوم الاستعمار الجديد، لتبني بذلك على نموذج سائد منذ 60 عاماً تقريباً يخدم مصالح باريس الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية.
خوف فرنسا من فقدان ساحة نفوذها في منطقة غرب إفريقيا، مع وجود ملامح تغيير في المنطقة، دفع باريس إلى تطبيق أساليب تبدو غير أخلاقية، ويُمكن تصنيفها أنها استراتيجيات الجيل الجديد من الاستعمار.
فطيلة سنوات ما بعد الاستعمار، كانت احتياطات الفرنك الإفريقي (عملة موحدة في بعض دول غرب ووسط إفريقيا)، وبعض احتياطات دول غرب إفريقيا توضع في البنك المركزي الفرنسي.
وحينما كان عشرات القادة والزعماء في هذه الدول يعلنون رفضهم لهذا الوضع، ورغبتهم في الخروج من الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا (UEMOA) الذي ينضوي تحت “منطقة الفرنك الإفريقي”، كانوا سرعان ما يواجهون انقلابات مدعومة من باريس، كـ”ترهيب لإثنائهم عن هذه التوجهات”، وفقاً لوجهة نظر كان دفجي أوغلو، الخبير في الاقتصاد السياسي والشؤون الإفريقية.
نهاية العام الماضي، خرج رئيس ساحل العاج، الحسن وتارا، ليعلن في مؤتمر صحفي وماكرون إلى جانبه، عن اتفاق “الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا” مع فرنسا على إعادة تسمية “الفرنك الإفريقي” ليصبح “إيكو” (Eco).
الإعداد لإطلاق عملة “إيكو” جاء “نتيجة أعمال قامت بها هذه المجموعة على مدار سنوات، أي أنه كانت هناك حالة من الجدل في الدول الإفريقية تسلط الضوء على اعتزام فرنسا تطبيق جيل جديد من الاستعمار”، حسب دفجي أوغلو.
خسارة فرنسا ارتباط هذه الدول بها مالياً، جعلها تفكّر في تقوية وجودها العسكري في المنطقة، إذ تستغل تزايد أعمال الحركات الإرهابية جنوب الصحراء، لـ”إيجاد أساس شرعي لإبقاء فرنسا على قوات لها في المناطق التي تشهد عمليات إرهابية”و حسب المصدر ذاته.
لكن هذا الوجود العسكري بقوة يبلغ عددها 4500 عسكري والمنتشرة في منطقة الساحل الإفريقي منذ 2014، تلاقي اعتراضاً من قبل عدد من دول المنطقة، ما دفع ماكرون إلى التعليق غاضباً: “هل يريدون وجودنا، وهل يحتاجون إليه؟ أريد إجابات واضحة. السلطات الحاكمة في البلدان التي توجد فيها قوات فرنسية، مَدينة لي”.
ولدى فرنسا أربعة قواعد عسكرية دائمة في أنحاء إفريقيا، وبمرور الوقت تصبح القواعد المؤقتة دائمة، كما الحال في عملية “برخان” في الساحل، إذ دأب ماكرون على القول إن الجنود المشاركين في هذه العملية موجودون من أجل أمن إفريقيا.
لكن هذا الحديث “لا يمنع إدراك حقيقة مفادها أن فرنسا تمارس ضغوطاً على هذه الدول، عبر سياسة العصا والجزرة، للحفاظ على مكاسبها الاقتصادية في ملكية الموارد القيمة بالمنطقة، ولذلك تحاول الاستفادة من وجود حركات إرهابية عديدة، للحفاظ على شرعية لوجودها بإفريقيا”، حسب دفجي أوغلو.
المصدر: TRT عربي – وكالات