الموقف الفرنسي من الرسوم المسيئة.. مناصرة لحرية التعبير أم مضاربة سياسية؟
[ad_1]
منذ وصوله إلى الإليزيه، لم يفوّت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أي فرصة للتهجم على الإسلام والمسلمين عبر خطاباته التي وُصفت بالعنصرية والاستفزازية لجميع المسلمين في أنحاء العالم.
وتزيد حدة وحماسة هذه الخطابات كلما وقع اعتداء إرهابي، ومع كل محطة
أو توقيت سياسي في فرنسا.
لعل آخرها حادثة مقتل المدرس صامويل باتي على يد شاب مسلم متشدد بسبب
العرض العنصري الذي قدمه أمام طلابه وتَضمَّن رسوماً كاريكاتورية نشرتها مجلة
شارلي إيبدو مسيئةً للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، صرح بعدها ماكرون بأنه لا تراجع عن الصور المسيئة
التي تمثل شكلاً من أشكال حرية التعبير، وأنه يجب مواصلة ما سمّاه النضال من أجل
الحرية والكفاح للدفاع عن الجمهورية.
ومع إصرار ماكرون وبعض المسؤولين الفرنسيين على خطاب العنصرية ضد الإسلام
والمسلمين وتأجيج شعور الكراهية والإسلاموفوبيا، انطلقت حملات مقاطعة واسعة
للمنتجات الفرنسية في البلدان العربية والمسلمة، وأصدر بعض الدول إدانات لخطاب
الرئيس الفرنسي.
ولكن مع ازدياد الضغط واتساع دائرة التنديد والمقاطعة، توجه إيمانويل
ماكرون إلى عموم المسلمين عبر شاشة قناة الجزيرة، وقال إن الأخبار التي نقلت أنه يدعم الرسوم المسيئة
للرسول (محمد صلى الله عليه وسلم) مضللة ومقتطَعة من سياقها، مؤكداً أنه يتفهم
مشاعر المسلمين إزاء هذه الرسوم.
تبايُن في المواقف السياسية والثقافية في فرنسا
تباينت مواقف الطبقة السياسية الفرنسية والإعلاميين في كيفية التعاطي
مع الملف.
لعل أبرزها تصريحات رئيس الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان Gérald Darmanin الذي اعتبر أن مشكلة الإسلام في فرنسا أنه ثمرة، وأحيانًا لعبة،
لدول وأطراف أجنبية.
اقرأ أيضاً:
الرياضة
تنتفض رفضاً لتطاول ماكرون ونصرةً للنبي محمد عليه السلام
وصرّح دارمانان بأنه لأول مرة أدى الإسلام السياسي
مباشرة إلى هجوم. وقال: عندما نحاكم شارلي إيبدو، وعندما نعيد نشر الرسوم
الكاريكاتورية (لمحمد)، لا يقبل الناس ذلك، إذاً نحن في حالة حرب، وبالتالي يجب أن
نتقبل حدوث هجمات في المستقبل.
كما عبّر بعد ذلك عن استيائه وصدمته من الرفوف لبعض المنتجات
الاستهلاكية واللحوم الحلال التي وجدها خلال زيارته لبعض المحلات التجارية، وحمّل المسؤولية في ذلك للرأسمالية الفرنسية التي
تستجيب لبعض الأذواق والغرائز وتقدّمها على الصالح العام.
وتوالت في ذلك تصريحات وزير الداخلية الفرنسي، التي اعتبرها البعض
تصريحات غير مسؤولة لشخص يشغل منصباً حساساً في الدولة.
وفي لقاء تلفزي قال رئيس الحكومة الفرنسي جان كاستاكس Jean Castex إن عدواً أعلن الحرب على فرنسا، وهذا العدو معروف ويسمى بالإسلام
السياسي الراديكالي، سيجدنا دائماً في طريقه، وهو هدفنا.
فيما كان لبعض المثقفين الفرنسيين رأي مخالف، إذ حمّلوا فرنسا
المسؤولية عن تصاعد الإسلاموفوبيا وعن صعوبة إدماج المسلمين في المجتمع الفرنسي.
إذ يرى الباحث الفرنسي المتخصص في شؤون العالم العربي
والإسلامي فرنسوا بورغات François Burgat،أنه
يجب تحليل أي حدث من باب سياسي، ولو استُخدم فيه المعجم الديني.
ويعتقد أن القرارات التي اتخذها إيمانويل ماكرون خطأ فادح وشبيهة
بتلك التي اتخذها الرئيس الأمريكي كلينتون عقب الهجوم الذي شُنّ على مدمرة
الصواريخ الموجهة التابعة للبحرية الأمريكية “يو إس إس كول” في 12
أكتوبر/تشرين الأول 2000، لمحاربة الإرهابيين الذين أمروا بالهجوم.
ويؤكّد موقفه من تحميل المسؤولية للسياسات الفرنسية، باعتبار أن
الرسومات المسيئة للنبي محمد نُشرت في أكثر من دولة أوروبية وغربية، ولكن الاستياء
وردود الأفعال كانت بالأكثر ضد فرنسا، ذلك أن الإهانة كانت من أعلى رأس في الدولة.
فيما يرى الباحث الفرنسي في علم الاجتماع فرهاد خسروخاور Farhad khosrokhavar أن الهجمات الإرهابية هي في الحقيقة استجابة وردة فعل تجاه
راديكالية علمانية أو ما سماه “العلمانية الجديدة”، التي أصبحت تُعتبر
الدين الجديد للدولة بطقوسه وكهنوته.
واعتبر أن القوانين القمعية لفرنسا استهدفت المسلمين على وجه الأساس،
وكان لها دور في استسلام البعض للتطرف والعنف.
ويقول فرهاد إن حرية التعبير ليست هي التي في الحقيقة
على المحكّ، بل حرية العلمانيين ضد أولئك الذين لا يستطيعون المقاومة.
لكن مواقف بعض الباحثين والمثقفين التي حاولت قراءة المشهد بهدوء
وبعيداً عن التوظيف السياسي، أثارت حفيظة واستنكار المسؤولين الفرنسيين الذين
وصموهم بجماعة “اليسار الإسلامي”، واتُّهموا بالتواطؤ مع الإسلام
السياسي.
وتوخت الحكومة الفرنسية في ذلك إجراءات الملاحقة
والتضييق، بخاصة تجاه بعض المؤسسات المدنية كالجمعيةالفرنسية لمحاربة العنصرية،
التي أصدر وزير الداخلية قراراً بحلّها.
ويناقض ذلك المبدأَ الذي تدّعيه السلطات الفرنسية
في كفالتها حرية الرأي والتعبير للجميع.
هل ينجرّ الشارع الفرنسي إلى المواجهة العنيفة
تعجّ الساحة الصحفية الفرنسية بالمجلات والجرائد
الساخرة التي تتناول بالنقد الأديان والأحزاب والتيارات السياسية، ومن بينها مجلة
شارلي إيبدو التي تستقطب أهم الكتاب والرسامين وتثير بإصداراتها جدلاً واسعاً.
اقرأ أيضاً:
من
الخليج للمغرب العربي.. مقاطعة منتجات فرنسا تتصاعد وخارجيتها تناشد لوقفها
على الصعيد السياسي مثلاً اشتكت المرشحة الرئاسية مارين لوبان سنة 2012 المجلة
قضائياً لما تتعرض له من إساءة ونقد لاذع.
وتوالت الحملات والتهديدات ضد المجلة، التي واصلت
رغم ذلك أسلوبها الساخر الذي لم تستثنِ منه طرفاً، ولاقت الدعم المتواصل من
المناصرين لحرية التعبير، وطيف واسع من المجتمع.
ورغم كون المجتمع الفرنسي من أكثر المجتمعات
الغربية تنامياً لظاهرة الإسلاموفوبيا والعنصرية، فإنه لم ينجرّ وراء دعوات
التقسيم والمواجهة العنيفة.
فرغم الخطابات الحادة والعنصرية لمسؤولي الدولة
الفرنسية، ومشاعر الكراهية التي غذّتها المنابر الإعلامية، تَمكَّن بعض المؤسسات
المدنية والأصوات المستنيرة من تهدئة الشارع الفرنسي وكشف التلاعب والتوظيف
السياسي للاعتداءات الذي يجيّش الغضب الجمهوري.
لقد بات من الواضح اليوم أن شعبية الرئيس الفرنسي
إيمانويل ماكرون تتراجع، ولا بد له من تلافي ذلك عبر مغازلة تيار اليمين، لكسب
تأييدهم ودعمهم.
ولم تكُن من ورقة ضغط أكثر تأثيراً من ورقة محاربة
الإسلام السياسي.
لكن حملات المقاطعة التي اتسعت دائرتها في وضع اقتصادي
متردٍّ، بخاصة بعد أزمة كورونا، خفضت وتيرة الخطابات الحادة والإجراءات القمعية
لمسؤولي الدولة الفرنسية.
المصدر: TRT عربي