هكذا تسير تركيا بخطى ثابتة نحو “التعايش الآمن” مع الزلازل الكبرى
[ad_1]
تخوض تركيا منذ عقود سباقاً مع الزمن من أجل تعزيز قدرتها على مواجهة الزلازل، وبذلت الحكومات التركية المتعاقبة جهوداً كبيرة في هذا الإطار.
تقع تركيا ضمن منطقة
جغرافية نشطة زلزالياً، إذ تمر من داخل أراضيها ثلاثة خطوط زلزالية فاعلة وخطيرة
في بعض الأحيان، وهو ما جعلها عرضة دائمة لزلازل صغيرة شبه يومية وزلازل مدمرة من
وقت إلى آخر، الواقع الذي فرض عليها فعل كل ما هو ممكن من أجل تقليل الخسائر
والأضرار والوصول إلى مرحلة متقدمة من “التعايش” الإيجابي مع إرادة
الطبيعة والجغرافيا التي لا يمكن تغييرها وإنما التقليل من آثارها السلبية.
وفي هذا الإطار، تخوض
تركيا منذ عقود سباقاً مع الزمن من أجل تعزيز قدرتها على مواجهة الزلازل، وبذلت
الحكومات التركية المتعاقبة جهوداً كبيرة في هذا الإطار، وصولاً إلى تولي حزب
العدالة والتنمية الحكم في البلاد قبل نحو عقدين، إذ ضاعف هذه الجهود وحقق نقلة
نوعية أكسبت البلاد قدرة أكبر على مواجهة الزلازل.
هذه الجهود تمثلت في شقين
أساسيين، الأول متعلق ببرنامج “التحول الحضاري” الذي يركز على
إعادة بناء الأحياء القديمة والمباني الخطيرة، وهو برنامج كبير يهدف إلى إعادة
بناء ملايين الوحدات السكنية الجديدة والمقاوِمة للزلازل، والثاني يتمحور حول
تعزيز الهيئات الإغاثية المختلفة القادرة على رصد الزلازل ومتابعتها والتعامل مع
آثارها، إذ باتت فرق الإغاثة والإنقاذ التركية من ضمن الأقوى والأكثر كفاءة
وتطوراً حول العالم.
خطر الزلازل
تقع تركيا ضمن منطقة
جغرافية نشطة زلزالياً، فتحيط بها ثلاث صفائح تكتونية، الصفيحتين العربية
والإفريقية جنوباً والصفيحة الأوراسية شمالاً، وتنشط داخل حدود تركيا ثلاثة خطوط
زلزالية فاعلة، هي صدغ غرب الأناضول المتصدع والمتشعب والأكثر حركة ويمر بمناطق
بحر إيجة وبحر مرمرة، وصدغ شمال الأناضول بطول (1350 كم) ويمر بالمناطق المقابلة
للبحر الأسود وصولاً إلى أسفل بحر مرمرة غرباً، وصدغ شرق الأناضول بطول (530 كم)
فيبدأ بمدينة هاتاي وينتهي بمدينة موش، ويلتقي الصدغان الشمالي والشرقي في مدينتَي
بينجول وموش.
وتصنف الزلازل التي تبلغ
قوتها 7 درجات وأكثر “بالخطرة” حسب مهندسي الجيوفيزياء، إذ عانت تركيا
منذ عام 1500 وقوع أكثر من 23 زلزالاً بقوة 7 درجات وأكثر، ومن أهمها زلزال
إسطنبول العظيم وسمي أيضاً زلزال “القيامة الصغرى”
عام 1509 وراح ضحيته ما يقارب 13 ألفاً، وزلزال إرزينجان في 27 ديسمبر/كانون الأول 1939 وكانت قوته 7.9 درجة وتسبَّب
بوفاة 33 ألفاً وزلزال جولجوك/مرمرة في 17 أغسطس/آب 1999 وضرب المناطق المحيطة ببحر مرمرة بقوه 7.5 درجة ودام ما يقرب
من 45 ثانية وأنهى حياة 17480 شخصاً.
وتعتبر تركيا الثالثة عالمياً بعدد الخسائر البشرية للزلازل والثامنة بعدد
المتضررين، ويحدث بالمتوسط زلزال على الأقل قوته بين 5 و6 درجات كل عام. وحسب
الخبراء يسكن ما يقارب 60% من سكان تركيا بالمناطق المعرضة للخطر الزلزالي، لذلك
تولي الحكومة أهمية كبرى لإعادة البناء والتهيئة للمباني غير الصالحة لمقاومة
الزلازل وخصوصاً الواقعة ضمن هذه المناطق، بالإضافة إلى تهيئة البنى التحتية
وتقويتها.
برنامج التحول الحضاري
بدأ وضع السياسات
المتعلقة بالكوارث الطبيعية لأول مرة بعد زلزال إرزينجان عام 1939، ومع مرور الوقت
سُنت القوانين للمساعدة بإدارة الحياة العامة بفاعلية وقت الكوارث الطبيعية، وبعد
زلزال مرمرة عام 1999 وما لحقته من خسائر بشرية ومادية كبيرة أقرت الحكومة
الائتلافية آنذاك بقيادة بولنت أجاويد ضريبة مؤقتة خاصة بالزلازل حسب القانون رقم
4481 مُددت سنتين ثم ثبتت عام 2003 بعهد حكومة العدالة والتنمية. وتهدف الأموال
المحصلة من هذه الضرائب إلى تقوية المباني الضعيفة واستبدال مبانٍ حديثة مقاومة
للزلازل بغير الصالحة للسكن وتحسين البنية التحتية على مستوى الجمهورية كافة.
اقرأ أيضاً:
منذ
5 قرون.. تاريخ تركيا الموجز مع الزلازل
ومن منطلق عبارة
“المبنى من يقتل وليس الزلزال” بدأ عام 2012 ما يعرف ببرنامج”التحول
الحضاري”، ويهدف إلى هدم المباني غير
المرخصة التي لا تخضع للمعايير الهندسية المقاوِمة زلزالياً والمشيَّدة بأماكن
خطيرة ومخالفة لخرائط التوسع العمراني والشروع ببناء مبانٍ أقوى وأمتن وتجهيز
البنى التحتية وشبكات الاتصال لمواكبة الظروف الصعبة وقت الكوارث.
منذ بدء البرنامج عام 2012 هُدم ما يقارب 610 آلاف وحدة سكنية خطرة بمختلف المدن التركية وجرى فحص هندسي
شامل لـ5.5 مليون وحدة سكنية يسكنها ما يقارب 22 مليون مواطن. كما تجري فحوصات لـ3
ملايين وحدة سكنية أخرى تحت البناء حالياً، ويهدف البرنامج إلى استكمال بناء 1.5
مليون وحدة سكنية جديدة مقاوِمة للزلازل بحلول عام 2023.
وخلال الثماني سنوات
الماضية خصص أكثر من 13 مليار ليرة تركية لدعم برنامج التحول الحضاري، كان النصيب
الأكبر منها ما خصص لبناء الوحدات السكنية المقاومة للزلازل وتأهيل البنى التحتية
الجديدة وبنائها، وخُصِّص جزء من الميزانية لمساعدة المواطنين بدفع إيجار سكنهم
المؤقت إلى حين تسلُّمهم منازلهم الجديدة.
هيئة إدارة الكوارث
والطوارئ
في 17 يونيو/حزيران عام
2009، استُحدثت دائرة حكومية تتبع مباشرة لوزارة الداخلية باسم رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ (AFAD) لتجميع الصلاحيات والمسؤوليات تحت سقف واحد في حالات الكوارث
والطوارئ. تقود وتوجه رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ التعاون بين المؤسسات
والمنظمات بالدولة من أجل التخطيط والتوجيه والدعم والتنسيق والتنفيذ الفعال
للأنشطة اللازمة للوقاية من الكوارث وتقليل أضرارها والاستجابة للكوارث وقت حدوثها
واستكمال أعمال التعافي من الكوارث بسرعة بعد انتهائها، فتأخذ في الاعتبار
الاستخدام الرشيد للموارد في هذا المجال.
ومنذ
يوم تأسيسها نفذت واستجابت بفاعلية وسرعة لمختلف الكوارث الطبيعية، وعلى رأسها
الزلازل التي ضربت الأراضي التركية، وليس فقط على الصعيد المحلي إذ تمد يد العون
على الصعيد الدولي أيضاً من هايتي إلى اليابان ومن شيلي إلى ميانمار، وحتى 2019
قدمت مساعدات إنسانية بقيمة 4.5 مليار ليرة تركية لـ58 دولة. كما توظف أفضل
الخبراء والمهنيين وتسعى جاهدة لتأهيل موظفيها ورفع كفاءتهم دائماً، وتولي
اهتماماً لاستخدام أفضل المعدات التكنولوجية وتنتشر طواقمها ومراكز خدمتها بكل
المدن التركية وستصل ميزانيتها السنوية إلى نحو مليارَي ليرة تركية في 2021 حسب صحيفة ملييت.
تملك مؤسسة رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ 1100 محطة لرصد الزلازل بجميع أنحاء البلاد كأكبر شبكة
لرصد الزلازل بتركيا وثاني أكبر شبكة بأوروبا، وأنشئت مراكز لوجستية في 26 مقاطعة
ومخازن دعم في 51 مقاطعة أخرى. ومنذ انطلاق حمله التوعية “تركيا
جاهزة لمواجهة الكوارث” عام 2013 وحتى
الآن جرت مشاركة 9 ملايين طالب ونحو 12 مليون مواطن في تدريبات التوعية الخاصة
بمواجهة الكوارث.
المصدر: TRT عربي