“العنف الرقمي” ضد النساء.. صرخاتُ احتجاج ومبادرات للمواجهة
[ad_1]
ضحايا العنف الرقمي من النساء في البلدان العربية في تزايد وأشكاله كذلك على مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت عموماً، فمن الإساءات اللفظية والعنصرية في الرسائل الخاصة، إلى سلوكات التنمر والابتزاز وحملات تشويه السمعة.
إذا كانَ التحرش الجنسي بالفضاءات العمومية مشكلةً مؤرقةً تعانيها
النساء بالمنطقة العربية، فإنهن بالقدر ذاته يواجهن اليوم شيوع الظاهرة بالفضاءات
الرقمية، مع تزايد المضايقات والعنف المبني على النوع على شبكة الإنترنت، وفق ما
تؤكده الأرقام الرسمية ومعطيات الجمعيات الحقوقية التي تشتغل في المجال.
ضحايا التحرش الرقمي في تزايد وأشكاله كذلك على مواقع التواصل
الاجتماعي والإنترنت عموماً، فمن الإساءات اللفظية والعنصرية في الرسائل الخاصة،
إلى سلوكات التنمر والابتزاز وحملات تشويه السمعة من خلال نشر الصور والفيديوهات
الشخصية، وصولاً إلى التهديد بالعنف والمس بالسلامة الجسدية، ترتفع صرخاتُ الضحايا
ومبادرات المدافعين عن الحقوق النسائية للتصدي للظاهرة.
من الفضاء العام إلى الخاص
أمينة، عشرينية من مصر، تكشف أنّ التحرش الرقمي صار جزءاً من
يوميِّها خلال استعمالها لوسائط التواصل الاجتماعي والإنترنت، “على الرغم من
تكرّره مرات ومرات وبأشكال مختلفة، لم أتمكّن من تقبُّله أو التعايش معه، بالنظر
إلى تأثيراته النفسية السلبية”، مشيرةً إلى أن هذه الوسائل تمنح المتحرشين
فضاءً أمثل لاقتراف أفعال مشينة، فيبيحون لأنفسهم انتهاك هذا الفضاء الشخصي وعبره
حقوقك وحرياتك”.
عن أكثر المضايقات التي تتعرض لها على الشبكات الاجتماعية، تقول
المتحدثة: “تصل إليَّ رسائل تتضمن صوراً إباحية وعبارات غير لائقة، وهذا أمر
شائع بيننا، كما يجري استعمال تقنية الاتصال بالفيديو أو حتى العادي عبر تطبيق
مسنجر من حسابات لا أعرفها وفي أوقات متأخرة من الليل، بالإضافة إلى التعليقات
المسيئة أو العنصرية تجاه كوني أنثى، عندما أعبر عن رأيي في منشور أو صورة”.
وتضيف أمينة في حديثها مع TRT عربي: “كنت أتفادى الخروج إلى الشارع العام لتجنب التحرش،
وأبقى في البيت، لكن اليوم حتى السوشال ميديا لا توفر بيئة آمنة من هذه الأفعال،
على الرغم من أنّ الأصل فيها أنها شخصية”.
اقرأ أيضاً:
التحرش
والاغتصاب.. لماذا تلوم المجتمعات العربية النساء وتحمّلهن المسؤولية؟
بشرى عبدو، رئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة بالمغرب، تكشف أنّ
جمعيتها تصل إليها أسبوعياً اتصالات من شابات وسيدات ضحايا للتحرش الإلكتروني،
خصوصاً حالات التشهير والابتزاز، موردةً أنّ منصات التواصل الاجتماعي، التي هي
بمثابة فضاء خاص، “بات يقتحمها الآخر من دون إذن مسبق، عبر رسائل تحرش أو نشر
مقاطع وصور إباحية أو الاتصال الهاتفي، إذ ينظر المتحرش إلى الضحية من خلال هذه
الوسائل باعتباره صيداً سهلاً”.
وتابعت المتحدثة بأنه من خلال الحالات التي عاينتها في الجمعية التي
ترأسها، لاحظت أن فعل التحرش لا يكون صادراً فقط عن الأشخاص المجهولين، بل يمكن أن
يكون من طرف صديق حميم أو خطيب، مشيرةً إلى أنه “بعد أي خلاف أو مشكل بسيط
يعمد الأشخاص المذكورون إلى حملات تشويه السمعة، من خلال استغلال صور خاصة
ومشاركتها أو التهديد بنشرها للعموم.
خلفيات وقوانين
تتداخل في ظاهرة التحرش بالفضاء الرقمي مجموعة من العوامل الموضوعية
والبنيوية التي تساهم في تفاقمها، أولها، تقول الباحثة في سوسيولوجيا
الاتصال والإعلام خديجة براضي إن الإمكانية التي أتاحتها منصات التواصل الاجتماعي
بإحداث تغييرات جذرية في أنماط الأفراد وسلوكهم إضافة إلى سهولة إنشاء حسابات
وهمية بأسماء مستعارة تشجع الكثيرين على ممارسة أفعالهم السلبية والخفية تجاه
الآخرين، بدءاً من التحرش مروراً بالعنف وصولاً إلى المس بكرامة الإنسان بمختلف
تمظهراته.
العامل الثاني، تتابع الباحثة في تصريحها لموقع TRT عربي،
يتعلق باختلالات التنشئة داخل المجتمع، وما لها من علاقة بإعادة إنتاج الهيمنة
الذكورية عبر الأجيال، والحرمان الجنسي، الشيء الذي يؤدي إلى اختزال المرأة في
جسدها والتنقيص من قيمتها بالمجتمع، فضلاً عن التخبطات التي تعيشها منظومة القيم
وانهيار مستويات التعليم والوعي بالمنطقة، التي تظهر تجلياتها في انتشار خطابات
الكراهية والتمييز العنصري والتمييز على أساس النوع إلى جانب ظاهرة التحرش.
على الرغم من انتشار ظاهرة التحرش الرقمي، فإن المنظومة القانونية
بالبلدان العربية لا تزال تغيّب هذا المعطى في مقتضياتها القانونية، والحقيقة أنّ
جمعيات الدفاع عن النساء لا تزال تناضل في عدد من الدول لكسب رهان تجريم التحرش
الجنسي. بلبنان مثلاً جرى التقدّم بمشروع قانون لتجريم التحرش سنة 2017 إلا أنه ظل
يراوح مكانه من دون التصديق عليه.
اقرأ أيضاً:
فيروس
العنف الأسري: تداعيات خطيرة وحلول مستديمة
لم تُقر مجموعة من الدول العربية قوانين محاربة التحرش الجنسي إلا في
السنوات الأخيرة، مصر سنة 2014 والجزائر 2015 والمغرب سنة 2018 ويشمل التحرش
الإلكتروني وتونس 2016 والسعودية 2018، فيما لم تتبنَّ بعدُ دول أخرى مثل الكويت
والبحرين أي قوانين في هذا الصدد.
حول مدى قدرة القوانين على الحماية من التحرش بمختلف أشكاله، تقول
خديجة براضي إنّ للقوانين أهمية كبرى في مواجهة الظاهرة، غير أنه ينبغي تفعيلها
بالموازاة مع النهوض بأدوار المدرسة والإعلام والدولة كمدبر للشأن العام، من أجل
إرساء أسس ثقافة مجتمعية مرتكزة على قيم حقوق الإنسان وحماية المواطن سواء امرأة
أو رجل وضمان حقه في العيش بأمن وطمأنينة من دون أن يلحقه أذى سواء في الفضاء
العام أو في الفضاء الرقمي.
ولفتت المتحدثة إلى معطى ذي أهمية كبيرة هو عدم سكوت الضحايا على
تعرّضهن للتحرش، وذلك من أجل إخراج الظاهرة للعلن، والتواصل مع الجهات المختصة
للحصول على الحماية والتحسيس بخطورتها وبانعكاساتها النفسية والاجتماعية على
المتضررات.
مبادرات للمواجهة
أمام تفاقم الظاهرة وضعف القوانين الرادعة أو غيابها، انتشرت
بالمنطقة مجموعة من المبادرات الرامية إلى تنظيم حملات التوعية والتحسيس والتصدِّي
للعنف الرقمي، من خلال تقديم الحماية لضحاياه أو فضح المتحرشين، مبادرات انطلقت أساساً
بعد حملة “مي تو Me
Too”
العالمية التي فضحت انتهاكات التحرش بين المشاهير من عوالم الفن والسياسة.
من أبرز المبادرات العربية، حملة هاشتاغ #الشاشة_ما_بتحمي، التي تهدف
إلى تأكيد أن النساء والفتيات في لبنان والعالم العربي لهن الحق في الوصول إلى
الإنترنت واستخدامه بحرية وأمان من دون أن يَكُنَّ ضحايا للعنف الإلكتروني. الحملة
لقيت تجاوباً وانتشاراً كبيرين في صفوف اللبنانيات اللائي تفاعلن بقوة وشاركن
قصصهم وتجاربهن.
وفي مصر بعد نجاح تجربة “خريطة التحرش” التي توفر خريطة من
جميع محافظات مصر للتبليغ عن أي تحرش يجري التعرض له بالشارع، أطلقت حملة
“مبروك أنت متحرش مشهور إلكترونياً” لفضح ممارسات التحرش الجنسي على
شبكات التواصل الاجتماعي، فتنقل المشتكيات محادثة تعرُّضها للتحرش التي يُشترط أن
تتضمن سلوكاً يعتبر تحرشاً وفضح مرتكبها.
وبالمغرب، أطلقت مؤخراً جمعية “التحدي للمساواة والمواطنة”
التي تعد من الجمعيات الأولى بالمغرب التي انخرطت في مسار محاربة العنف الرقمي،
تطبيقاً إلكترونياً “سطوب العنف الرقمي” من أجل تسهيل التواصل بين
الضحايا والجمعيات، ويتيح التطبيق وضع شكاية ثم تقوم الجمعية بالتواصل معها
وتوجيهها نحو الجمعيات المحلية إن كانت من خارج الدار البيضاء ومواكبتها إجرائياً
وقانونياً.
كما تخصّص الجمعية عملها للاستماع إلى النساء ضحايا العنف الرقمي،
وتجري حملات في المؤسسات التعليمية وبين الأسر من أجل التوعية حول الظاهرة وتعزيز
ثقافة البوح وعدم السكوت عن التحرش الجنسي فضلاً عن الاستعمال السليم للوسائط
التكنولوجية.
تقول رئيسة الجمعية بشرى عبدو إن عمل الهيئة المدنية في المجال يأتي
أساساً لكون الآثار النفسية للتحرش الرقمي لا تقل خطورة عن العنف الجسدي، مشيرةً
إلى أنه في حالات كثيرة يكون الأول أشدّ وأصعب، مثلاً في حالة نشر فيديوهات أو صور
شخصية، إذ يمتد تأثيرها مع الزمن ومع بقاء هذه المضامين محمّلة على الإنترنت، كما
يتسبب في مشاكل عائلية كبيرة، وكثيرات من الضحايا يدخلن في كآبة حادة أو التفكير
في الانتحار أو حتى في ارتكابه.
المصدر: TRT عربي