ترحيل المهاجرين إلى بلدانهم.. ودور فرنسا المريب
[ad_1]
تحاول فرنسا العمل على إعادة المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية في محاولة للهرب من التزاماتها الإنسانية تجاههم، واعترافاً ضمنياً منها بفشلها في سياسة الإدماج.
فرنسا تقرر إعادة المهاجرين الوافدين عليها خلسة وبطرق غير نظامية، خاصة المشتبه فيهم في قضايا “إرهابية”، إلى بلدانهم وتحديداً تونس التي بدت معنية أكثر من غيرها بهذا الملف، بعد أن ثبت تورط أحد أبنائها الوافدين على فرنسا في “الهجمة الإرهابية” التي استهدفت كنيسة نوتردام بنيس، وأودت بحياة ثلاثة أشخاص.
وفي هذا الإطار قام وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان بزيارة ماراثونية إلى أكثر من بلد، وكانت تونس إحدى النقاط المركزية التي توقف فيها مؤخراً للتباحث مع المسؤولين التونسيين.
وتبدو هذه الزيارة الأمنية الاستخباراتية تصعيدية في اتجاه ترحيل التونسيين الموجودين على الأراضي الفرنسية بشكل غير قانوني أو من ذوي الشبهات.
ومن الملاحظ أن فرنسا تضغط على تونس بكل السبل، على الرغم من معرفتها المسبقة بعدم جاهزية هذا البلد لتحمل “الكلفة” الباهظة لعودة أبنائه الذين لم يعد مرغوباً فيهم على الأراضي الفرنسية.
وتأتي سياسة لي الذراع هذه للمستعمر القديم مع بلد يمر بحالة من الهشاشة الاقتصادية والسياسية، ويقف على حافة الإفلاس، لتأزيم الأوضاع أكثر، وتدفع نحو أوضاع لا يحمد عقباها.
ورغم أن ملف الهجرة السرية هو من القضايا الحارقة التي تسبب صداعاً دائماً لضفتي المتوسط منذ فترة طويلة، فإن فرنسا تعلم علم اليقين أن قضية الهجرة غير النظامية لا يمكن أن تحسم بهذا الأسلوب، خاصة مع تنامي المهاجرين القادمين من الضفة الجنوبية للمتوسط في اتجاه أوروبا التي يتمثّلها البعض بمثابة الجنان الموعودة. وقد باتت أعدادهم بالآلاف من مختلف الأعمار والفئات سواء من النساء أو الرجال. ولم تعد حكراً على بعض الشباب المغامرين من العاطلين عن العمل.
ومن الملاحظ أن هذا الملف، ونعني الهجرة، هو قضية فرنسية داخلية بامتياز يسعى طرف سياسي إلى استثمارها لضرب خصومه. فالمشهد الفرنسي اليوم يتمثل في حرب بلا هوادة يشنها اليمين المتطرف في فرنسا ضد سياسات إيمانويل ماكرون التي فشلت حسب تقييمهم في التعاطي مع القضايا “الإرهابية” وتخاذلت في التصدي لها.
ويشحذ اليمين الفرنسي كل طاقاته ليستفيد من الوضع الراهن استعداداً للانتخابات القادمة التي ستتم بعد نحو سنة ونصف، وينادي اليمينيون بطرد كل من تلحق به أي شبهة من بعيد أو قريب. بل وصل بهم الأمر حد المناداة بإخلاء فرنسا من كل مسلم. وهي قمة التصعيد التي ينتهجها اليمين للتموقع سياسياً، أمام الضعف الكبير والفشل الذريع لسياسات الرئيس الفرنسي في قضايا الإدماج.
إذن مرة أخرى تثبت فرنسا عجزها عن مواجهة قضايا الإدماج للمهاجرين، وتفشل في إيجاد استراتيجيات ناجعة من شأنها أن تجعل من الوافدين عليها مواطنين مكتملي الحقوق والواجبات، لا سيما مع تواصل الموجات القادمة إليها من جنوب المتوسط في قوارب الهجرة السرية وتحديداً من بلدان المغرب العربي.
ويبدو أن السلطات الفرنسية، بدل اختيار سياسة الادماج، تختار التصعيد إزاء هؤلاء المهاجرين في الأيام الأخيرة، خاصة بعد الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها مؤخراً، والتي جاءت عقب واقعة الصورة المسيئة للرسول الكريم، والتي وضعت قضية الإدماج موضع تساؤل.
وفي هذا السياق لعله من المهم الإقرار بأن السلطات الفرنسية أظهرت عجزها عن الذهاب إلى أسس هذه القضية وجذورها، ونعني مسألة اندماج المهاجرين في صلب المجتمع الفرنسي وتماهيهم معه دون فقدان مقومات الهوية. وهذا يتطلب جهداً كبيراً لا يبدو أن حكام فرنسا في الوقت الحالي مستعدون لبذله من أجل الخروج من هذا المأزق، ومواجهة سيل المهاجرين الذين لن يردعهم ترحيل بعض المئات عنوة إلى بلدانهم.
ولا شك أن هذا الأمر يحتاج إلى حكمة ورجاحة عقل تبدو غائبة في فرنسا اليوم. فالتنسيق مع البلدان المعنية بقضايا الهجرة مهم حقاً، ولكن ليس بصيغة الضغط، وفرض سياسات الأمر الواقع، وترحيل بعض المهاجرين بالقوة دون أن تكون بلدانهم جاهزة لاستيعابهم.
وعلى هذه القاعدة كان على السلطات الفرنسية أن تقوم بالمراجعات اللازمة في قضية الهجرة وإدماج المهاجرين مع مراعاة الخصائص الثقافية والحضارية لكل فئة. وهذه إحدى أبرز مرتكزات العقد الاجتماعي، دون السماح بالتجاوز في حق أي دين أو عرق أو طائفة.
كما أن إحكام غلق الحدود بالصورة الحالية جعل أعداداً أكبر من المهاجرين بطرق غير نظامية تفد على فرنسا، وهم الذين لا يمكن مراقبتهم على عكس الحال لو انفتحت الحدود بشروط دقيقة.
ولا شك أن بلدان جنوب المتوسط الغارقة في أزماتها، وفي مقدمتها تونس اليوم، غير قادرة اليوم على مواجهة سيول العائدين من أبنائها. ولا بد من التنسيق معها، وعدم إجبارها على اتخاذ أي موقف قد تكون عواقبه وخيمة ليس عليها فقط بل على الطرف الفرنسي.
وكأن فرنسا تريد أن تصدر قضاياها الداخلية لغيرها، وهي في الحقيقة تستغل حالة الفوبيا التي عادت بشكل كبير إلى الفرنسيين خصوصاً والأوروبيين عموماً، جراء الجرائم “الإرهابية” المروعة التي ترتكب هنا وهناك.
وهي تستثمر في هذا الخوف محاولة توظيف هذه الأحداث لإخلاء فرنسا من المهاجرين غير النظاميين، متحدية بذلك القوانين والأعراف. وهو ما يثبت فشلها الذريع في إدارة أزماتها الداخلية، وعجزها أمام قضايا مركزية أهمها الإدماج الاجتماعي.
جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.
المصدر: TRT عربي