مع أمريكا بايدن.. فلسطين تخسر والاحتلال رابح دائماً
[ad_1]
من الواضح أن قيادة أمريكا ستؤول إلى الرئيس الديمقراطي المنتخب حديثاً جو بايدن بحلول العام القادم، ما لم تحدث تطورات دراماتيكية يستدعيها موقف الرئيس الخاسر دونالد ترمب قد تُدخِل الولايات المتحدة في حالة من عدم اليقين.
وسيركز بايدن في البداية على الملف الأهم وهو احتواء كورونا الذي حصد نحو ربع مليون أمريكي وأصاب أكثر من 10 ملايين من الأمريكيين، فضلاً عن الأولويات الاجتماعية الملحَّة والاقتصادية، وذلك قبل أن يبدأ التفرغ للملفات الخارجية وأهمها المواجهة مع الصين والملف النووي الإيراني والعلاقة مع روسيا والاتحاد الأوروبي.
ولن تشكل القضية الفلسطينية أولوية بالنسبة إليه في ظل جسامة الأولويات الأخرى، خصوصاً أنه لا يوجد تصعيد بالصراع العربي-الإسرائيلي يستدعي التدخل السريع!
طعم بايدن
وفي إطار الاهتمام الكبير الذي أولته الأوساط الصهيونية لموقف إدارة بايدن من الصراع العربي-الإسرائيلي يقول الصحفي ميخائيل هرتسوغ في صحيفة هآرتس في 10 نوفمبر/تشرين الثاني إن “إدارة بايدن ليس من المتوقع أن تعطي القضية الإسرائيلية-الفلسطينية الأولوية التي أعطاها لها أوباما. ليس في أوساط رجالاته أوهام فيما يتعلق بإمكانية حدوث انطلاقة في المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية بهذا الوقت، وليس في نيتهم إطلاق خطة سلام خاصة بهم”.
غير أن أهم تغيير سيحدث مع بايدن أنه سيعيد فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ويجدد المساعدة المالية للسلطة الفلسطينية وإن كان ذلك سيواجه عقبات متمثلة بقانون “تيلور فورس” (Taylor Force Act) الذي أقره الكونغرس عام 2018، ويقضي بقطع المساعدات الأمريكية والمقدرة بـ300 مليون دولار عن السلطة الفلسطينية لو واصلت دفع المخصصات لأهالي منفذي العمليات (الشهداء والمعتقلين).
وفي أحدث تصريح لها قالت كامالا هاريس نائبة بايدن إن الإدارة الديمقراطية ستعيد العلاقات مع الفلسطينيين، وستفتح مقرات بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن من جديد، وستعيد فتح القنصلية الأمريكية في الشطر الشرقي من القدس المحتلة، وستتخذ خطوات فورية لإعادة المساعدات الاقتصادية والإنسانية للفلسطينيين، ومعالجة الأزمة الإنسانية في غزة.
غير أن الموقف التقليدي للديمقراطيين من الصراع هو طلب الاعتراف بالدولة اليهودية من الفلسطينيين كشرط لتفعيل المفاوضات، وربط عودة المساعدات بعدم دعم عائلات المعتقلين والشهداء.
ولا يتضمن هذا الموقف تأكيد حدود 1967 وإنما بدولة فقط، وحل قضية اللاجئين بالتفاوض مع معارضة خطوات أحادية الجانب، وإرجاء قضية القدس إلى مفاوضات الحل النهائي على أن تبقى عاصمة لإسرائيل.
وتوجد تقديرات أن السلطة ستقبل في ظل الوضع الجديد بأموال المقاصة التي توردها لها إسرائيل من عائدات الضرائب بعد خصم الميزانية التي تخصصها السلطة الفلسطينية لبعض عائلات الشهداء والمعتقلين، وهو ما ترفضه السلطة حتى الآن.
المصالحة على الرف
وفي ضوء المغريات السابقة، فإن السلطة التي ربطت مصيرها بوهم التسوية واتفاق أوسلو واستمدت شرعيتها منه ولا تريد خسارة مزاياها تحت الاحتلال، ستسارع إلى الاندماج مجدداً في عملية التسوية السياسية معولة على الرئيس الديمقراطي الذي ينص برنامج حزبه على أنه “يؤمن بإسرائيل قوية آمنة وديمقراطية”، ويؤكد “قوة التزام أمنها وقدرتها العسكرية القوية وحقها في الدفاع عن نفسها!”.
ولا شك أن وهم البقاء ضمن مربع التسوية لا يزال يقود السلطة ورئيسها إلى التعلق بإمكانية إنجاز حل سياسي ثبت فشله في تحقيق إنجاز للفلسطينيين مع الإدارات الأمريكية المختلفة.
وربما يحاول رئيس السلطة محمود عباس تجديد شرعيته أمام الإدارة الجديدة وأوروبا والعالم، من خلال الدعوة للانتخابات التشريعية باتفاق أو من دون اتفاق مع القوى الفلسطينية، من دون أن يشمل ذلك انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني أو إدماج حركتَي حماس والجهاد في المنظمة، لأن ذلك مرفوض من دول عربية وإسرائيل وأمريكا والغرب عموماً، وسيهدد فرص استمرار المفاوضات مع الاحتلال!
ومن هنا، فإن المصالحة ستوضع على الرف، وسيُقضَى على الآمال التي أحيتها اجتماعات بيروت وإسطنبول بالوحدة وتفعيل المقاومة الشعبية في ظل أجواء عربية متصاعدة نحو التطبيع المجاني بل والتحالف مع الكيان الصهيوني.
وسيعود التعاون الأمني مع الاحتلال إلى مستوياته السابقة، بما يهدد وحدة الشعب الفلسطيني ويهدد إمكانية صموده وتحديه للاحتلال.
إسرائيل تربح مجدداً
ومن الواضح أن الرئيس المنتخب لن يتراجع عن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لدولة الاحتلال، وسيبقى كما قال عن نفسه بأنه صهيوني متمسكاً بالانحياز إلى إسرائيل، ولن يربط المساعدة لها بأي قراراتٍ سياسية تتخِذها، كما فعلت إدارة أوباما (2008-2016) التي شغل فيها بايدن منصب نائب الرئيس.
وجاء في برنامج الحزب الديمقراطي أنهم سيدعمون “حلاً تفاوضياً قائماً على حل الدولتين، يضمن مستقبل إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية ضمن حدود معترف بها، وتأييد حق الفلسطينيين بالعيش بحرية وأمن في دولة قابلة للحياة”.
ولا يلزم ذلك إسرائيل بقبول دولة مستقلة حتى على جزء محدود من أراضي 67 مع استمرار سعيها للسيطرة الأمنية على غور الأردن وضم المستوطنات إليها.
وستسعى إدارة بايدن لتجميد عملية الضم الإسرائيلية من دون ممارسة أي ضغط على الكيان لتحقيق إنجاز في المفاوضات، ولوقف الاستيطان وعمليات المصادرة والتهويد.
مسار التطبيع مستمر
ويتوقع أن يستمر مسار التطبيع الذي فُصِل عن مسار الصراع مع إسرائيل، وذلك من خلال الضغط على السعودية التي ستجد نفسها مدفوعة إلى ولوج هذا المسار لتخفيف الضغوط الأمريكية عليها في موضوع الحريات وقضية خاشقجي.
وستحاول إدارة بايدن لجم الاندفاع التركي في مواجهة دول الثورات المضادة، مع استمرار الموقف الضاغط على إيران. وإن أي إنجاز تحققه هذه الإدارة في هذا الإطار سينعكس سلباً على المجمل الفلسطيني بكل أطيافه، وسيفضي إلى المزيد من الانهيار في الموقف العربي الرسمي.
وفي محاولة لتكييف الموقف الأمريكي مع إسرائيل بشكل أكبر، دعا رئيس “الموساد” الأسبق شبتاي شبيت لتشكيل “حلف ثلاثي يضم الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل لمواجهة الدول العظمى العالمية (الصين وروسيا)”.
وزعم أن الحلف سيواجه ما سمّاها الدول العظمى الإقليمية، وهي “إيران التي تندفع نحو الحصول على قدرات نووية عسكرية، وتركيا التي تحطم الثورة العلمانية لأتاتورك، وتعود بخطوات ضخمة إلى تركيا العثمانية” على حد تعبيره.
الرافعة الفلسطينية
وفي المحصلة فإن مسار التسوية سيظل متعثراً لعدم تحقيقه أدنى المتطلبات الفلسطينية، وهي الدولة والسيادة على القدس الشرقية وعودة اللاجئين.
ولكن سلوك السلطة هذا سيضعف مناعة بعض الدول العربية والإسلامية أمام الضغوط الأمريكية، ويدفع دولاً أخرى إلى المزيد من التطبيع بل والتحالف مع الكيان الصهيوني.
ورغم ذلك، فإن فلسطين ستظل تشكل رافعة أساسية في مواجهة إسرائيل، خصوصاً إذا تقدمت القوى الفلسطينية ببرنامج وطني قائم على المقاومة، ورفض مشروع التسوية، ومقارعة الاحتلال، بما يعزز صمود الفلسطينيين لتجاوز المرحلة الصعبة، أملاً في تغيير حقيقي في البيئة العربية المحيطة، من خلال انطلاق موجة جديدة من الربيع العربي تعرقل مسار تيار الخيانة العربي.
جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.
المصدر: TRT عربي