طموحات وتحالفات.. جذور تأجيج الحرب في إثيوبيا
[ad_1]
رغم محاولات الوساطة يبدو موقف أديس أبابا متصلباً إزاء خصومها السياسيين في تيغراي، وهو ما ينذر بأن فوهات المدافع لن تخمد قريباً، ويطرح التساؤلات حول جذور تغذي الصراع أعمق من الأسباب المعلنة.
أعادت التطورات الأخيرة في إثيوبيا البلاد إلى بؤرة الاهتمام
العالمي مع قرار رئيس الوزراء آبي أحمد مطلع نوفمبر/تشرين الثاني بشن “عملية
عسكرية” على إقليم تيغراي شمال البلاد، والذي مثل الذروة المتوقعة لتوتر مديد
بين الطرفين.
ورغم المناشدات
الدولية ومحاولات الوساطة يبدو موقف أديس أبابا متصلباً إزاء خصومها السياسيين في
تيغراي، وهو ما ينذر بأن فوهات المدافع لن تخمد قريباً، ويطرح التساؤلات حول جذور تغذي
الصراع أعمق من السبب المعلن هو استيلاء الجبهة الحاكمة في تيغراي على معسكرات
تابعة للجيش الفيدرالي.
آبي أحمد.. الحرب ممارسة للسياسة بأدوات أخرى
كان وصول آبي أحمد علي
إلى سدة رئاسة الوزراء أبريل/نيسان 2018 نتيجة مباشرة لتصاعد المظاهرات الشعبية
المنددة بالنظام السياسي الذي تسيطر عليها أقلية التيغراي (6% من السكان)، وحين
وصلت البلاد إلى مفترق طرق يقود إما إلى تغيير في هياكل السلطة وإما إلى الحرب
الأهلية.
على أجنحة هذه الثورة جاء أحمد مفتتحاً عهده بإصلاحات طالت
السياستين الداخلية والخارجية، كإطلاق سراح السجناء السياسيين والانفتاح على
التنظيمات المعارضة داخل البلاد وخارجها، و إنجاز اتفاق سلام مع الجارة إرتريا مهد
له الطريق لنيل جائزة نوبل
للسلام 2019.
لكن الصورة بدأت تزداد قتامة وفق مراقبين، وبدلاً ممّا كان
متوقعاً من أن تشهد الفترة الانتقالية تأسيساً لمنظومة ديمقراطية تدير شؤون
البلاد، بدأت الميول السلطوية لرئيس الوزراء بالبروز، ووجهت أصابع الاتهام بانتهاكات
مستمرة لحقوق الإنسان إلى حكومته، كان أبرزها حملة الاعتقالات الواسعة بعد
اغتيال المغني الإثيوبي هاشالو هونديسا صيف هذا العام، والتي طالت مجموعة من أهم
منافسيه السياسيين على رأسهم الزعيم الأورومي جوهر محمد، وهو ما
أنذر بـ”أن طريق إثيوبيا نحو مستقبل أكثر استقراراً وحرية وديمقراطية
يتعرض للخطر بشكلمتزايد”.
وفي إطار محاولة آبي أحمد تفكيك النظام السياسي القائم
على الفيدرالية الإثنية، دعا في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 الأحزاب السياسية في
البلاد إلى الانضواء تحت حزب الازدهار الإثيوبي الذي أسسه بديلاً للائتلاف الحاكم
السابق (الجبهة الثورية الديمقراطية
لشعوب إثيوبيا)، الذي حكم البلاد منذ تسعينيات القرن الماضي وكان واجهة سياسية
لنفوذ التيغراي في البلاد.
رفضت
الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي الحاكمة
في الإقليم الشمالي الانضمام إلى الائتلاف الجديد، واعتبرته عودة عن النظام
الفيدرالي الذي ابتدعته للتخلص من نظام الحكم المركزي الذي عانت منه البلاد لعقود
طويلة، وأضافته إلى مجموعة
من القرارات والإجراءات التي استهدفتها وعملت على تهميش دورها في البلاد، بما
في ذلك الإقالات لأبناء الإقليم من المؤسسات المدنية والعسكرية، والتحالف مع عدوها
اللدود الرئيس الإرتري أسياس أفورقي.
تصاعدت الخلافات بين الطرفين وبلغت ذروتها بإجراء الإقليم
انتخابات عامة سبتمبر/أيلول الماضي، خلافاً لقرار البرلمان بتأجيل
الانتخابات لفترة غير محددة تخوفاً من انتشار وباء كورونا.
رفض البرلمان والحكومة في أديس أبابا الاعتراف بنتائج
الانتخابات التي وصفاها بأنها غير قانونية وغير دستورية، وفي المقابل أعلنت
حكومة إقليم تيغراي عدم اعترافها بشرعية ودستورية الحكومة المركزية، ممّا أدى إلى اتخاذ الأخيرة إجراءات عقابية كان من أهمهاوقف التحويلات المالية منها إلى الإقليم في أواخر سبتمبر/أيلول ما اعتبره
الأخير إعلاناً للحرب عليه، وهو ما تحقق لاحقاً مع بدء العمليات العسكرية الفعلية
مطلع هذا الشهر.
الهوة
العميقة الفاصلة بين رؤيتي مقلي الفيدرالية وأديس المركزية للنظام السياسي الأمثل
لحكم إثيوبيا جسدتها الحرب وما تلاها من قرارات تؤكد صعوبة الوصول إلى توافق بين
الطرفين، وأن اللجوء إلى السلاح كان السبيل الوحيد أمام أحمد لإزالة العائق
السياسي الرئيسي الحائل بينه وبين تطبيق فلسفته السياسية على أرض الواقع.
الأمهرة والتيغراي.. الأحقاد العرقية في ساحة المعركة
يمثل الأمهرة أحد أضلاع مثلث الصراع الدائر في إثيوبيا الآن، وقد
تمتعت هذه القومية بالهيمنة المطلقة على السلطة في أديس أبابا حتى إسقاط آخر الحكام
من أبنائها العقيد منغستو هيلاماريام في مايو/أيار 1991 على يد الجبهة الشعبية
لتحرير تيغراي.
ورغم أن إثيوبيا تُعرف بـ”متحف الشعوب” فقد عمل حكامها
من الأمهرة بجبروت السلطة على ترسيخ مركزية قوميتهم في الحياة السياسية والثقافية
الإثيوبية على حساب غيرها من الشعوب، وهو ما أوجد نفوراً عميقاً تجاهها من القوميات
الأخرى على رأسها التيغراي المنافس التاريخي للأمهرة على حكم الهضبة الإثيوبية.
وشهد التباعد المستمر بين قيادة إقليم التيغراي ورئيس الوزراء
آبي أحمد المنتمي لقومية الأورومو تقارباً مماثلاً
بين الأخير وسياسيين من القوميين الأمهرة، على أرضية رفض نظام الفيدرالية الإثنية
والعودة إلى نظام حكم مركزي لإدارة البلاد، وهو ما تجلى في انضمام حركة أمهرة
الوطنية الديمقراطية إلى تأسيس حزب الازدهار الإثيوبي بقيادة أحمد.
وبرز النزاع على تبعية أراضٍ في منطقة ولقايت وغيرها، يطالب
الأمهرة باستعادتها من تيغراي، كأحد الأسباب وراء دعم القوميين الأمهرة للحرب على
الإقليم، واندفاع مليشيات محلية إلى المشاركة في القتال إلى جانب الجيش الفيدرالي
أمام القوات التيغراوية.
كما لم يكن من المصادفة إجراء رئيس الوزراء مجموعة من
التغييرات بعد اندلاع الأعمال العسكرية، شهدت تعيين القيادي القومي الأمهري
ديميك مكونن وزيراً للخارجية، ورئيس إقليم أمهرة المستقيل تيميسغن تيرونه رئيساً
للاستخبارات.
إدخال البعد القومي في
المعركة بالتحالف مع القوميين الأمهرة لا يضيق هامش المناورة أمام رئيس الوزراء
فقط، لكنه يزيد من تأجيج الصراع ودمويته من جهة، كما يهدد من جهة أخرى بتحوله في
حال تطاول أمده دون حل بانتقال الاشتباكات العرقية، التي شاركت فيها المجموعات
العرقية المختلفة خلال السنتين الماضيتين، إلى مرحلة جديدة قد تؤدي إلى تفكك
الدولة الإثيوبية.
الرئيس الإرتري.. الانتقام المتأخر
منذ اندلاع الحرب
الإثيوبية الإرترية 1998-2000 اتسمت العلاقة بين الرئيس أسياس أفورقي وقيادة
إقليم تيغراي بالعدائية المفرطة، إذ أدى عدم التزام الأخيرة بإعادة أراضٍ إرترية
تقع تحتلها إلى سيادة أسمرة، وفقاً لقرار التحكيم الدولي بين الطرفين، إلى دخول
البلدين في حالة من اللا حرب واللاسلم قرابة عقدين من الزمان.
مثّل وصول آبي أحمد إلى رئاسة الوزارة في بلاده منعطفاً في
العلاقة بين أسمرة وأديس أبابا، حيث أعلن رغبته في تطبيق القرار المذكور وقام
بتوقيع اتفاق سلام مع الرئيس الإرتري، كان مدخلاً لحلف متين بين الطرفين ضمن
مشروع إقليمي ترعاه الإمارات والسعودية، وعلى قاعدة عداء مشترك للجبهة الحاكمة في
تيغراي.
وكان أفورقي من
المنتقدين الدائمين علنياً لنظام الفيدرالية الإثنية، ومن المحرضين على الجبهة
الحاكمة في تيغراي واصفاً إياها بأنها عامل تدمير لإثيوبيا والعدو الرئيسي لبلاده،
وهو ما جعل القيادة التغراوية تشعر بأنها مستهدفة بالتحالف بين أسمرة وأديس، ولا
سيما في خضم حملة الشيطنة والإقصاء التي تعرضت لها داخل إثيوبيا بعد تنازلها عن
السلطة لآبي أحمد.
ورغم إعلان إرتريا وقوفها على الحياد إزاء الصراع في الداخل الإثيوبي،
فإن مقلي اتهمت أسمرة بالمشاركة في الحرب على عدد من الجبهات بجانب القوات
الإثيوبية، وبأن أراضيها أصبحت مسرحاً لنشاطات عسكرية معادية، وهو ما صرح به
مسؤولون من تيغراي على رأسهم ديبصيون غبرميكائيل حاكم إقليم تيغراي، كما تم قصف
مواقع داخل إرتريا منها العاصمة أسمرة بالصواريخ، مع التهديد بالمزيد من القصف في
حال استمرار الموقف الإرتري على حاله، وهو ما لم يصدر تعليق رسمي من الحكومة
الإرترية عليه.
الكراهية العميقة من
الرئيس أفورقي للجبهة الشعبية الحاكمة في إقليم تيغراي، وشعوره بأنها مهدد رئيسي
لنظام حكمه الاستبدادي، يمثلان وفقاً لمراقبين عامل تأزيم للصراع بين أديس ومقلي
وتحويله إلى حرب صفرية بينهما، وعلى هذا الصعيد يلتقي مع أحمد الذي يرى أن قيادة إقليم
تيغراي تحول دون إكمال إجراءات عملية السلام مع إرتريا التي تمثل له مدخلاً أساسياً
لتوطيد البعد الإقليمي لمشروعه السياسي.
المصدر: TRT عربي