قراءة في عوامل وأسباب فشل الحملة الإسرائيلية ضد حركة المقاطعة
[ad_1]
بعد مرور عدة سنوات على بدء الحملة الإسرائيلية الموجهة ضد حركة المقاطعة العالمية BDS، التي وُلدت عملياً في مؤتمر ديربان لمكافحة العنصرية في 2001 بجنوب إفريقيا، فإن النتائج المتوافرة على الأرض تؤكّد فشل إسرائيل في مشروعها لمكافحة الحركة.
تزايدت في الآونة الأخيرة الاعترافات الإسرائيلية بفشل المواجهة مع حركة المقاطعة العالمية BDS، رغم الموازنات المالية الهائلة، وتجنيد الجاليات اليهودية حول العالم للانخراط في هذه المواجهة، لا سيما مع اتساع رقعة هذه المقاطعة وجهود نزع الشرعية عن إسرائيل.
السطور التالية تناقش أبرز أسباب الفشل الإسرائيلي في مواجهة البي دي إس، هل هي مالية أم سياسية أم أمنية، وكيف تنعكس على زيادة عمل حركة المقاطعة، واتساع المؤيدين لها، وتأثيره على إسرائيل وصورتها السلبية حول العالم.
بعد مرور عدة سنوات على بدء الحملة الإسرائيلية الموجهة ضد حركة المقاطعة العالمية BDS، التي وُلدت عملياً في مؤتمر ديربان لمكافحة العنصرية في 2001 بجنوب إفريقيا، فإن النتائج المتوافرة على الأرض تؤكّد فشل إسرائيل في مشروعها لمكافحة الحركة، إذ نِيطَ منذ ثلاث سنوات بوزارة الشؤون الاستراتيجية المهمة الحصرية عن هذا الملف برئاسة الوزير الليكودي غلعاد أردان، المعين حديثاً سفيراً إسرائيلياً في الأمم المتحدة والولايات المتحدة.
المعلومات الإسرائيلية المسربة مؤخراً قالت إنه بعد مرور هذه السنوات، قامت الحكومة الإسرائيلية مؤخرا بفحص نتائج المشروع، واكتشفت أن ملاحقة البي دي إس تواجه إخفاقات متلاحقة، وما زال العديد من الخطط المعدة محفوظة في مكاتب آمنة بعيداً عن التنفيذ، رغم الموازنات المالية المتوافرة، وتجنيد الجاليات اليهودية حول العالم في بعض المهام والأنشطة، لكن الإجراءات البيروقراطية شكلت أحد أسباب ذلك الإخفاق.
مع العلم أن من أشرف على الجهود الإسرائيلية ضد بي دي أس هما الجنرالان يعكوب عميدرور رئيس مجلس الأمن القومي الأسبق، ويوسي كوبرفاسر الرئيس الأسبق لشعبة الأبحاث في جهاز الاستخبارات العسكرية “أمان”، وبذلا مع طواقمهما العديدة جهوداً كبيرة ضد المنظمات الحقوقية التي تنخرط في دعاية معادية لإسرائيل.
أحد أسباب الفشل الإسرائيلي في مواجهة حركة المقاطعة تركز في أن هذه الجهود اقتصرت ضد الطلاب والمحاضرين والمثقفين الذين يجرؤون على انتقاد السياسات الإسرائيلية في فصولهم ومحاضراتهم، في إسرائيل وخارجها، وقد دأبت المؤسسات الإسرائيلية المكلفة هذا الملف على نشر أسماء وأرقام هواتف عشرات المحاضرين، ودعوا الطلاب إلى مقاطعة دوراتهم، وأرهبوا الجامعات المحلية ضدهم، وهذا سلوك ثبت أنه غير ناجح.
يوجه الإسرائيليون جملة انتقادات شديدة حول الأداء الخاص بملاحقة البي دس أس، ومن بينها سوء توزيع الصلاحيات بين الوزارات ذات الصلة، بخاصة الخارجية والشؤون الاستراتيجية والشتات، حتى إن تقرير مراقب الدولة في إسرائيل وضع يده على حالة من عدم صياغة السياسات والتعاون بين هذه الوزارات.
الغريب أن الحكومة الإسرائيلية تُخفِي بصورة رسمية ميزانية هذا الملف لأسباب أمنية، رغم أنه ليس هناك ما يبرر إبقاءها سرية، لكن المعطيات المتوافرة تتحدث عن نفسها، فميزانية وزارة الشئون الاستراتيجية لعام 2019 تبلغ 120 مليون شيكل، والدولار يساوي 3.4 شيكل.
الإخفاق الإسرائيلي ذو الأهمية اللافتة يتركز في الإهمال الإسرائيلي لساحة التكنولوجيا الرقمية في مجال التواصل الاجتماعي، رغم أن هذه الساحة لها دور مهم بتشكيل الرأي العام، والتأثير فيه، وهو ما تعتمده حركة المقاطعة، لذا فهي حيوية في الحرب على الوعي، الأمر الذي لم تمنحه الوزارات الإسرائيلية الموارد اللازمة لمواجهة الخطاب المعادي للسامية، ومعاداة إسرائيل على شبكة الإنترنت، رغم الحاجة الأكبر بكثير لتعبئة الجمهور الإسرائيلي ليكون لاعباً في القضية.
يبدو غريباً أن يتحدث الإسرائيليون عن إخفاق جهودهم في مواجهة حركة المقاطعة، رغم تجنيد الوكالة اليهودية وفروعها كافة المنتشرة في العديد من أرجاء العالم، حيث تتركز أنشطتها على المستوى الميداني، ومنتشرة عبر آلاف المبعوثين حول العالم، وزملاء إسرائيل في الحرم الجامعي، ممن يقومون بأعمال تواجه حركة المقاطعة.
كل ذلك يؤكد أن الحرب التي تخوضها إسرائيل ضد حركة المقاطعة، لا تزال بعيدة عن نهايتها، لأنها حرب مستمرة، وصراع متواصل، تتغير فيه الأسلحة المستخدمة بصورة دائمة، رغم أن إسرائيل حققت فيها إنجازات ملموسة من خلال جملة قرارات اتخذتها عدة دول حول العالم على صعيد ملاحقة معاداة السامية، لكن المثير والغريب يتمثل في خروج أصوات إسرائيلية مؤيدة لحركة المقاطعة، ودعواتها هذه تصل إلى المؤسسات الأكاديمية التي يعملون فيها.
ورغم كل القرارات التي صدرت مؤخراً في بعض الدول ضد حركة المقاطعة، لكنها لا ترى فيها هزيمة أو تراجعاً، ففي كل محفل تتعرض للحظر أو الملاحقة، فإن ذلك يساعدها على تشويه صورة إسرائيل، ومواصلة نزع الشرعية عنها، ووصفها بأنها دولة أبارتهايد.
وقد دفعت النجاحات التي حققتها حركة المقاطعة بالحكومة الإسرائيلية إلى إعداد تقرير تفصيلي استشهد بأكثر من ثمانين نموذجاً معادياً تعتمدها حركة المقاطعة في شيطنة إسرائيل واليهود، وفق المزاعم الإسرائيلية، عرضه الوزير غلعاد أردان أمام النواب الأوروبيين، وجاء تحت عنوان “خلف القناع”، واستغرق إنجازه نصف عام، ويُعتبر جزءاً من الجهد الهجومي الإسرائيلي ضد منظمات المقاطعة.
هدف التقرير الإسرائيلي في 90 صفحة إلى تشويه حركة المقاطعة، وتحريض الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي ضدها، وتضمن ثمانين مثالاً ونموذجاً تستخدمها حركة المقاطعة، تُظهِر اليهود الإسرائيليين ذوي أنوف طويلة معقوفة كشخصية شيطانية، واستخدام صور الخنازير، ويتحكمون في الفلسطينيين والعالم كله، وتعيدهم إلى أيام العصور الوسطى، وتتهمهم بتسميم آبار المياه، وشرب دماء الأطفال الصغار احتفالاً بعيد الفصح، ويقفون على أجساد أطفال ميتين، وتسيل الدماء من ألسنتهم، فضلاً عن استخدام مفردات ومصطلحات تاريخية تتحدث عن سيطرة اليهود على البنوك والمصارف حول العالم، وسرقة أعضاء البشر، وتتم مساواتهم بالجن والحيوانات، وتشبيه الزعماء الإسرائيليين بالنازيين.
مع العلم أن السياسة الإسرائيلية ضد حركة المقاطعة ونشطائها المنتشرين حول العالم باتت تأخذ إجراءات أكثر شدة وصرامة من خلال التعاون مع دول أخرى مثل الولايات المتحدة وألمانيا وسويسرا، وتشمل الإجراءات طردهم من بعض الدول، وعدم السماح لهم بدخولها، وإغلاق الحسابات البنكية الخاصة بهم، لا سيما من الأدباء والكتاب والصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان وعناصر المجتمع المدني الذين يتصدرون حملة المقاطعة ممن تسميهم الوزارة الإسرائيلية “مخربين يرتدون ربطات عنق”.
كل ذلك يؤكد، وفق آراء الخبراء الإسرائيليين المنخرطين في هذه المواجهة، أنه من المبكر الحديث عن انتصار إسرائيلي على حركة المقاطعة، رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها، ووصلت ذروتها في توزيع منح مالية على منظمات ونشطاء على شبكات التواصل لتنظيم حملات دعائية ضد حراكات نزع الشرعية عن إسرائيل والبي دي إس داخل الدول التي تنشط فيها هذه الحركة.
تم اتخاذ هذا القرار غير المسبوق في أعقاب مطالب أرسلها نشطاء إعلاميون في الخارج مؤيدون لإسرائيل في كل لقاء يعقدونه مع مسؤولي وزارة الشؤون الاستراتيجية، وتمثلت الخطوة الأولى من نوعها في إعلان يوجه إلى المنظمات المؤيدة لإسرائيل للحصول على تمويل مالي لتغطية نشاطاتهم، وهذه الدول هي: بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا وكندا والبرازيل والأرجنتين والمكسيك وجنوب إفريقيا والولايات المتحدة، وكل ذلك بهدف منح مؤيدي إسرائيل حول العالم المزيد من الدعم والإسناد بحربهم التي يخوضونها ضد نشطاء حركة المقاطعة.
أكثر من ذلك، فقد تم الحديث عن مشروع قانون إسرائيلي يقضي باستقطاع موازنات مالية من جامعات ومؤسسات أكاديمية إسرائيلية يعمل أفرادها على تشجيع حركة المقاطعة على إسرائيل، استكمالاً لجهود منع ترويج مفاهيم المقاطعة فيها، بعد حظر ذلك على الأكاديميين والمحاضرين الجامعيين الذين يستدعون ضغطاً دولياً على إسرائيل، وبموجب القانون يكون من صلاحية وزير التعليم تقليص الموازنات المالية المخصصة لتلك الجامعات، وتخفيض راتب كل محاضر ينشط في الفاعليات المعادية لإسرائيل.
تتزايد الحملات الإسرائيلية ضد حركة المقاطعة بعد تنامي نشاطاتها، التي أصبحت تتنقل بين الفاعليات الأكاديمية إلى الرياضية، ومنها إلغاء مباراة الأرجنتين في إسرائيل، وتحقيقها نجاحات واضحة في الآونة الأخيرة، بمنع عرض بعض الفاعليات والاحتفالات.
أخيراً، قد تقف أسباب وعوامل أخرى خلف الإخفاق الإسرائيلي في مواجهة البي دي إس، بينها ما تواجهه إسرائيل في الآونة الأخيرة من تحديات هامة، بما فيها القرار الجنائي المتوقع للجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وتزايد معاداة السامية عبر الإنترنت، بجانب الأزمات الصحية والاقتصادية العالمية التي تخلق الاضطرابات، وعدم الاستقرار الاجتماعي في العالم، وهي أرض خصبة لظهور الإجراءات المعادية لإسرائيل.
جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.
المصدر: TRT عربي