الماء هو مصدر الحياة والشفاء. خطبة الجمعة في تركيا بالعربي 11.12.2020
الماء هو مصدر الحياة والشفاء
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَامُ!
إِنَّ “الماء” هُوَ أَحَدُ النِّعَمِ الْأَكْثَرِ قِيمَةً وَالَّتِي وَهَبَهَا لَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ. وَبِتَعْبِيرِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ “وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ”[1]، وَكُلُّ حَيٍّ يَعِيشُ حَيَاةً مُرْتَبِطَةً بِالْمَاءِ. فَالْمَاءُ هُوْ مَصْدَرُ حَيَاتِنَا وَبَرَكَةٍ لِتُرَابِنَا. وَإِنَّ صِحَّةَ أَبْدَانِنَا وَنَظَافَتِهَا وَالرَّحْمَةَ وَالْجَمَالَ لِبِيئَتِنَا تَأْتِي مَعَ الْمَاءِ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَفَاضِلُ!
إِنَّ دِينَنَا الْإِسْلَامِيَّ الْجَلِيلَ يَأْمُرُ بِاِسْتِخْدَامِ الماء بِاِعْتِدَالٍ وَبِعَدَمِ الْإِسْرَافِ فِيهِ. فَقَدْ حَذَّرَ رَسُولُنَا الْأَكْرَمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدَ الصَّحَابَةِ عِنْدَمَا رَآهُ وَهُوَ يُسْرِفُ فِي الْمَاءِ أَثْنَاءَ وُضُوئِهِ بِقَوْلِهِ، “ مَا هَذَا السَّرَفُ”، وَعِنْدَمَا سَأَلَهُ الصَّحَابِيُّ “أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ ؟” أَجَابَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ، “نَعَمْ ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ”[2] فَإِنَّ تَحْذِيرَ رَسُولِنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا يُذَكِّرُنَا بِأَنَّ الْمَاءَ هُوَ نِعْمَةٌ ثَمِينَةٌ لَا يَجِبُ أَنْ يَتِمَّ هَدْرُهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ حَتَّى وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بِقَصْدِ الْعِبَادَةِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِلُ!
إِنَّ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ: “وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ”[3]
وَجَمِيعُنَا نَعْلَمُ أَنَّ كَنْزاً مِثْلَ الْمَاءِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَدَّرَ بِثَمَنٍ. وَإِنَّهُ إِذَا مَا أَصْبَحَ مَاؤُنَا غَوْراً فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْتِيَ لَنَا بِهِ غَيْرَ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ.
وَبَيْنَمَا هُنَاكَ الْمَلَايِينُ مِنَ النَّاسِ الْيَوْمَ مِمَّنْ يَعِيشُونَ لَهْفَةَ الْحُصُولِ عَلَى قَطْرَةِ مَاءٍ نَظِيفٍ وَعَذْبٍ فَوْقَ هَذِهِ الْأَرْضِ، فَإِنَّ مَا يَقَعُ عَلَى عَاتِقِنَا نَحْنُ هُوَ الشُّكْرُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شُكْراً كَثِيراً: “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَكَفَانَا وَآوَانَا”[4]
فَلْنُدْرِكْ قِيمَةَ النِّعْمَةِ وَلْنَتَصَرَّفْ بِوَعْيٍ أَثْنَاءَ اِسْتِخْدَامِنَا لِلْمَاءِ لِمَا يَقْتَضِيهِ هَذَا الشُّكْرُ. فَلَا يَجِبُ أَنْ نُلْقِي بِمْسْتَقْبَلِنَا إِلَى التَّهْلُكَةِ مِنْ خِلَالِ اِسْتِهْلَاكِ مَا يَزِيدُ عَنْ حَاجَتِنَا مِنْ الْمَاءِ. وَلَا يَجْدُرُ بِنَا أَنْ نَقَعَ فِي الْوَبَالِ مِنْ خِلَالِ التَّعَدِّي عَلَى حَقِّ الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ الْأُخْرَى.
إِخْوَانِي الْأَفَاضِلُ!
كَمَا تَعْلَمُونَ، فَإِنَّ هُنَاكَ حَاجَةً لِلْمَاءِ وَالْمَطَرِ فِي بِلَادِنَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الَّتِي نَمُرُّ فِيهَا بِأَكْثَرِ السِّنِينَ جَفَافاً فِي الْآوِنَةِ الْأَخِيرَةِ. فَإِنَّنِي أَدْعُوكُمْ أَيُّهَا الْجَمْعُ الْكَرِيمُ إِلَى الْمُشَارَكَةِ فِي دُعَاءِ الْاِسْتِسْقَاءِ الَّذِي سَنَقُومُ بِهِ عَقِبَ فَرْضِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ.
[1] سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ، الْآيَةُ: 30.
[2] اِبْنُ مَاجَهَ، كِتَابُ الطَّهَارَةِ، 48.
[3] سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ، الْآيَةُ: 18.
[4] صَحِيحُ مُسْلِمْ، كِتَابُ الذِّكْرِ، 64.
المُدِيرِيَّةُ العَامَّةُ لِلْخَدَمَاتِ الدِّينِيَّة
التَّارِيخُ: 11.12.2020