الثقافة من منظور علم الآثار: حقيقة ومدلول
مع أوائل القرن التاسع عشر اعتبر علم الآثارعلم الآثار مكملا للتاريخ في أغلب الأمر وكان هدف علماء الآثار تحديد القطع الأثرية وفقا لتصنيفها وموضعها بين الطبقات الأرضية وبالتالي تحديد موقعها الزمني والمكاني.
ودعا العالم فرانز بواس Franz Boas إلى أن يكون عليم الآثار واحدا من المجالات الأربعة للأنثروبولوجيا الاميركية كما زعم أيضا أن المناقشات التي تدور في فلك علماء الآثار كثيرًا ما يوازيها تالك المناقشات التي تدور في أروقة علماء الأنثروبولوجيا الثقافية.
وفي الفترة ما بين 1920 و1930 بدأ كل من عالم الآثار الاسترالى ذو الأصل البريطانى V جوردون شيلد V Gordon Childe والأميركي و سى ماكيرنW C التحرك بشكل مستقل من السؤال عن تاريخ القطعة الأثرية للسؤال عن أولئك الذين قاموا بإنتاجها—عندما يقوم علماء الآثار بالعمل جنبا إلى جنب مع المؤرخين فإن المواد التاريخية عموما ما تساعد على الإجابة على مثل هذه الأسئلة ولكن عندما لا تتوفر المواد التاريخية فلابد من أن يقوم الاثريون باستحداث أساليب جديدة.
هذا وقام كل من تشيلد Childe وماكيرن McKern بالتركيز على تحليل العلاقات بين الأشياء التي يتم العثور عليها معا؛ الأمر الذي أدى إلى التوصل إلى أساس لنموذج ثلاثي المستويات:
قطعة أثرية فردية لها سطح وشكل والصفات التكنولوجية (مثل رأس السهم).
تجمع من القطع الأثرية التي عثر عليها والتي كان من المحتمل استخدامها معا (مثل رأس السهم القوس والسكين).
تجمع أو عدة تجمعات من القطع الأثرية والتي تشكل معا الموقع الأثري (مثل رأس السهم القوس والسكين؛ الوعاء وبقايا الموقد؛ والمأوى).
ومما وصل إليه تشايلد أن “تكرار وجود القطع الأثرية قي تجمعات ” يمكمن أن يعد نوعا من الثقافة “الأثرية” كما ينظر تشايلد وآخرون “لكل ثقافة الأثرية على أنها مظهر مادي لأشخاص معينين.”
وفي عام 1948 قام والتر تايلور Walter Taylor بتقنين الأساليب والمفاهيم التي وضعها علماء الآثار لتكون نموذجا عامًا للمساهمة الأثرية لمعرفة الثقافات.
حيث بدأ بمحاولة لفهم الثقافة بوصفها نتاجا للنشاط المعرفي للإنسان والتأكيد البوسينى على المفاهيم الموضوعية للكائنات في ضوء السياق الثقافي لها.
هذا وقام بتعريف الثقافة على أنها ا “ظاهرة عقلية التي تتألف مما يشتمل عليه العقل وليس من الأشياء المادية أو السلوك الخاضع للملاحظة.”
ثم قام بوضع نموذج ثلاثي المستويات للربط بين الأنثروبولوجيا الثقافية والآثار والذي وصفه بأنه علم الآثار الموصل:
الثقافة الغير خاضعة للملاحظة والغير مادية.
السلوكيات الغير مادية الناتجة عن الثقافة والتي يمكن ملاحظتها.
الهدف والغاية النهائية مثل الأعمال الفنية والمعمارية والتي هي نتيجة للسلوك والمادية.
هذا هو والمصنوعات المادية ما هي إلا من بقايا الثقافة ولكن ليست الثقافة نفسها.
وكان ما يقصده تايلور هو أن السجل الأثري يمكن أن يسهم في المعرفة الأنثروبولوجية ولكن فقط إذا قام علماء الآثار بتصور عملهم على أنه ليس مجرد التنقيب عن الآثار وتسجيل مواقعها في الزمان والمكان ولكن ما يمكمن استنتاجه من السلوكيات التي من شأنها إنتاج واستخدام تلك المواد ومن ثم استنتاج الأنشطة العقلية التي يقوم بها الناس.
على الرغم من أن العديد من علماء الآثار قد وافقوا على ان البحث كان جزء لا يتجزأ من الأنثروبولوجيا إلا ان برنامج تايلور لم ينفذ بالكامل أبدا.
أحد الأسباب في ذلك هو أن نموذجه الثلاثى المستويات للاستدلالات تطلب الكثير من العمل الميداني والتحليل المختبري ليكون عمليا.
وعلاوة على ذلك فكان يرى أن البقايا المادية التي ليست في حد ذاتها مكونات ثقافية مما أدى إلى محوها من الثقافة في واقع الأمر أدت إلى تهميش علم الآثار بالنسبة إلى لأنثروبولوجيا الثقافية.
وفي عام 1962 قام لويس بنفوردLewis Binfordا تلميذ ليزلى وايت بتقديم اقتراحا فيما يتعلق بعلم الآثار الأنثروبولوجي والذي يسمى “علم الآثار الجديد” أو”علم الآثار الإجرائى” وذلك على أساس تعريف وايت للثقافة بأنها “وسيلة – جسدية إضافية للتكيف لجسم الإنسان.
” ] وقد سمح هذا التعريف لبنفورد بتأسيس علم الآثار كإحدى المجالات الهامة من أجل السعي لمنهجية البيئة الثقافية لجوليان ستيوارد:
وتعدّ الدراسة المقارنة للنظم الثقافية باستخدام الأساليب التكنولوجية المتغيرة في مجموعة وتكنولوجيات بيئية مماثلة أو مشابهة في بيئات مختلفة هي المنهجية الرئيسية لما أطلق عليه ستيوارد (1955: 36-42) “البيئة الثقافية” كما أنه بالتأكيد وسيلة قيمة لزيادة قدرتنا على فهم العمليات الثقافية.
كم أن مثل هذه المنهجية مفيدة أيضا في توضيح العلاقة البنيوية بين الفروع الثقافية الكبرى مثل النظم الفرعية الاجتماعية والأيديولوجية.
وبعبارة أخرى فقد قام بنفورد بتقديم علما للآثار بحيث يكون مشروعا محوريا من علماء الأنثروبولوجيا الثقافية المهيمنة في ذات الوقت (الثقافة بوصفها غير قابلة للتعديلات الوراثية بالنسبة إلى البيئة) كما كان علم الآثار “الجديد” يمثل الأنثروبولوجيا الثقافية (في شكل البيئة الثقافية أو الأنثروبولوجيا الايكولوجية) للماضي.
في عام 1980 كانت هناك حركة في المملكة المتحدة وأوروبا ضد وجهة نظر علم الآثار باعتبارها مجالا من مجالات الأنثروبولوجيا مرددين في ذلك رفض رادكليف براون في وقت سابق للأنثروبولوجيا الثقافية.
وخلال الفترة نفسها قام عالم الآثار التابع لجامعة – كامبردج إيان هودر Ian Hodder ” علم الآثار ما بعد الإجرائي”كبديل.
مثل بنفورد (وخلافا لتايلور) لا يرى هودر المواد على أنها أشياء تدل على الثقافة بل يراها الثقافة نفسها.
ومع ذلك وخلافا بنفورد فلا ينظر هودر إلى الثقافة باعتبارها التكيف مع البيئة.
بدلا من ذلك فهو على اعتقاد جازم فيما يخص ” النسخة السيميائية للسوائل لمفهوم الثقافة التقليدية والتي من خلالها يعد كل من العناصر المادية والفنية نوعا من المشاركة الكاملة في كل من إنشاء ونشر والتغيير وتلاشى المجمعات الرمزية.
” وفي كتابه استخدام الرموز في التعبير الحركي الذي نشر في عام 1982 تثير الأنثروبولوجيا الرمزية لكل من غيرتز شنايدر مع التركيز على سياق المعاني للأشياء الثقافية وذلك كبديل لوجهة نظر ستيوارد ووايت المادية للثقافة.
أما في العام 1991 فقد أوضح هودر في كتابه قراءة الماضي: الطرق الحالية للتفسير في علم الآثار وهى أن علم الآثار هو أكثر توافقا مع التاريخ من الأنثروبولوجيا.
المصدر: ويكيبيديا