الخليج العربي على مفترق الطرق بشأن النظام السوري و الإمارات تقود جهود التطبيع..اليك التفاصيل
أمام التحركات السياسية الأخيرة للعديد من الدول العربية، المتعلقة بإعادة الوضع الدبلوماسي للنظام السوري إلى ما كان عليه قبل الثورة السورية، أي العودة إلى الجامعة العربية وتطبيع العلاقات السياسية، يبدو جليًا انقسام الموقف الخليجي حيال آلية التعامل مع النظام السوري.
وفي حين أجرت بعض الدول الخليجية خطوات من شأنها تحقيق تقارب مع النظام، رغم تصريحات أمريكية متواترة لا تشجع على التطبيع، وتؤكد الموقف الأمريكي من عدم رغبة واشنطن بتطبيع علاقاتها مع النظام السوري، تقف دول أخرى على الضفة الثانية مبدية تمسكها بمواقفها من النظام، في ظل عدم أي تغيير في سياسته إزاء الملفات التي شكّلت مثار خلاف مع تلك الدول.
الإمارات تقود جهود التطبيع
في 9 من تشرين الأول 2021، استقبل رئيس النظام السوري، بشار الأسد، وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، برفقة وفد رفيع المستوى في العاصمة السورية دمشق، في أول زيارة من نوعها منذ اندلاع الثورة في سوريا عام 2011.
زيارة ابن زايد التي فتحت الباب أمام خطوات جريئة تجاه النظام السوري، ليست الموقف الإماراتي الأول من هذا النوع، إذ سبقتها، في آذار 2021، تصريحات لابن زايد خلال مؤتمر صحفي جمعه بنظيره الروسي، سيرغي لافروف، في العاصمة الإماراتية، أبو ظبي، أكد خلالها أن مشوار عودة سوريا إلى محيطها الإقليمي بدأ، وهو أمر لا مفر منه، وفق تعبيره.
كما لفت ابن زايد خلال اللقاء نفسه إلى نية بلاده مناقشة قانون “قيصر” الذي تفرضه واشنطن على النظام السوري، مع الولايات المتحدة، معتبرًا القانون “التحدي الأكبر” أمام التنسيق والعمل المشترك مع سوريا.
ورغم تقديم حكومة أبو ظبي الدعم لبعض الفصائل السورية المسلحة المعارضة، خاصة في المنطقة الجنوبية، إلى جانب دعمها غرفة “موك” التي أُقيمت في الأردن بإشراف التحالف الدولي، اتجهت لمنح علاقتها بالنظام تقاربًا أكبر، من خلال اتصال ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، بالأسد، في آذار 2020، لبحث تداعيات انتشار فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، الأمر الذي اعتبره ابن زايد تضامنًا إنسانيًا في أوقات المحن.
واستبقت أبو ظبي تلك الجهود التي تصب في مصلحة النظام، بإعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق، في 27 من كانون الأول 2018، بعدما أغلقتها عام 2012 مع الدول الخليجية الأخرى، بسبب استخدام النظام القوة المفرطة بحق المتظاهرين والتسبب بإراقة الدماء.
وبررت أبو ظبي إعادة فتح سفارتها من منطلق التأكيد على “حرص الإمارات على إعادة العلاقات بين البلدين الشقيقين إلى مسارها الطبيعي، بما يعزز ويفعّل الدور العربي في دعم استقلال وسيادة الجمهورية العربية السورية ووحدة أراضيها”، بحسب ما ورد في بيان للخارجية الإماراتية حينها.
انسجام بحريني
أظهرت العديد من القضايا الإقليمية وذات الاهتمام المشترك، انسجامًا في الموقف البحريني مع الموقف الإماراتي في أكثر من قضية، وبدا ذلك بوضوح من خلال إعادة البحرين فتح سفارتها في دمشق بعد يوم واحد فقط من إعلان الإمارات عن خطوة مماثلة.
وعزت الخارجية البحرينية القرار إلى حرص المنامة على “استمرار العلاقات مع دمشق، وأهمية تعزيز الدور العربي وتفعيله، للحفاظ على استقلالية سوريا وسيادتها”.
وفي 30 من كانون الأول 2021، عيّنت البحرين “سفيرًا فوق العادة مفوّضًا” في دمشق، بقرار ملكي صادر عن الملك البحريني، حمد بن عيسى آل خليفة.
وكانت البحرين أغلقت سفارتها في دمشق، في آذار من عام 2012، واتخذت موقفًا داعمًا للمعارضة السورية، ورحّبت بالقصف الجوي الأمريكي على مواقع للنظام السوري، واعتبرت أن العملية العسكرية كانت ضرورية لحماية المدنيين ووقف استخدام الكيماوي، وأبدت دعمها للغارات التي استهدفت مواقع عسكرية للنظام السوري.
واشنطن غير راضية
أعلنت الولايات المتحدة في أكثر من مناسبة عن عدم تشجيعها جهود التطبيع مع النظام السوري.
وبعد الزيارة الإماراتية إلى دمشق، أكد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، خلال مؤتمر صحفي، عن قلق بلاده من التقارير الخاصة بهذا الاجتماع والإشارة التي يرسلها، وفق ما نقلته وكالة “رويترز” حينها.
وقال برايس، “كما قلنا من قبل، هذه الإدارة لن تقدم أي دعم لجهود تطبيع أو إعادة تأهيل بشار الأسد الذي هو دكتاتور وحشي”.
كما طالب دول المنطقة بالنظر بعناية في “الفظائع” التي ارتكبها الأسد.
الموقف الأمريكي تجدّد بعد تعيين المنامة سفيرها في دمشق مؤخرًا، إذ شدد متحدث باسم الخارجية الأمريكية على أن بلاده لا تدعم جهود إعادة تأهيل رئيس النظام السوري، ولا تؤيد تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع النظام، بما في ذلك هذه العلاقة.
ووفق ما نقلته قناة “الحرة”، في 31 من كانون الأول 2021، عن المتحدث الذي فضّل عدم ذكر اسمه، فالولايات المتحدة لن ترفع العقوبات أو تدعم جهود إعادة الإعمار في سوريا، حتى إحراز تقدم لا رجوع فيه نحو الحل السياسي.
وكان وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، قال في مؤتمر صحفي، في 13 من تشرين الأول 2021، “نحن لا ندعم جهود التطبيع مع الأسد”.
علاقة متواصلة مع مسقط
حافظت سلطنة عمان على علاقاتها بالنظام السوري على خلاف الدول التي جمّدت أو قطعت علاقاتها خلال الثورة، وهي سياسة توصف بالمحايدة حيال عدد من الملفات الشائكة في المنطقة.
وكان وزير الخارجية العماني، يوسف بن علوي، انتقد، في شباط 2019، مواقف بعض الدول العربية التي تعرقل عودة سوريا إلى الجامعة العربية.
وفي 21 من كانون الثاني 2021، التقى وزير المالية في حكومة النظام، كنان ياغي، بسفير سلطنة عمان في دمشق، تركي بن محمود البوسعيدي، لبحث إمكانية تعزيز التعاون بين البلدين.
وقالت وزارة المالية، في بيان نشرته عبر “فيس بوك”، إن ياغي التقى بسفير سلطنة عمان، وجرى الحديث عن “الموقف الثابت والمتضامن للسلطنة” مع النظام السوري، و”العلاقات الأخوية التي تجمع بين البلدين الشقيقين”.
كما أجرى وزير الخارجية السوري السابق، وليد المعلم، زيارتين إلى مسقط، منذ عام 2011، بالإضافة إلى زيارة وزير الخارجية العماني إلى دمشق، في تموز 2019، ولقائه بالأسد.
وفي 18 من آذار 2021، أجرى وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، زيارة إلى سلطنة عمان، لتكون أول عاصمة عربية يزورها منذ تعيينه وزيرًا للخارجية، كما أنها أول دولة عربية تعيد سفيرها إلى دمشق، في 4 من تشرين الأول 2020.
إعراض قطري وسعودي
أبدت قطر في أكثر من مناسبة موقفها الرافض لإعادة تعويم النظام السوري، واعتبر وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن أسباب تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية لا تزال قائمة، وفق ما نقلته وكالة “الأناضول” التركية، في آذار 2021.
وفي حزيران أيضًا من العام نفسه، جدد آل ثاني موقف بلاده الرافض للتطبيع مع النظام السوري في الوقت الراهن، وفق تصريحات أدلى بها في “منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي”، حين ربط التطبيع مع النظام بحدوث تغييرات على أرض الواقع، وفق تعبيره.
ومع إبداء الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، احتمالية مشاركة النظام السوري في القمة التي ستُعقد في آذار المقبل في الجزائر، نقلت صحيفة “العربي الجديد“، في 21 من تشرين الثاني 2021، عما وصفته بـ”مصدر رفيع المستوى” في الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، أن اتصالات أجرتها الجزائر مع دول عربية، تمخّض عنها اتفاق مبدئي على حضور النظام للقمة، مقابل خطوات تقوم بها دمشق، في ظل اعتراض قطر على خطوة من هذا النوع، وفق ما ذكرته الصحيفة، دون توضيح لنوعية الخطوات التي يفترض أن يقوم بها النظام.
ويتقارب الموقف القطري إلى حد بعيد مع الموقف السعودي الذي جدده مؤخرًا المندوب السعودي لدى الأمم المتحدة، عبد الله المعلمي، حين دعا الأمم المتحدة إلى عدم تصديق ما يسعى النظام لترويجه حول أن الحرب انتهت، مستذكرًا القتلى والمهجرين، كما وصف رئيس النظام السوري بـ”زعيم الإرهاب”، وتساءل عن معنى النصر الذي يتحدث عنه النظام السوري: “ما النصر الذي حققوه إذا وقف زعيمهم على هرم من الجثث؟”.
وأبدت السعودية، في تشرين الثاني 2021، على لسان وزير خارجيتها، فيصل بن فرحان، عدم التفكير في التعامل مع رئيس النظام السوري، إلى جانب دعم العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف بين النظام والمعارضة.
لا فوائد جمّة من التطبيع
المحلل السياسي حسن النيفي، تحدث إلى عنب بلدي حول الرؤية الخليجية للتعامل مع النظام السوري، وقال إن نزوع بعض الدول الخليجية للتطبيع مع النظام السوري ليس وليد اللحظة، لكن تغيّر الإدارة الأمريكية، التي كانت أكثر حزمًا في عهد الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، وعرقلت مسار تطبيع دول أخرى مع النظام، وهشاشة الموقف الأمريكي الحالي، أسباب فتحت الباب أمام بعض الدول للتفكير بالتطبيع مع النظام وتحقيق تقارب متعدد الأوجه.
ودعا المحلل السياسي إلى عدم المبالغة في النظر إلى مثل هذه المواقف، مشيرًا إلى أن ضجيجها الإعلامي يفوق فاعليتها على الأرض، باعتبار وجود بعض المحاذير التي لن تستطيع دول الخليج القفز فوقها باتجاه التقارب مع الأسد، وأبرزها قانون “قيصر” والعقوبات الاقتصادية، ما يعني أن فائدة النظام من هذه العلاقات بعد عودتها، رمزية أكثر منها سياسية.
وحول الفائدة المرجوة من التطبيع مع النظام السوري وما يمكن أن يقدمه للمطبّعين، ربط النيفي مشاريع التطبيع الخليجية مع النظام برغبة تلك الدول بتحقيق تقارب مع إيران أو اتقاء شرها، وفق تعبيره، فالخليج يراقب التصريحات الأمريكية تجاه إيران، ويتحرك سياسيًا بما ينسجم معها، وربما يرى أن التقارب من النظام السوري يشكّل إرضاء لإيران، أو يخلق حالة مهادنة على أقل تقدير.