close
أخبار العالم

مبادرة السلام العربية-التركية و رَجَّة ” الإختيار الممكن” !

مبادرة السلام العربية-التركية

مبادرة السلام العربية-التركية و رَجَّة ” الإختيار الممكن” !

عجز مجلس الجامعة العربية عن تدبير نزاعات عديدة حيث لم يُسْمَح له بإعادة شدِّ أواصر الأخوة العربية. و ذاك ما أتاح لكل من إيران و روسيا و تركيا فرص النفاذ بسهولة من نفق المواثيق المَنقوضة و الديمقراطية المخنوقة. و تَعقدت الأوضاع في دول المنطقة حتى صار المجال السيادي العربي مرتعًا خصبًا لأجندات توسعيَّة عابرة للحدود تستفيد من فوضى التغيير التي زعزعت لحمة الأوطان العربية.

فرغم أن مضامين المادة الخامسة من ميثاق جامعة الدول العربية كانت تسمح بمهمّة التَّوسط لحل الخلافات العربية – العربية. و تتيح لمجلس الجامعة إمكانية العمل من أجل منع وقوع حرب بين دولة و أخرى من الدول الأعضاء ، و إصدار قرارات التحكيم و القرارات الخاصة بالتوسط ، و منع اللجوء إلى القوة لفض المنازعات بين دولتين أو أكثر من دول الجامعة. حيث تعتبر قرارات المجلس في هذا النوع من القضايا نافذة و مُلزِمة.

إلا أن مجلس جامعة الدول العربية راكم الفشل تِلْوَ الفشل لأسباب ذاتية و موضوعية، و لم ينجح في تفعيل القدر الممكن من الأساس القانوني الذي يسمح له بالتدخل الديبلوماسي لمعالجة القضايا التي تخُصُّ المصير المشترك و رأب الصدع و ترميم تصدعات النظام الإقليمي العربي.

لقد توقفت حركةُ جامعة الدول العربية عند دورةٍ إنقِساميّةٍ تدل على حجم الانتكاسات على كافة الأصعدة. و أصبح التغيير الإيجابي مطلبا يروم إعادة صياغة ميثاق جامعة الدول العربية، مما يتطلب بالأساس مصالحات عربية-عربية شجاعة توقِف نزيف الفرقة و الخلاف المُدمر بين دول الخليج و إسقاطاته المتعددة الأبعاد، و تمنع عنَّا شرور معارك سياسية أو حروب دموية تدور رحاها بالوكالة داخل بلدان عربية عديدة.

و إذا كان الحل العقلاني الواقعي يكمن في إحقاق أرضية جديدة للتوافق تسمح بإعادة تدوير عجلة المصالحة العربية، و تنجح في توطيد دعائم الوحدة و التآزر و نبذ عقليات الإقتتال و التطاحن. فإن إجتناب الإقصاء و تغليب الحوار يشكلان أبرز علامات المنهاج الرشيد المؤدي إلى تجاوز المشاكل المعقدة التي تهمُّ الدول العربية.

و من باب الوضوح، اسمحوا لي بتجديد التأكيد على أننا في مسيس الحاجة إلى تيسير سبل الخلاص العربي الذي ينطلق وجوبا من فضيلة إعتراف الجميع بالجميع و عدم التيهان وراء السراب بتحميل مسؤولية النكبة العربية لدولة دون أخرى. ثم من باب الوعي بإكراهات و أعباء المرحلة أشهد أنه ليس بإمكان دول عربية بمفردها -مهما كانت قوتها العسكرية أو المالية- أن تدعي إمتلاك الحقيقة و تفرض رأيها بالغصب و الإكراه ، أو أن تنفرد بتقرير مصير القضايا العربية العالقة.

إن الوئام العربي ليس بالمطلب البعيد المنال إذا ما أدرك القادة العرب المتخاصمون أن الخروج من دوامة الضياع و التضيِيع متاحٌ عبر بوابة ” توافق المروءة ” الذي يرتقي عن سفاسف الضغائن و الأحقاد، و يترفع عن نزوات السيطرة و مغامرات حجر دولة على حقوق الأخرى. ثم يؤسس لجيل جديد من غايات العمل العربي المشترك على المستويين الإقليمي و الدولي.
قم بقراءة أيضا :

هل تسقط القاهرة بين يدَي أردوغان بسبب أخطاء السيسي؟!


و لعل هذا ما يدفعني إلى الجهر بحقيقة أن الجامعة العربية تحتاج إلى نفس إصلاحي يقيها شر التجميد و الضمور، و يساعدها على العودة المظفرة لحل النزاعات الحاصلة بالمنطقة العربية ومنها النزاع الليبي-المصري. مع العمل على تسويتها بشكل يخدم حاضر و مستقبل النظام الإقليمي العربي ، و يحترم سيادة الدول و استقلالية قرارها و سلامة أراضيها، و يضمن حق الشعوب في السلم و الأمان و الديمقراطية و التنمية.

و رغم قتامة المشهد و تَضادِّ المواقف، إلاَّ أن الأزمة الليبية-المصرية تشكل نقطة إرتكاز يجوز الإنطلاق منها لتدشين حِقْبةِ مصالحةٍ عاقلةٍ ترصُّ الصفوف من خلال تفعيل اتفاق الصخيرات الذي احتَضَنَته المملكة المغربية. هذا الإتفاق الذي على جسرِه تستطيع المنظومة العربية العبور إلى إحداث نقلةٍ استراتيجية نافعة تسمح بإجراء تفاوض عربي مباشر مع الطرف التركي من خلال التقبّل العقلاني لحضوره كمُساهم في الحل السياسي الليبي. و تلكُم رجَّةُ مبادرة السلام العربية-التركية التي ترفع شعار ” الإختيار المُمكن” قبل أن تتوالى علينا المصائب و الفواجع، و تتعدَّد أرقام التدخل الخارجي الطامعة في الثروات الليبية ، و تتباعَد منْحَنيات دوَالِّه المُشتَقة. ثم تتحوَّل مَجاهيلُ معادلاتِه الجيو-ستراتيجية إلى حلول دولية مفروضة لا و لن تحمد عقباها.

إننا مطالبون – اليوم- بممارسة النقد الذاتي و ملزمون بالتّعلم من ماضي الأخطاء المشتركة، إذ أنه من غير المقبول الركون إلى منطق المزايدات الشوفينية الفارغة و إنتظار قرار دولي قد يرهن مصير الأزمة الليبية. لذا و درءًا لأخطار سيناريوهات شبيهة لما حصل في اليمن ( إيران ) أو سوريا ( روسيا)، وَجَبَ على مجلس جامعة الدول العربية أن يتعامل مع واقع ” مذكرة التفاهم الليبي-التركي” في سياقها البراغماتي الذي يقودنا إلى الجلوس على طاولةمفاوضات سلام شاملة تحقن دماء العرب و المسلمين و تقينا شرَّ الحرب المصرية-الليبية أو الإقليمية، فَلَن تزيدنا الحلول العسكرية الدموية إلاَّ تَبارًا و خسارًا.

ختاما ، إن تحديات المرحلة قد تجاوزت طرح الأسئلة الثانوية إلى إلزامية تقديم الأجوبة الرئيسية المتعلقة بشكل و طبيعة النظام الإقليمي الجديد بعيدا عن ثنائية الثورة / الثورة المضادة. و هذا ما يتطلب تصحيح تعريف الفعل الثوري كي نستطيع تجاوز فوضى الممارسات العنيفة التي قادت نحو انتشار حالات اللاَّدولة و جعلت من الصراع على الحكم إقتتالاً يفضي بالضرورة إلى الإنقلاب على حقوق الإنسان أو التدخل العسكري الأجنبي.

عبد المجيد مومر الزيراوي
رئيس تيار ولاد الشعب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى