رحل “الصباح” وفي قلبه غصة تسمى أبو ظبي
[ad_1]
رحل أمير الكويت صباح الأحمد جابر الصباح وهو يحمل في قلبه غصة بسبب ما يقوم به بعض قادة الخليج، سواء تجاه بعضهم البعض أو تجاه القضية الفلسطينية التي مازالت لدى الكويت والكويتيين القضية المركزية.
في الوقت الذي يشتد فيه الخناق على القضية الفلسطينية، رحل أحد أبرز من تبقى من الزعماء العرب والخليج، الذين ما زالوا يقفون وينافحون عنها، وهي القضية التي باتت بضاعة مزجاة في سوق المطبّعين من “الصهاينة العرب”.
رحل أمير الكويت صباح الأحمد جابر الصباح وهو يحمل في قلبه غصة بسبب ما يقوم به بعض قادة الخليج، سواء تجاه بعضهم البعض أو تجاه القضية الفلسطينية التي مازالت لدى الكويت والكويتيين القضية المركزية.
وإن كان من الصعب وربما المستحيل معرفة ما كان يجول في عقل وقلب الرجل الذي وافته المنية يوم أمس الثلاثاء، إلا أن استقراءً لآخر الجولات، والمبادرات التي حرص على القيام بها بنفسه تكشف مَن أولئك الذين نغّصوا عليه أيامه الأخيرة، وألحقوا به حزناً شديداً.
الأمر لا يحتاج إلى البحث والتنقيب كثيرا. فقادة أبو ظبي وتحديداً محمد بن زايد، ومن خلال سياساته الاستفزازية، والتحريضية، وحتى الصبيانية تجاه أشقائه من دول الخليج والعرب، قد أورثت الراحل والرجل الكبير الكثير من الهم والحزن، خصوصاً وهو المعروف عنه حبه لرأب الصدع، وجمع ذات البين، وحفظ المودة، والسعي للتقارب والتماسك، وهو ما شهد عليه الكل بعد وفاته، وهو إجماع قلّ ما حظي به زعيم عربي راحل.
ففي الوقت الذي رحل فيه الكثير من الزعماء العرب مؤخراً وعليهم الكثير من اللعنات خصوصاً بعد ثورات الربيع العربي، رحل الصباح وعليه الكثير من الرحمات من شعبه، ومن عموم الشعوب العربية.
حاول الراحل بكل ما يستطيع الإبقاء على مجلس التعاون الخليجي متماسكاً وقوياً. فالكويت، وتحديداً الشيخ الصباح، يعي جيداً ماذا يعنيه أن يكون مجلس التعاون قوياً. فقد كانت نشأة المجلس حمايةً لأمن الخليج إثر احتدام الحرب بين العراق من جهة والجمهورية الإسلامية من جهة أخرى. إن تواجد الكويت جغرافياً بالقرب من هاتين الدولتين الكبيرتين جعل من تعي القيمة الاستراتيجية لتماسك كيان مثل مجلس التعاون الخليجي.
ولكن هناك أطراف لا يعجبها أن يكون هذا الكيان قوياً ومتماسكاً. ففي الوقت التي بدأت رياح التغير تعصف في المنطقة على إثر اندلاع ثورات الربيع العربي نهاية 2010، وعندما بدأ الإقليم ككل يشهد حالة من الغليان وعدم الاستقرار غير مسبوقة، نشبت أزمة بين الإمارات وسلطنة عمان كادت أن تودي بالمجلس.
فقد أعلنت السلطات العمانية في يناير/كانون الثاني 2011 عن كشفها لشبكة تجسس إماراتية كانت تعمل داخل البلاد منذ أشهر. وقد أشارت المصادر العمانية حينها إلى أن تلك الشبكة كانت تستهدف رصد مناطق عسكرية وحكومية. وفي سياق متصل، فقد شاع داخل سلطنة عمان بأن الإمارات هي التي تقف وراء أحداث صحار التي شهدت احتجاجات شعبية عارمة حينها، وذلك بغرض قلب نظام الحكم في مسقط.
وقد تولى الشيخ الصباح، رحمه الله، مهمة حل هذا الخلاف بين أبو ظبي ومسقط، من خلال مبادرة تجمع الفرقاء من أجل الحفاظ على وحدة وتلاحم مجلس التعاون الخليجي. وبالرغم من تجاوز الأزمة، إلا أن علاقة الإمارات الشائكة تجاه عمان بقيت هي التي تسيطر على توجهات أبوظبي ضد مسقط. فعلى سبيل المثال، وبعد وفاة السلطان قابوس بن سعيد، تجدد الخلاف بين الدولتين على منطقة “أم سندم” العمانية حيث باتت تعتبرها الإمارات أنها من ضمن أراضيها كتحصيل حاصل، حتى أنها تجرأت ونشرت خريطة لأراضيها تجعل من أم سندم من حدودها. وهو ما أثار غضب سلطنة عمان.
وما إن هدأت الأوضاع، وسارت الأمور على طبيعتها نوعاً ما، حتى يفاجأ الشيخ الصباح، كما تفاجأ العالم كله، بالخطوة التي اتخذتها الإمارات والسعودية والبحرين في الخامس من يونيو/حزيران 2017 بمقاطعة وحصار قطر تحت ذرائع واهية تتمثل “بدعم الإرهاب” والعلاقة مع إيران.
وقد كانت الدهشة أكبر عندما ظَهر بعد ذلك أنّ الغرض لم يكن فقط الحصار والمقاطعة فقط، بل والغزو العسكري أيضا، وذلك من أجل استبدال أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بغيره، في سيناريو يعيد إلى الأذهان، في حال لو تم، الغزوَ العراقي إبان حكم صدام حسين للكويت، وهو الغزو الذي مازال العالم العربي يدفع ثمنه حتى اليوم، ومازال حاضراً بقوة في وجدان الكويت والكويتيين قادة وشعباً.
لقد أزعج هذا الحصار الأمير الصباح جدا، وأخذ على عاتقه حل الأزمة، ورأب الصدع بين الأشقاء بالرغم من بداية ظهور علامات الضعف على صحته. وقد بقي الشيخ وفياً لهذه الجهود حتى آخر أيامه. ففي آخر أيامه، وقبل أن يسلم الروح لبارئها، صرح الأمير بالقول بأن “لم يعد مقبولا ولا محتملاً استمرار الخلاف بين الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي، لأنه أوهن قدرات المجلس وهدد إنجازاته”.
وقد كان الأمير قاب قوسين أو أدنى من تحقيق مصالحة تاريخية بين الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي، وبضغطٍ أيضا من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، لولا تعنت أبوظبي التي أصرت على إبقاء الحصار ما لم تنصَع الدوحة لمطالب دول الحصار حسب ما كشفت عنه شبكة فوكس نيوز.
أما ثالثة الأثافي فكانت مخالفة الإمارات الإجماع العربي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وضرب المبادرة العربية بالحائط والذهاب بشكل أحادي للتطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، متجاهلةً الحقوق الفلسطينية المشروعة بإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني. وليس هذا وحسب بل العمل كوكيل لإسرائيل من خلال الضغط واغراء دول عربية وإسلامية أخرى للتوجه نحو التطبيع كما هو الحال مع البحرين التي أعلنت تطبيع علاقتها مع تل أبيب، والسودان التي ما زالت في طور المفاوضات من أجل الحصول على عرض مغرٍ أكثر.
لقد كانت مواقف الكويت عموماً، ومواقف الشيخ الصباح خصوصاً، دائما مع الشعب الفلسطيني، ومناصرةً لقضاياه العادلة. وليس هذا بالأمر المستغرب نظراً للعلاقة التاريخية والحميمية التي تجمع الشعب الفلسطيني بالكويت التي كانت من أوائل الدول العربية التي رحبت بالفلسطينيين إثر نكبته عام 1948، ونكسته عام 1967، حيث حظي الكويت بجالية فلسطينية كبيرة قدرت في بعض الأوقات بنصف مليون فلسطيني، تمتعوا بحياة كريمة، ووضعٍ معيشي واقتصادي مريح، وقد ساهمت الكويت بشكل كبير في دعم منظمة التحرير الفلسطينية، هذا بالرغم من توتر العلاقات لاحقاً إثر وقوف ياسر عرفات في خندق صدام حسين إثر غزو الكويت.
لقد رحل الشيخ صباح الأحمد الصباح، وهو ينظر بنوع من الأسى إلى السياسات التخريبية التي تقوم بها أبو ظبي، وأظنه غادر الحياة وفي قلبه غصة أنه لم يستطع أن يردع حُكام الإمارات، أو يصلح ما أفسدوه.
جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.
المصدر: TRT عربي