أكد مقـ.ـتل مئات الروس..قيادي في فاغنر يفضـ.ـح أدوار روسيا الإجرامية بسوريا ومنها غسيل الدماغ..اليك التفاصيل
جالساً في مقهى في إحدى ضواحي موسكو الراقية، بدا المرتزق السابق مارات جابيدولين بعيداً عن ساحات الصراع في سوريا حيث قاتل قبل نصف عقد.
قال جابيدولين، وهو يمسك مذكِّراته التي تم الانتهاء منها مؤخراً، في أول رواية منشورة حول فاغنر: “لقد كتبتُ هذا لأنني أدركتُ أن الوقت قد حان لبلدنا لمواجهة الحقيقة: المرتزِقة موجودون”.
وأضاف جابيدولين الذي يبلغ من العمر 55 عاماً ويتمتّع بعضلات مغطاة بالندوب: “نحن في روسيا نفضّل عدم الحديث عن مرتزِقتنا.. إنه لا يتناسب مع الرواية الرسمية”.
قائد لإحدى وحدات فاغنر الخمس بسوريا
في عام 2015، انضمّ جابيدولين، وهو جندي روسي في القوات المحمولة جواً وحارس شخصي سابق، إلى فاغنر، التي كانت في ذلك الوقت مجموعة مرتزقة غير معروفة نسبياً. وسرعان ما تم إرساله للقتال في سوريا إلى جانب الجيش الروسي الداعم لبشار الأسد، ثم ترقى لقيادة إحدى وحدات فاغنر الخمس هناك.
تأسست فاغنر في عام 2014، لدعم الانفصاليين الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا، ويُزعَم أن الذي أسّسها هو يفغيني بريغوزين، رجل الأعمال القوي المرتبط ارتباطاً وثيقاً بفلاديمير بوتين.
منذ بداية الشركة، يكتنفها الغموض. على الورق، الشركة غير موجودة، مع عدم العثور على تسجيل الشركة أو الإقرارات الضريبية أو الهيكل التنظيمي.
تجادل الحكومات والأكاديميون الغربيون بأن فاغنر ما هي إلا أداة غير رسمية للسياسة الخارجية للكرملين، يتم نشرها حيث تريد روسيا توسيع نفوذها أو إحداث اضطرابات. نفى بريغوزين وموسكو أي معرفة بفاغنر. رسمياً لا تزال الشركات العسكرية الخاصة غير قانونية في روسيا. ولم يردَّ ممثلو بريغوزين على طلبات التعليق لصحيفة “الغارديان” البريطانية.
لم يحاول جابيدولين إنكار وجود فاغنر أو دوره النشط في المصالح الأمنية الروسية. في المقابل، قال إن أحد دوافعه الرئيسية وراء تأليف الكتاب هو إخراج شركات المرتزقة مثل فاغنر “من الظل”، وتسليط الضوء على الفوائد المحتملة لأهداف السياسة الخارجية لروسيا.
وقال: “يجب أن لا نخجل من مجموعات المرتزقة فهي موجودة في كل مكان، لكننا نكذب على أنفسنا بشأن وجودها”، مضيفاً: “لدينا مهارات متخصّصة يَفتقر إليها الجيش التقليدي”.
وأكّد أن إنجازات الجيش الروسي في سوريا كانت إلى حدّ كبير بسبب تضحيات المرتـ.ـزقة. وشكا غابيدولين من أن هذه الحقيقة تتجاهلها المؤسسة العسكرية تماماً، وليست معروفة للجمهور الأوسع، متذمراً من أن جنرالات الجيش الروسي “المتواضعين” تلقّوا ترقيات بناءً على نجاحات فاغنر.
يصف جابيدولين في المذكِّرات المستنِدة إلى الأحداث التي شاهدها في سوريا، بعض المعارك الكبرى التي خاضتها فاغنر، بما في ذلك عمليتان للسيطرة على مدينة تدمر القديمة.
نهـ.ـب وقتلـ.ـى بالمئات
تصف المذكّرات أيضاً الحياة اليومية للمرتزقة، بما في ذلك النهـ.ـب العرضي وأخطاء قادتهم.
أكد جابيدولين الذي يعاني مشكلة في السمع بعد سنوات من القـ.ـتال، أنه شارك أيضاً في معركة حقل كونيكو للغاز شرق سوريا عام 2018 ، حيث قُتل مئات من المـ.ـرتزقة الروس بعد غارات جوية أمريكية ضد القوات الموالية للنظام، فيما يُعتقد أنه أعنف اشتباك بين روسيا والولايات المتحدة منذ الحـ.ـرب الباردة.
وقال: “ما كان يجب أن نكون هناك أبداً، قادتنا وقعوا بالخطأ .. الأمريكيون عرفوا بالضبط أين كنا”.
بعد سوريا، ازدادت سمعة فاغنر السيّئة بعد التقارير عن العمليات في جمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا، الدول الغنية بالموارد والتي تمتلك فيها روسيا مصالح إستراتيجية. أدى النفوذ المتزايد للمجموعة أيضاً إلى انقسام مالي وشركائها الأوروبيين بعد أن نشرت الدولة الواقعة في غرب إفريقيا مقاتـ.ـلي فاغنر في كانون الأول الماضي.
ومع تصاعد التوترات بشأن أوكرانيا في الأشهر الأخيرة، ذكرت وكالة رويترز أنه تم إرسال مرتزقة روس لم تسمِّهم إلى شرق أوكرانيا الذي يسيطر عليه الانفصاليون. في الأسبوع الماضي، أفادت صحيفة ديلي بيست الأمريكية بعمليات نقل لجنود فاغنر من إفريقيا، وربما باتجاه أوكرانيا.
قال جابيدولين إنه “سمع بشكل غامض” عن نشر المرتزقـ.ـة في أوكرانيا، مضيفاً بسرعة أن الغزو الروسي سيكون خطأ “قاتلاً”. وأعرب عن اعتقاده أن الحرب بين أوكرانيا وروسيا ستكون كارثة كاملة لروسيا. وأضاف: “تحت أي ظرف من الظروف لا ينبغي السماح بذلك.. أوكرانيا شقيقتنا”.
طوال المحادثة، بدا جابيدولين مضطرباً نوعاً ما، وعيناه الزرقاوان الثاقبتان تندفعان حول المقهى الفارغ. قال إنه قلق بشأن عواقب نشر كتابه وكان حريصاً على تجنّب ذكر رئيسه السابق بريغوزين.
وتابع:”أظن أنه ستكون هناك محاولات من قبل [بريغوزين] لتشويه سمعتي.. أنا أمشي على حبل مشدود هنا”.
بداية أراد جابيدولين نشر المذكرات في عام 2020 لكنه سرعان ما سحب كتابه بعد ضغوط من “أشخاص معيّنين”، لكن هذه المرة، قرّر عدم التراجع ووجد ناشراً “شجاعاً” في مدينة إيكاترينبرغ. كما تخطّط دار النشر “ميشيل لافون” ومقرها باريس لتوزيع نسخة فرنسية.
“قلت لنفسي: كفى، حان الوقت للخروج من الظل.. لن أتراجع عن النشر مرة أخرى”. قال جابيدولين: “لأن الأمر لا يتعلق بي فقط”.
وأشار إلى أن الحظر المفروض على الشركات العسكرية الخاصة في روسيا يضغط على أفراد عائلات المرتزقة المتوفين للتكتم على موت أحبائهم. ويأمل جابيدولين أن يساعد كتابه في رفع حجاب السرّية حول مهنته السابقة.
“هذا الوضع الحالي لا يناسب الكثير من رفاقي. والأهم من ذلك أنه لا يناسب ذوي المرتـ.ـزقة القتلى وأقاربهم، الذين لا يستطيعون حتى التحدث بصراحة عن كيفية وفاة ابنهم أو أخيهم. يمكنهم فقط أن يهمسوا بها”.
غـ.ـسيل دماغ للروس
بينما تتحدى مذكرات جابيدولين الرواية الرسمية فيما يتعلق بوجود مرتزقة في روسيا، ظهرت أيضاً حملة علاقات عامة منفصلة العام الماضي للترويج لأنشطة مجموعات مثل فاغنر.
عرض التلفزيون الروسي الحكومي مؤخراً العديد من الأفلام أنتجتها شركات مرتبطة ببريغوزين تصوّر “مدرّبين ومتطوّعين عسكريين روساً” لم تتمّ تسميتُهم يقاتلون في شرق أوكرانيا وجمهورية إفريقيا الوسطى وموزمبيق، الأماكن التي كان مقاتلو فاغنر ينشطون فيها.
الأفلام التي وصفها جابيدولين بأنها “قمامة” تصوّر “أبطال” الروس المزعومين وهم ينقذون السكان المحليين من المتمردين العنيفين. وهي تتعارض بشكل صارخ مع تقارير الأمم المتحدة الأخيرة التي تتهم عملاء فاغنر باغتـ.ـصاب المدنيين في جمهورية إفريقيا الوسطى، أو مزاعم بأن عناصر فاغنر عـ.ـذّبوا وقتـ.ـلوا سجيناً في سوريا.
في مواجهة هذه الاتهامات، قال جابيدولين إنه لم يرَ رفاقه متورّطـ.ـين في مثل هذه الأفعال، لكنه استدرك بالقول إن “مثل هذه الجرائم كانت متوقعة بالنظر إلى الوضع الغامض الحالي لفاغنر حيث تضع الدولة المرتزقـ.ـة في موقف يمكنهم فيه التصرف خارج القانون، ويضطر العنصر إلى اتّباع قواعده الأخلاقية الخاصة. لكن، بالطبع ، لا بد من التحقيق في هذه التجاوزات”.