الجولاني يستـ.ـغل خلافات الفصائل وصراعاتها للتمدد في الشمال والجبهة الشامية محاصرة بين الحلفاء بهذه الطريقه!
لا تزال تداعيات الاقتتال بين الفصائل، الذي اندلع في مناطق سيطرة الجيش الوطني مستمرة، حيث استولت هيئة تحرير الشام على عدد من القرى في ريف مدينة عفرين بريف حلب الشمالي يوم الإثنين، على الرغم من توقيع اتفاق بوقف العمليات، الأمر الذي رأى فيه الكثيرون تأكيداً على سعي الهيئة للتمدد في مناطق الجيش الوطني، مستغلة ما تعانيه هذه المناطق من مشاكل أمنية وإدارية، في وقت أثار فيه استسلام أو تسليم عدد من الفصائل لمواقعها في منطقة عفرين إلى قوات هيئة تحرير الشام غضب وتساؤلات الكثيرين.
أصل الخلاف
وكانت اشتباكات قد اندلعت يوم السبت بين “الفيلق الثالث” الذي تقوده” الجبهة الشامية” وبين “الفرقة “٣٢ التابعة للفيلق والتي أعلنت الانشقاق عنه، بعد رفض قادة الفرقة القبول بقرارات لجنة خاصة تشكلت للنظر في الخلاف.
والفرقة ٣٢ هي المسمى الذي أطلق على مجموعة تابعة لحركة أحرار الشام من أبناء ريف حلب لدى انضمامها إلى الجبهة الشامية عام ٢٠١٧ بعد الهزيمة التي منيت بها الحركة في شمال غرب سوريا على يد هيئة تحرير الشام، قبل أن تطالب بالانشقاق عن “الشامية” مؤخراً.
وهذه هي المرة الثانية التي يشتبك فيها الطرفان، حيث سبق وأن خاضا مواجهات مماثلة في ريف مدينة الباب شرق حلب قبل أن يتدخل وسطاء، ثم تشكل وزارة الدفاع التابعة للحكومة المؤقتة “اللجنة الوطنية للإصلاح” بهدف حل الخلاف بينهما، ورغم مرور وقت طويل على إصدار اللجنة قراراتها إلا أن قيادة الفرقة ٣٢ رفضت الانصياع لها.
وبينما تقول حركة أحرار الشام/القيادة العامة بأن القرارات لم تكن منصفة، وبأنها جاءت محابية للجبهة الشامية، تقول مصادر متقاطعة بأن قيادة الجناح المرتبط بهيئة تحرير الشام في الحركة، والتي تطلق على نفسها اسم (القيادة العامة) مارست التعنت من أجل إيجاد ذريعة تُمكن من خلالها الهيئة من الدخول إلى مناطق سيطرة الجيش الوطني.
ومنذ أكثر من عامين شهدت أحرار الشام انقساماً لم تتمكن كل الجهود من رأبه، حيث قاد رئيس الحركة الأسبق حسن صوفان، الذي خرج بصفقة تبادل عام ٢٠١٧ مع النظام، انشقاقاً عن الحركة الأم بحجة أن قيادتها ضعيفة وباتت تابعة بشكل كامل لتركيا، لكن الحركة تقول إن صوفان ينفذ أجندات تحرير الشام وقائدها (أبو محمد الجولاني).
مطامع صريحة
أطماع هيئة تحرير الشام بمناطق سيطرة الجيش الوطني لم تعد خافية، حيث دأب قادة فيها وحسابات تابعة لها على مواقع التواصل الاجتماعي منذ أشهر على التلويح بدخول هذه المناطق، سواء بالقوة أو من خلال فصائل أخرى عاملة في المنطقة.
وتستغل الهيئة الواقع المتدهور في هذه المناطق والنقمة الشعبية هناك للترويج لخطتها، بينما تعاني مناطق سيطرتها هي الأخرى من مشاكل مشابهة، إلا أن ما يميزها خضوعها لسلطة مركزية واحدة تهيمن عليها الهيئة.
وتعتبر هذه النقطة محورية في الانقسامات والخلافات المزمنة بين فصائل الجيش الوطني، التي تتقاسم مناطق السيطرة والنفوذ، ما أدى لعدم تمكن الحكومة المؤقتة من بسط سيطرتها، الأمر الذي لم تنجح كل محاولات الاندماج والتوحد بين الفصائل في حله.
وفي هذا الصدد تقول مصادر مقربة من الجبهة الشامية لـ”أورينت نت” إن الفصائل الأخرى تنقم على الجبهة بسبب سعيها إلى توحيد هذه المناطق تحت سلطة مركزية قوية تضع حداً للفوضى القائمة، الأمر الذي أفشلته بقية الفصائل باستمرار، متهمة “الشامية” بالعمل على ابتلاع بقية القوى والهيمنة عليها، وفرض مشروعها على الجميع كونها الفصيل الأكبر والأقوى.
وبرزت أول مظاهر هذا الانقسام بشكل واضح خلال الحملة التي أطلقتها غرفة القيادة الموحدة “عزم” ولجنة رد المظالم ضد “فرقة السلطان سليمان شاه” التي يقودها محمد الجاسم “أبو عمشة” قبل خمسة أشهر، حيث دعم عدد من الفصائل الفرقة بحجة منع الجبهة الشامية من الهيمنة.
كما توجهت للجبهة اتهامات بجني أموال طائلة من المعابر غير الرسمية، ومن الضرائب والرسوم التي تفرضها على حركة المرور والنقل، وسعيها للسيطرة على المعابر الأخرى التي بيد بقية الفصائل، الأمر الذي دفع قادتها إلى تقديم شكاوى ضد الشامية لدى الأتراك، والتقارب مع هيئة تحرير الشام بحثاً عن الحماية.
ترجمة لأزمة مزمنة
وعليه يرى الكاتب والمحلل السياسي “يمان دابقي” أن ما جرى مؤخراً هو امتداد لأزمة عمرها خمس سنوات، وأكد أن هيئة تحرير الشام بات لديها سطوة على العديد من فصائل الجيش الوطني.
ويقول في تصريح لـ”أورينت نت”: منذ انتهاء ولاية حسن صوفان كقائد لحركة أحرار الشام بدأت المشاكل تتفاقم داخل الحركة بين فريق يؤيد هيئة تحرير الشام يقوده صوفان، وبين فريق آخر معاد للهيئة، وما حصل أخيراً في ريف حلب هو من تداعيات ذلك الانقسام، حيث استغل صوفان وفريقه توقف الحديث عن معركة مع ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية “قسد” لتحريك مقاتلي الفرقة ٣٢ التابعين له من أجل زعزعة الأوضاع في ريف حلب، تمهيداً لتحقيق هذا الاختراق الهادف إلى البدء بمشروع التمدد للمنطقة.
ويضيف دابقي: الأمر الذي يجب الإقرار به اليوم أن هيئة تحرير الشام تبين أن لها سطوة على العديد من الفصائل في شمال حلب، بدليل مرور أرتالها على الحواجز دون أن تواجه أي مقاومة، وهذا إما نتيجة الخوف أو بسبب تنسيق مسبق يتهمهم به أنصار الجبهة الشامية.
وكانت “هيئة ثائرون” التي يقودها “فهيم عيسى” و”فرقة الحمزة وفيلق الشام” قد واجهوا انتقادات حادة على مدار اليومين الماضيين، وصولاً إلى اتهامهم بالتواطؤ مع تحرير الشام وتسلميها مناطق في ريف عفرين وجنديرس من أجل الضغط على الجبهة الشامية التي اضطرت إلى الانسحاب من معاقل الفرقة ٣٢ شرقاً، مقابل انسحاب الهيئة من القرى والبلدات التي تقدمت إليها غرباً.
لكن ظهر الإثنين عادت قوات من تحرير الشام لتسيطر على عدد من القرى الواقعة في منطقة غصن الزيتون بريف عفرين، ومنها “برج حيدر وباصوفان وفافرتين وكباشين” الأمر الذي رأى فيه كثيرون تأكيداً على عدم تراجع الهيئة عن خطتها، رغم الحديث عن تدخل تركي، والطلب منها الانسحاب من كل المناطق التي تقدمت إليها.
مؤشرات سلبية
ما سبق يعطي مؤشرات سلبية واضحة ولم تكن غائبة في الواقع، كما يقول يمان دابقي، عن حقيقة الوضع في مناطق سيطرة الجيش الوطني وطبيعة العلاقة بين فصائله، ومدى فاعلية وزارة الدفاع ومؤسسة الجيش الوطني.
ويؤكد أن المؤشر الأول هو عمق الخلافات بين هذه الفصائل وعدم وجود أي تنسيق فيما بينها، والثاني غياب أي سلطة حقيقة للجيش الوطني ووزارة الدفاع على هذه الفصائل، بدليل فشله حتى في جمعها على توافق حول الحد الأدنى من القواسم المشتركة.
لكنّ كثيراً من المراقبين يذهبون أبعد من ذلك حين يؤكدون أن العلاقة بين فصائل الجيش الوطني مأزومة إلى حد أعمق بكثير من مجرد الخلافات التقليدية، وأن تفاعل غالبية هذه الفصائل مع أزمتها أخذت منحى خطيراً في الأشهر الأخيرة الماضية من خلال إقامة علاقات غير متوازنة مع هيئة تحرير الشام.
مصادر محلية مطلعة أبلغت “أورينت نت” أنه ومنذ أشهر فتح قادة عدد من الفصائل خطوط اتصال مع قيادة الهيئة، لتتطور إلى تعاون اقتصادي ومن ثم لقاءات مباشرة نكاية بالجبهة الشامية، التي تتهمها هذه الفصائل بالسعي للهيمنة عليها وتقويضها.
وهنا يرى “وائل علوان” الباحث في مركز “جسور للدراسات” أن الواقع المرير الذي تعيشه قوى الجيش الوطني لم يكن ليقود إلا إلى ما وصل إليه الجميع اليوم مع فشل كل محاولات إصلاحه، والرابح الأكبر في النهاية هي هيئة تحرير الشام كما يبدو.