شاهد بالفيديو يوم ركعت أوروبا للعثمانيين وفشلت باحتـ.ـلال إسطنبول… إليك التفاصيل
جناق قلعة هي مدينة تركية تقع على مضيق الدردنيل المحوري بين البحر الابيض المتوسط والبحر الأسود.
في بداية العقد الثاني من القرن الماضي وتحديدا في عام 1915م خلال الحرب العالمية الأولى عزم كل من بريطانيا، فرنسا، أستراليا ونيوزيلندا على شن حملة عسـ.ـكرية اسموها بحملة جاليبولي لاحتـ.ـلال إسطنبول عاصمة الدولة العثمانية آنذاك وبطلب روسي للزحف إلى الشمال لمساندة روسيا ضد القـ.ـوات الألمانية لتكبدها خسـ.ـائر فادحة خلال الحـ.ـرب وأيضًا لأن المنطقة ذات طابع جغرافي وعسـ.ـكري واقتصادي.
(ملاحظة: الفيديو أسفل المقال)
من وجهة نظر بريطانيا فإن إسطنبول وقد كانت تسمى القسطنـ.ـطينية في العهد القديم هي إرث لهم فإن العثمانيون فتحوها بالتكبير والتهليل على يد السلطان محمد الفاتح ويجب أن تعود مهما كلف الأمر وباحتـ.ـلال العاصمة فإن الدولة العثمانية تضعُف أكثر فأكثر.
بدأ التحالف بالتجهيز لهذه المعـ.ـركة بالسـ.ـفُن والأساطيل التي سوف تغـ.ـزوا وتدمـ.ـر كل ما يقف في طريقها وكان من المتوقع أن تكون المعـ.ـركة سريعة وحاسمة حيث أن الجـ.ـنود وضبـ.ـاط الجيـ.ـش كانوا يبعـ.ـثون بالرسائل إلى أهليهم يبشروهم بعودة المدينة وبالنـ.ـصر العظـ.ـيم الذي سوف يحققونه فيها.
ومن الجانب العثماني فقد حشـ.ـد العثمانيون كل طاقاتهم وقواتـ.ـهم لتصـ.ـدي الهجـ.ـوم فإن سقطت إسطنبول ستسقط الدولة برمتها فما كان منهم إلا أن حشدوا المـ.ـدافع والجـ.ـنود لإستقبال الملحـ.ـمة التي سوف يتذكرها العالم ويسطرها التاريخ.
لم يكن للدولة العثمانية فعل شيء إلا خوض هذه المعـ.ـركة أمام الاتفاقيات التي عقدتها الدول الكبرى المتحالفة ( إنكلترا وفرنسا) التي تنوي الاستيلاء على إسطنبول، فاتحةً بذلك الطريق أمام روسيا لإمدادها بالمساعدات العسكرية والغذائية في حربها ضد ألمانيا، حيث كانت روسيا بالكاد تنتج ثلث حاجتها من المعدات العسـ.ـكرية، بالإضافة إلى المعاناة التي كانت تعيشها روسيا جراء قطع علاقاتها التجارية مع العالم.
ويمكن القول إن الاستيلاء على المضائق بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود وإيقاع مدينة إسطنبول تحت السيطرة كان له منافع تجارية وعسكرية لدول التحالف إنكلترا وفرنسا.
كانت ألمانيا قد طلبت من تركيا الدخول إلى المعـ.ـركة إلا أن أنور باشا لم يرغب دخول المعركة فعليا لعدم اكتمال الاستعدادات في الحامـ.ـيات العسـ.ـكرية في جناق قلعة. وحسم الأمر بدخول سفن الأسطول الحربي الإنكليزي التي دخلت البحر الأبيض المتوسط.
وأعلن بدء الحرب في 1914 بقصف سفن الأسطول العثمـ.ـاني المرافـ.ـئ الروسيـ.ـة في البحر الأسود التي كانت تجهز فيالقا لاحتـ.ـلال المـ.ـضيق.
وكان ونستون تشرشل يرى أن جناق قلعة ستكون لقمة سائغة بعد الضعف الذي أصاب الأتـ.ـراك عقب حرب البلقان.
ودخلت فرق أسترالية ونيوزلاندية مجهزة كامل التجهيز المعـ.ـركة، حيث كانت وحداتها المقـ.ـاتلة تنتظر في مصر وخاضت هذه القـ.ـوات الحـ.ـرب بدل الفيالق الروسـ.ـية التي قاتـ.ـلت في معارك أخرى.
(ملاحظة: الفيديو أسفل المقال)
الصدمة الأولى
وصل الأسطول إلى مياه مضيق الدردنيل ولجسِ نبض القوات العثمانية ألقت المدمـ.ـرات القـ.ـنابل على بعض النقاط العسـ.ـكرية فلم يتم الرد فزادت ثقة قـ.ـوات التحـ.ـالف بنفسها وظنوا أن الأمر سوف يكون أسرع وأسهل من المتوقع وبعدها تحركوا لشـ.ـن الهجـ.ـوم.
ولكن حدث ما هو غير متوقع فإن الأسـ.ـطول قد إصطدم بحقل ألغام مخفي مما تسبب بخسـ.ـائر كبيرة مما جعلهم يتراجعون لأخذ خطة بديلة.
وحاك القدر الظروف لتبدأ معركة جناق قلعة بشنّ أسطول مؤلف من سفن إنكليزية وفرنسية هجوما واسعا بلغ ذروته في 18 آذار 1915، إلا أنّ هذا الهجوم باء بالفشل ليعدل أسطول التحالف عن الهجوم البحري ويستبدله بالهجوم البري والاستيلاء على المواقع الدفاعية الساحلية. فدخلت القوات الإنكليزية والفرنسية لتتمركز في 5 مناطق جنوب شبه جزيرة غاليبولي في 25 نيسان/ أبريل من نفس العام واستطاعوا في البداية إحراز تقدم سرعان ما قابلته إرادة الجنود العثمانيين مجبرةٌ إياهم على التراجع لتفشل مخطط استيلاءهم على غاليبولي، على الرغم من وصول قوات للإمداد.
مناورة
لم تسكت بريطانيا وحلفاؤها على هذا النصر العثماني الذي قام على استدراج وحدات أسطول التحالف إلى مياه المضيق واصطيادها بسهولة وسط حقل الألغـ.ـام البحرية
فرأت تعزيز الهجوم البحري على الدردنيل بهجوم بري، على أن يكون دور القوات البرية هو الدور الأساسي، في حين يقتصر دور القوات البحرية على إمداد القوات البرية بما تحتاج إليه من أسلحة وذخائر ومواد تموينية، ومساعدتها على النزول إلى البر، وحماية المواقع البرية التي تنزل بها.
وكانت القوات البريطانية البرية تتألف في معظمها من جنود أستراليين ونيوزلنديين، وهم معروفون بالبـ.ـأس الشـ.ـديد في القـ.ـتال.
بدأت هذه القوات تصل إلى بعض المناطق في شبه جزيرة جاليبولي حتى إذا اكتمل عددها بدأت هجـ.ـومها ونزلت بعض قواتـ.ـها في بعض المناطق، لكن خانها التوفيق في اختيار الأماكن الصالحة، إذ نزلت في أراض تنحدر تدريجيا نحو ساحل البحر، وقد انتهز العثمانيون هذه الفرصة واصطادوا القوات البريطانية والفرنسية المـ.ـهاجـ.ـمة وفتحوا النيـ.ـران فوق رؤسهم ليعلنوا القيامة بهذه الخطوة .
وقام مصطفى كمال أتاتورك الذي شارك في هذه الحرب كنقيب بإجبار الفرقة الإضافية التي أرسلت دعما للقوات الإنكليزية على التراجع إلى خط الصفر على البحر كما صد في اليوم التالي هجوم وحدات الأنزاك الأسترالية والنيوزلاندية.
وخرجت القوات الأجنبية جميعها من شبه جزيرة غاليبولي في كانون الثاني من عام 1915.
(ملاحظة: الفيديو أسفل المقال)
دور بلاد الشام
لم يشارك أهل بلاد الشام، وخصوصًا محافظتي إدلب وحلب، في حرب خلال حكم الدولة العثمانية، مثلما شاركوا في معركة جناق قلعة، رغم أنّها ليست الحرب الوحيدة التي خاضتها شعوب الإمبراطورية من خارج تركيا، وذلك منذ أنْ أعلن السلطان محمد رشاد مطلع أغسطس/آب 1914، النفير العام خلال الحرب العالمية الأولى، أو ما يعرف في منطقة الشام بالسفر برلك.
فجناق قلعة، وفق المؤرخ التركي، أنس دمير، كانت معركة الحسم، معركة البقاء أو الزوال، لأنها خط الدفاع الأول والأخير عن إسطنبول التي وعد الإنكليز الروس بتسليمها. وقدمت حلب وحدها، بحسب كتاب دمير، 972 ضحية خلال السفر برلك حصة معركة جناق قلعة 551 ضحية، أي أكثر مما قدمته 41 ولاية موجودة في يومنا هذا ضمن أراضي الجمهورية التركية.
دمير الذي يفصّل بكتابه عن المعركة، يلفت إلى فتوى الجهاد التي أطلقتها مؤسسة الخلافة آنذاك، ولقيت تأييداً كبيراً من قبل المسلمين في البلقان والشرق الأوسط والقوقاز وشمال أفريقيا وشبه الجزيرة العربية. لكن ولاية حلب ومناطق إدلب والباب، كان لها الدور البارز بالبسالة وتحقيق النصر، كما فعل الجندي الحلبي، مصطفى بن محمد الذي أرّخ الكاتب التركي مآثره البطولية. وليوم معركة جناق قلعة لدى الأتراك حتى اليوم، ذكرى خاصة وتختلف ربما عن جميع المعارك التي خاضها العثمانيون، أو التي تلت الإمبراطورية خلال حرب الاستقلال التي قادها مؤسس الجمهورية، مصطفى كمال أتاتورك.
موقف
ومن المواقف التي تُذكر في هذه المعـ.ـركة بأن اسطول التحالف فتح نيـ.ـرانه ضد المدفعـ.ـية العثمـ.ـانية مما تسبب بضرب نقطة عسـ.ـكرية مهمة للعثمانيين حيث أنهُ قُتـ.ـل الجميع ودُمـ.ـرت الرافـ.ـعة التي تحمل القنـ.ـابل ولكن فجأة من تحت الانقاض خرج رجل يُدعى العريف سعيد تشابوك ونظر حوله فوجد أن كل شيء قد دُمر فلملم نفسه وقام وأخذ بحمل قنـ.ـبلة تزن ما يقارب 250 كيلوغرام على ظهره ووضعها في المدفـ.ـعية وقام بإطـ.ـلاقـ.ـها فأصابت أحد أهم سُفن التحالف مما رفع المعنويات عند الجـ.ـنود العثمانيون وبدؤا بالتكبير لرفع معنويات الجـ.ـيش بأكمله.
أما عن سيد علي فقد طلبوا منه بعد انتهاء المعركة حمل القذيفة التي يتجاوز وزنها الـ200 كيلو غراما من أجل تصويره فلم يستطع حملها، وصنعت من أجل الصورة قذيفة خشبية. وقال علي سيد: “لو حصلت معركة أخرى لحملتها.”
(ملاحظة: الفيديو أسفل المقال)
أهمية المعركة
جناق قلعة، وفق المؤرخ التركي، أنس دمير، كانت معركة الحسم، معركة البقاء أو الزوال، لأنها خط الدفاع الأول والأخير عن إسطنبول التي وعد الإنكليز الروس بتسليمها
والسبب برأي أستاذة التاريخ، سيهان بولكجو، أن خسارة تلك المعركة كانت ستغير من ملامح التاريخ والجغرافيا حتى اليوم، فسقوط إسطنبول التي كانت المرجعية الدينية في العالم الإسلامي، والعاصمة السياسية والإدارية للدولة العثمانية، يعني هزيمة لمنطقة وتاريخ الحضارة الإسلامية. لذلك رأينا، وفق كتب التاريخ والوثائق، الالتفاف حول السنجق الشريف (راية يعتقد أنها استخدمت من قبل النبي محمد) جمعت متطوعين من جميع الدول الإسلامية وقتذاك.
معركة جناق قلعة تأخذ أهميتها من نواح عدة، فهي كانت المعركة الفاصلة بالنسبة للدولة العثمانية، بعد اتحاد جيوش أوروبية عدة، وتصميمها على دخول إسطنبول
وتقول المتخصصة بولكجو لـ”العربي الجديد” إنّ معركة جناق قلعة تأخذ أهميتها من نواح عدة، فهي كانت المعركة الفاصلة بالنسبة للدولة العثمانية، بعد اتحاد جيوش أوروبية عدة، وتصميمها على دخول إسطنبول. ولهذه المعركة ذكريات خاصّة مثل عدم كشف قوة المدفعية العثمانية خلال الاختبار الإنكليزي الذي سبق المعركة، ومفاجأة تلغيم مياه المضيق، وعدد القتلى الذي تجاوز نصف مليون بين الطرفين.
لكن سبب أهمية المعركة واستمرار الاحتفال بها حتى اليوم، هو لأنها كانت منطلق حملة الإنكليز والفرنسيين نحو إسطنبول. البداية كانت من جناق قلعة ثم بحر مرمرة ثم البوسفور ثم مدخل البحر الأسود للوصول للشمال الشرقي من تركيا، ومساندة روسيا ضد الألمان، وتأمين وصول المؤن والذخائر، بعد أن تكبدت القوات الروسية خسائر كبيرة. ويعني ذلك أنَّ “جناق قلعة بدلت الخطط وربما غيّرت التاريخ”. ومن أهمّ الأعمال السينمائيّة حول المعركة، فيلم “عراف الماء” The Water Diviner الذي قام ببطولته الممثل النيوزيلندي الشهير راسِل كرو، والذي تناول قصّة المزارع الأسترالي جوشوا كونور الذي يبحث عن أطفاله الثلاثة المفقودين في أعقاب المعركة.
انتهت هذه المعركة التاريخية بانتصار الجيش العثماني على قوات التحالف بقيادة الامبراطورية البريطانيا وقُتل من جانب التحالف ما يقارب 300 ألف جندي واستشهد من الجانب العثماني ما يقارب 250 ألف جندي.
إن هذه المعركة وغيرها من المعارك التي خاضتها الدولة العثمانية في تاريخها وتحديدًا اليوم الأخير فيها الذي حسم الأمر هو يوم من أيام الله الذي ينتصر فيه الحق على الباطل وتُرفع فيه رايات العدالة في الأرض، جيوش مجتمعة لم تستطع وتجرؤا على جيش واحد وهم كانوا يفوقون الجيش العثماني بالعدة والعتاد.
وتذكر الإحصائيات أن عدد من المؤسسات التعليمية في ذلك الوقت لم تخرج طلابا لأنهم استشهدوا جميعا في المعركة.
يقول الله تعالى: “فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ ۚ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” صدق الله العظيم.
المصدر: الجزيرة + العربي الجديد + ترك برس